الحديث السادس والثلاثون :
جَوَامع الخَيْرِ
أهمية الحديث ، مفردات الحدث ، المعنى العام:(1-واجبات المسلم نحو أخيه المسلم 2- كرب يوم القيامة والخلاص منها 3 ـ التيسير على المعسر 4-ستر المسلم 5-الشفاعة لمن وقعت منه معصية 6-التعاون بين المسلمين وعون الله تعالى لهم 7-طريق الجنة 8- حكم طلب العلم : أ- "فرض عين ، ب- فرض كفاية" 9-التحذير من ترك العمل بالعلم 10-نشر العلم 11-الإخلاص في طلب العلم وترك المباهاة به 12 ـ الواجب على طالب العلم تجاه كتاب الله 13 ـ ما يجب على طالب العلم تجاه السنة 14-ذكر الله تعالى 15-عمارة المسجد 16-إنسانية الإسلام وعدالته 17-ولاية الإيمان والعمل لا ولاية الدم والنسب ، ) ما يستفاد من الحديث
عن أبي هُرَيْرَة t[1]،عن النَّبِيِّ r قال: (( مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً من كُرَبِ يوْمِ القيامَةِ، ومَنْ يَسَّرَ على مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عليه في الدنْيا والآخِرَةِ، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة ، واللهُ في عَوْنِ الْعَبْدِ ما كانَ الْعَبْدُ في عَونِ أخيهِ. ومَنْ سلك طَريقاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْماً سَهَّلَ اللهُ له بِهِ طَرِيقاً إلى الجنَّةِ. وَمَا اجتَمَعَ قَوْمٌ في بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ ويَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إلا نَزَلَتْ عليهمُ السَّكِينَةُ ، وغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وحَفَّتهُمُ المَلائِكَةُ، وذَكَرَهُمُ اللهُ فيمَنْ عِنْدَه. وَمَنْ بَطَّأ بِه عَمَلُهُ لمْ يُسْرِعْ به نَسَبُهُ)). رَواه مسلم بهذا اللَّفظ[2]
أهمية الحديث : هذا الحديث موقعه عظيم ، لما فيه من البشارة والنذارة التي تدفع المؤمن للعمل في سبيل خدمة الناس ومجالسة أهل العلم والقرآن وذمِّ من يعتمدون على الأنساب ويُهملون الأعمال[3] .
مفردات الحديث: نفَّسَ : خفَّف و فرَّج . و الكربة[4]: الشدة العظيمة التي تُوقع من نزلت فيه بغم شديد. يسر على معسر : المعسر: من أثقلته الديون وعجز عن وفائها، والتيسير عليه مساعدته على إبراء ذمته من تلك الديون.
ستر مسلماً : بأن رآه على فعل قبيح شرعاً فلم يظهر أمره للناس.
ستره الله : حفظه من الزلات في الدنيا.
سلك : مشى، أو أخذ بالأسباب. طريقاً : مادية كالمشي إلى مجالس العلم وقطع المسافات بينه وبينها. أو معنوية كالكتابة والحفظ والفهم والمطالعة والمذاكرة وما إلى ذلك، مما يتوصل به إلى تحصيل العلم. يلتمس : يطلب. فيه : في غايته. علماً : نافعاً. له : لطالب العلم. به : بسبب سلوكه الطريق المذكور. طريقاً إلى الجنة : أي يكشف له طرق الهداية ويهيئ له أسباب الطاعة في الدنيا، فيسهل عليه دخول الجنة في الآخرة.
بيوت الله : المساجد. يتدارسونه بينهم : يقرأ كل منهم جزءاً منه، بتدبر وخشوع،ويحاولون فهم معانيه وإدراك مراميه.
السكينة : ما يطمئن به القلب وتسكن له النفس.
غشيتهم : غطتهم وعمتهم . الرحمة : الإحسان من الله تبارك وتعالى والفضل والرضوان.
حفتهم : أحاطت بهم من كل جهة. الملائكة : الملتمسون للذكر، والذين ينزلون البركة والرحمة إلى الأرض.
ذكرهم الله فيمن عنده : باهى بهم ملائكة السماء وأثنى عليهم. بطأ به عمله : كان عمله الصالح ناقصاً وقليلاً فقصر عن رتبة الكمال.
لم يسرع به نسبه : لا يعلي من شأنه شرف النسب.
المعنى العام:
1- المسلمون جسد واحد :
إن أفراد مجتمع الإيمان والإسلام أعضاء من جسد واحد، يتحسس كل منهم مشاعر الآخرين وتنبعث فيه أحاسيسهم، فيشاركهم أفراحهم وأحزانهم.
2- الحياة ملأى بالمتاعب والأكدار :
وكثيراً ما يتعرض المسلم لما يوقعه في غم وهم وضيق وضنك، مما يتوجب على المسلمين أن يخلصوه منه، ومن ذلك :
أ ـ نصرته وتخليصه من الظلم : كما قال r : " انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ، فقال رجل : يا رسول الله ، أنصره إذا كان مظلوماً ، أفرأيت إذا كان ظالماً ، كيف أنصره ؟ قال : تحجزه ، أو تمنعه ، من الظلم فإن ذلك نصره " رواه البخاري .[5]
ولا سيما إذا كان الظلم الذي يوقع عليه بسبب دينه وتمسكه بإسلامه، من قبل قوم كافرين أو فاسقين مارقين . قال تعالى : {وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ}[6].
ب ـ إقراضه المال إن احتاج إلى المال: قد يقع المسلم في ضائقة مالية، فيحتاج إلى النفقة في حوائجه الأصلية من طعام وشراب ومسكن وعلاج ونحو ذلك، فينبغي على المسلمين أن يسارعوا لمعونته، وعلى الأقل أن يقرضوه المال قرضاً حسناً، بدل أن يتخذوا عوزه وسيلة لتثمير أموالهم، وزيادتها، كما هو الحال في مجتمعات الربا والاستغلال، قال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا}[7].
وقال r : " من أقرض شيئاً مرتين كان له مثل أجر أحدهما لو تصدّق به " رواه البيهقي[8] ، بل قد يفوق أجرُ القرض أجرَ الصدقة ، حسب حال المقترِضِ والمُتَصَدَّقِ عليه .
3- كُرَبُ يوم القيامة والخلاص منها :
قال r : " أنا سيد الناس يوم القيامة ، وهل تدرون لِمَ ذلك ؟ يجمع الله عز وجل الأولين والآخرين في صعيد واحد يُسمِعُهُمُ الدَّاعِي ويُنْفِذُهُمُ البصرُ وتدنو الشمسُ فيبلغُ الناسُ من الغَمِّ والكربِ ما لا يطيقون ولا يحتملون فيقول بعض الناس لبعض : ألا ترون إلى ما أنتم فيه ؟ ألا ترون إلى ما قد بلغكم ؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم عز وجل ؟ " رواه أحمد .[9]
وفي خضم هذه الأهوال يتدارك المؤمن عدلَ الله عز وجل ، فيكافئه على صنيعه في الدنيا ، إذ كان يسعى في تفريج كربات المؤمن ، فيُفْرِجُ عنه أضعافَ أضعافِ ما أزالَ عنهم من غَمٍّ وكَرْبٍ : " من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كُرْبَةً من كُرَبِ يوم القيامة ".[10]
4- التيسير على المعسر :
الذي أثقلته الديون وعجز عن وفائها ويكون التيسير عليه بأمرين:
إما بمساعدته لوفاء دينه ، أو بالحطِّ عنه من دينه.
5- ستر المسلم :
إن تتبع عورات المسلمين علامة من علامات النفاق، ودليل على أن الإيمان لم يستقر في قلب ذلك الإنسان الذي همه أن يُنَقِّب عن مساوىء الناس ليعلنها بين الملأ .
روى الترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : صعد رسول الله r المنبر ، فنادى بصوت رفيع فقال : " يا معشر من قد أسلم بلسانه ولم يُفْضِ الإيمان إلى قلبه ، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم ، فإِنَّه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله "[11] ، أي منزله الذي ينزل فيه .
6- الستر على من وقع في معصية :
إذا اطلع المسلم على زلة المسلم ، فهل يسترها عليه أم يعلنها ؟ فإن هذا يختلف باختلاف أعمال الناس ، والناس في هذا على حالتين :
1- من كان مستور الحال : أي لا يعرف بين الناس بشيء من المعاصي، فمثل هذا إذا وقعت منه هفوة أو زلة وجب الستر عليه، ولا يجوز كشف حاله ولا التحدث بما وقع منه، لأن ذلك غيبة محرمة، وإشاعة للفاحشة.
2- من كان مشتهراً بالمعصية ، مستعلناً بها بين الناس : من لا يبالي بما يرتكب، ولا يكترث لما يقال عنه، فهذا فاجر مستعلن بفسقه ، فلا غيبة له، بل يندب كشف حالة للناس، وربما يجب، حتى يتوقوه ويحذروا شره، وإن اشتد فسقه، ولم يرتدع من الناس، وجب رفع الحالة إلى ولي الأمر حتى يؤدبه بما يترتب على فسقه من عقوبة شرعية، لأن الستر عليه يجعله وأمثاله يطمعون في مزيد من المخالفة، فيعيثون في الأرض فساداً، ويجرون على الأمة الشر المستطير. [12]
7- الشفاعة لمن وقعت منه معصية :
إذا وقعت من المسلم زلة، وكان مستور الحال، معروفاً بين الناس بالاستقامة والصلاح، ندب للناس أن يستروه ولا يعزروه على ما صدر منه، وأن يشفعوا له ويتوسطوا له لدى من تتعلق زلته به إن كانت تتعلق بأحد ، فقد قال r : " أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم ؛ إلا الحدود " رواه أبو داود[13]. أي تغاضوا عن زلات من عرفوا بالاستقامة والرشد .
8- التعاون بين المسلمين وعون الله عز وجل لهم :
إن المجتمع لن يكون سوياً قويماً، ولن يكون قوياً متماسكاً إلا إذا قام على أساس من التعاون والتضامن والتكافل فيما بين أفراده، فسعى كل منهم في حاجة غيره، بنفسه وماله وجاهه، حتى يشعر الجميع أنهم كالجسد الواحد، وقال r : " إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً " متفق عليه .[14]
ولا شك أن أعظم ثمرة يجنيها المسلم من إعانته لأخيه هي ذاك العون والمدد من الله تبارك وتعالى : "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ... " رواه مسلم[15] ، وكيف لا ، ولا حول للإنسان ولا قوة إلا بالله عز وجل؟ وهو سبحانه المحرك الحقيقي لهذا الكون، وهو المعطي والمانع، ومنه الصحة والمرض، ومنه القوة والضعف ، والغنى والفقر .
9- طريق الجنة :
إن الإسلام شرط النجاة عند الله عز وجل ، والإسلام لا يقوم ولا يكون إلا بالعلم ، فلا طريق إلى معرفة الله تعالى والوصول إليه إلا بالعلم ، فهو الذي يدل على الله سبحانه من أقرب طريق ، فمن سلك طريقه ولم يعوج عنه بلغ الغاية المنشودة ، فلا عجب إذن أن يجعل رسول الله r طلب العلم طريق الجنة ، ويبين أن كل طريق يسلكه المسلم يطلب فيه العلم يشق به طريقاً سالكة توصله إلى الجنة : " من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة " وليس أدل على ما نقول من أن الله تعالى جعل فاتحة الوحي إلى رسوله r أمراً بالعلم وبوسائل العلم ، وتنبيهاً إلى نعمة العلم وشرفه وأهميته في التعرف على عظمة الخالق جل وعلا وإدراك أسرار الخلق ، وإشارة إلى حقائق علمية ثابتة ، فقال سبحانه : {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإنسان مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}[16].
10- حكم طلب العلم في الإسلام :
أ- فرض عين : يتوجب على كل مسلم طلبه، وهو ما لابد لكل مسلم من معرفته: لتسلم عقيدته، وتصح عبادته وتستقيم معاملته على وفق شرع الله عز وجل ، وهو المراد بقوله r : " طلبُ العلم فريضةٌ على كلِّ مسلم ... " رواه ابن ماجه[17] ، أي: ذكراً كان أو أنثى .
ب- فرض كفاية : يتوجب على المسلمين بمجموعهم تحصيله، فإذا قام به بعضهم سقط الطلب عن الباقين، وإن لم يقم به أحد أثم الجميع، وهو التوسع في علوم الشريعة درساً وحفظاً وبحثاً، والتخصص في كل علم تحتاج إليه الجماعة المسلمة من علوم كونية، لتحفظ كيانها، وتقيم دعائم دولة الحق والعدل على الأرض قوية متينة، مهيبة الجانب.
وإنما يرث العلم النبوي العلماء العاملون المخلصون : " إن العلماء ورثة الأنبياء ، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ، إنما وَرَّثُوا العلم فمن أخذ به اخذ بحظٍّ وافر " رواه الترمذي [18]. فهم علائم الحق ومنارات الهدى التي تهتدي بها الأمة في مسالك حياتها، وتقتدي بهم وتسير وراءهم في شدائدها وأزماتها .
فما دام العلم باقياً في الأمة فالناس في هدى وخير، وحضارة ورقي ، واستقامة وعدل ، وإنما يبقى العلم ببقاء حَمَلَته العلماء ، فإذا ذهب العلماء وفُقِدوا من بين ظهرانَي الناس اختلت الأمور ، وانحرفت الأمة عن الجادة القويمة ، وسلكت مسالك الضلال ، وانحدرت في مهاوي الرذيلة والفساد ، وألقت بنفسها إلى الضياع والدمار ، وصدق رسول الله r إذ يقول: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يُبْقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً ، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا " متفق عليه واللفظ للبخاري.[19]
11- التحذير من ترك العمل بالعلم :
علمنا أن العلماء هم منار الهدى في الأمة، فإذا فقدوا ضلت الأمة طريقها السوي، والأشد سوءاً من فقد العلماء أن ينحرف هؤلاء عن الطريق التي أمرهم الله تعالى ورسوله r بسلوكها، فلا يعلموا بعلمهم الذي ورثوه عن الجناب النبوي، فيخالف فعلهم قولهم، ويكونوا قدوة سيئة للأمة في معصية الله عز وجل وترك طاعته .
قال r : " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيم أفناه ، وعن علمه فيم عمل به ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه " رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.[20]
12- نشر العلم :
لقد حث الإسلام على تعلم العلم وتعليمه، قال تعالى: { فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ}[21].
وقال r :" نَضَّرَ الله امرءاً سمع مِنَّا شيئاً فَبَلَّغَهُ كما سمع،فَرُبَّ مَبَلَّغٍ أوعى من سامع"رواه الترمذي.[22]وخير عمل يقوم به المسلم وينمو له أجره وثوابه عند ربه حتى بعد موته : أن يُعَلِّمَ الناسَ العلمَ الذي أكرمه الله تعالى به ومَنَّ عليه بتحصيله ، قال r : " إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة : إلا من صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له " رواه مسلم وغيره بنحوه .[23]
13- الإخلاص في طلب العلم وترك المباهاة والمباراة به :
على طالب العلم والعالم أن يخلص في طلبه وعلمه لله تعالى، ولا يقصد من ذلك إلا حفظ دينه وتعليمه للناس ونفعهم به، فلا يكون غرضه من تعلم العلم وتعليمه نيل منصب أو مال أو سمعة أو جاه، أو ليُقال عنه إنه عالم، أو ليتعالى بعلمه على خلق الله عز وجل، ويجادل به أقرانه ويباريهم، فكل ذلك مذموم يحبط عمله، ويوقعه في سخط الله تبارك وتعالى.
وروى الترمذي وغيره : " من طلب العلم ليجاري به العلماء، أو ليماري به السفهاء ، ويصرف به وجوه الناس إليه، أدخله الله النار" .[24]
14- " لا أدري" نصف العلم : من علائم الإخلاص في طلب العلم وتعليمه أن لا يأنف طالب العلم من أن يقول: لا أدري، فيما لا علم له به، وكثيراً ما كان العلماء يسأل أحدهم عن عديد من المسائل، فيجيب عن بعضها بما يعلم، ويجيب عن أكثرها بلا أدري، حتى قيل: لا أدري نصف العلم، لأنها علامة على أن قائلها متثبت مما يقول.
[ وللعلم فضائل كثيرة :
أولاً : أنه من أسباب دخول الجنة ، لحديث الباب .
ثانياً : من أسباب الرفعة ، قال تعالى : } يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات {[25] .
ثالثاً : أن الله لم يأمر نبيه بالاستزادة إلا من العلم ، قال تعالى : } وقل رب زدني علماً {[26] .
قال ابن القيم رحمه الله : ” ويكفي في شرفه أن فضل أهله على العباد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وأن الملائكة لتضع لهم أجنحتها وتظلهم بها وأن العالم يستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في البحر وحتى النمل في جحرها وأن الله وملائكته يصلون على معلمي الناس الخير ولقد رحل كليم الرحمن موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام في طلب العلم هو وفتاه حتى مسهما النصب في سفرهما في طلب العلم حتى ظفر بثلاث مسائل وهو من أكرم الخلق على الله وأعلمهم به ، وأمر الله رسوله أن يسأله المزيد منه فقال : {وقل رب زدني علماً }[27] ؛ وحَرَّمَ الله صيد الجوارح الجاهلة وإنما أباح للأمة صيد الجوارح العالمة فهكذا جوارح الإنسان الجاهل لا يجدي عليه صيدها من الأعمال شيئاً والله سبحانه وتعالى أعلم “ .[28]
رابعاً : أن الله استشهدهم وقرن شهادتهم بشهادته وشهادة الملائكة ، قال تعالى : } شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط {[29] .
قال القرطبي : ” في هذه الآية دليل على فضل العلم وشرف العلماء وفضلهم ، فإنه لو كان أحد أشرف من العلماء لقرنهم الله باسمه واسم ملائكته كما قرن اسم العلماء “ .[30]
خامساً : أن العلم دليل على الخير ، قال e : ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ) متفق عليه.[31]
قال الحافظ ابن حجر : ” يفقهه : أي يفهمه ، ومفهوم الحديث أن من لم يتفقه في الدين _ أي يتعلم قواعد الإسلام وما يتصل بها من الفروع _ فقد حُرِمَ الخيرَ “ .
سادساً : أن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم ، قال e : ( ما من خارج خرج من بيته في طلب العلم إلا وضعت له الملائكةُ أجنحتها رضاً بما يصنع ) رواه ابن ماجه [32]، و قال e : ( إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يطلب ) رواه الدارمي .[33]
قال ابن القيم : ” ووضع الملائكة أجنحتها له تواضعاً له وتوقيراً وإكراماً لما يحمله من ميراث النبوة ويطلبه،وهو يدل على المحبة والتعظيم فمن محبة الملائكة له وتعظيمه تضع أجنحتها له لأنه طالب لما به حياة العالم ونجاته “.[34]
قال القرافي رحمه الله : وأما وضع الملائكة أجنحتها فقيل : تكف عن الطيران فتجلس إليه لتستمع منه ، وقيل : تكف عن الطيران توقيراً له ، وقيل : تكف عن الطيران لتبسط أجنحتها له بالدعاء ، ولو لم تعلم الملائكة أن منزلته عند الله تستحق ذلك لما فعلته ، فينبغي لكل أحد من الملوك فمن دونهم أن يتواضعوا لطلبة العلم اتباعاً لملائكة الله تعالى وخاصة ملكه .[35]
وذكر أبو سليمان الخطابي في معنى وضعها أجنحتها ثلاثة أقوال :
أحدها : بسط الأجنحة .
والثاني : أنَّ المراد به التواضع لطالب العلم .
والثالث : النزول عند مجالس العلم وترك الطيران .[36]
سابعاً : العلماء ورثة الأنبياء ، قال e : ( إن العلماء ورثة الأنبياء ) رواه الترمذي وغيره .[37]
ثامناً : فضل العلم أفضل من فضل العبادة ، قال e : ( فضل العلم خير من فضل العبادة ) رواه الحاكم والطبراني .[38]
من أقوال السلف :
قال علي t : ” كفى بالعلم شرفاً أن يدعيه من لا يحسنه ويفرح به إذا نسب إليه ، وكفى بالجهل ذَمَّاً أن يتبرأ منه من هو فيه “ .[39]
وقال معاذ t : ” تعلموا العلم فإنَّ تعلُّمَه لله خشيةٌ ؛ وطلبَه عبادةٌ ؛ ومدارستَه تسبيحٌ ؛ والبحثَ عنه جهادٌ ؛ وتعليمَه لمن لا يحسنُه صدقةٌ ؛ وبذلَه لأهله قربةٌ ؛ به يُعرَفُ اللهُ ويُعبَدُ ؛ وبه يُوَحَّدُ ؛ وبه يُعرَفُ الحلالُ من الحرامِ وتُوصَلُ الأرحامُ ؛ وهو الأنيسُ في الوحدة ؛ والصاحبُ في الخلوةِ ؛ والدليلُ على السرَّاءِ والمعينُ على الضرَّاءِ والوزيرُ عند الأخلاءِ والقريبُ عند الغرباءِ ومنارُ سبيلِ الجنةِ ؛ يرفعِ الله به أقواماً فيجعلهم في الخير قادةً وسادةً يُقتدى بهم ؛ أَدِلَّةً في الخيرِ تُقْتَصُّ آثارهم ؛ وتُرْمَقُ أفعالُهم ؛ وترغبُ الملائكةُ في خُلَّتِهِمْ ؛ وبأجنحتهم تمسحهم ؛ يستغفر لهم كلُّ رطب ويابس حتى حيتان البحر وهوامُّه وسباعُ البر وأنعامُهُ والسماءُ ونجومُها ، والعلمُ حياةُ القلوب من العمى ونورُ للأبصار من الظُّلَمِ وقوةٌ للأبدان من الضعف ؛ يبلغُ به العبدُ منازلَ الأبرار والدرجاتِ العُلى ؛ التَّفَكُّرُ فيه يُعدَلُ بالصيام ؛ ومدارستُهُ بالقيامِ ؛ وهو إِمَامٌ للعملِ ؛ والعملُ تابِعُهُ ؛ يُلْهَمَهُ السعداءُ ويُحْرَمَهُ الأشقياءُ “ .[40]
[ وقال الثوري رحمه الله : ” ليس عمل بعد الفرائض أفضل من طلب العلم “ .
وقال الحسن : من طلب العلم يريد به ما عند الله كان خيراً له مما طلعت عليه الشمس .
وقال ابن وهب : كنت عند مالك قاعداً أسأله ؛ فرآني أجمع كتبي لأقوم ؛ قال مالك : أين تريد ؟ قال : قلت : أبادر إلى الصلاة ، قال : ليس هذا الذي أنت فيه دون ما تذهب إليه إذا صح فيه النية ، أو ما أشبه ذلك .] .[41]
وقال الشافعي رحمه الله : طلب العلم أفضل من صلاة النافلة .[42]
وقال : ” من أراد الدنيا فعليه بالعلم ، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم “ .[43]
[ وروي عن الشافعي - رحمه الله - أنه قال : العلم قلادة ؛ والأدب إفادة ؛ ومجالسة العلماء زيادة .
وقيل : العلم كنزٌ مؤبَّدٌ ؛ وعِزٌّ سَرْمَدٌ .
وقيل : العلم نَسَبٌ لمن لا نَسَبَ له ؛ وحَسَبٌ لمن لا حَسَبَ له .
وقال الحسن البصري رحمه الله : إن هذا العلم يزيد الشريف شرفاً ؛ ويُبَلِّغُ المملوكَ مجالسَ الملوك.][44]
وقال سهل بن عبد الله التستري رحمه الله : من أراد أن ينظر إلى مجالس الأنبياء عليهم السلام فلينظر إلى مجالس العلماء.[45]
وقال الزهري : ” ما عُبد الله بمثل الفقه “ .[46]
وقال سفيان الثوري : ” ما من عملٍ أفضل من طلب العلم إذا صحت النية “ .[47] ] [48].
15 ـ [ الواجب على طالب العلم تجاه كتاب الله :
1ـ أن يجتهد على إتقان قراءته على أيدي العلماء حتى لا يقع باللحن وحتى يراعي قواعد التجويد أثناء قراءته .
2 ـ أن يحفظ ما يستطيع منه ، فإن لحفظ كتاب الله منزلة عظيمة عند الله .
3 ـ أن يبذل ما في وسعه لفهم معانيه ، وأن يهتدي بذلك بطريق سلف الأمة . 4 ـ أن يُراعي الأصول والضوابط الآتية أثناء دراسته لفهم القرآن : أ ـ تفسير القرآن بالقرآن . ب ـ تفسير القرآن بالسنة . ج ـ تفسير القرآن بأقوال الصحابة . د ـ تفسير القرآن بأقوال التابعين . وأن يبتعد عن التفسير بالرأي المجرد .][49] .
16 ـ [ ما يجب على طالب العلم تجاه السنة :
1ـ أن يجتهد لتحري ما صحَّ عن رسول الله r ، إن كان ممن له باع في علم الحديث ، أو يتبع العلماء المشهود لهم في هذا الميدان ، وألا يكون حاطب ليل .
2 ـ أن يحفظ ما يستطيع حفظه من الصحيحين ، فإنهما أصحُّ ما ثبت عن رسول الله r . 3 ـ أن يسعى لفهم فقه الأحاديث ، وأن يتتلمذ على من سبقه في هذا الميدان من العلماء الأعلام المشهود لهم بالاستقامة والفهم السليم والمتبعون لما عليه سلف الأمة ، وألا يُقَدِّم فهمه على أفهامهم ، وألا يقول بفهمٍ لم يُسبق له دون بينة .
4 ـ على طالب العلم أن يعمل بما في السنَّة من واجبات ، وأن ينتهي عمَّا نهت عنه .][50] .
17- ذكر الله عز وجل:
إن ذكر الله عز وجل من أعظم العبادات، وذلك أن ذكر الله عز وجل يحمل الإنسان على التزام شرعه في كل شأن من شؤونه، ويشعره برقابة الله تعالى عليه فيكون له رقيب من نفسه، فيستقيم سلوكه ويصلح حاله مع الله تعالى ومع الخلق، ولذا أُمِر المسلم بذكر الله تبارك تعالى في كل أحيانه وأحواله، قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا}[51]. أي صباحاً ومساءً، والمراد: في كل الأوقات .
18- خير ذكر كتاب الله تعالى: وخير ما يذكر به الله عز وجل كلامه المنزل على المصطفى r لما فيه-إلى جانب الذكر- من بيان لشرع الله تعالى، وما يجب على المسلم التزامه، وما ينبغي عليه اجتنابه.
19- عمارة المساجد : وخير الأماكن لذكر الله عز وجل وتلاوة القرآن وتعلم العلم إنما هي المساجد بيوت الله سبحانه، يعمرها في أرضه المؤمنون، وعمارتها الحقيقية إنما تكون بالعلم والذكر إلى جانب العبادة من صلاة واعتكاف ونحوها، قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[52].
20- عبادة منفردة وشافع مشفع :
فتلاوة القرآن بذاتها عبادة مأمور بها، ويثاب عليها المسلم، وتكون وسيلة لنجاته يوم القيامة ونيل مرضاة ربه جل وعلا، حيث يشفع القرآن لتاليه عند ربه.
وروى مسلم عن أبي أمامة الباهلي t قال: سمعت رسول الله r يقول : " اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه ".[53]
ولا يَقِلُّ فضلُ السَّمَاعِ للقرآن عن فضل تلاوته، بل إن الاستماع والإنصات لقراءته سبب لنيل مغفرة الله تعالى ورحمته.
وروى الأمام أحمد في مسنده : أن رسول الله r قال : " من استمع إلى آية من كتاب الله تعالى كُتِبَ له حسنةٌ مضاعفةٌ ، ومن تلاها كانت له نوراً يوم القيامة ".[54]
21- نور على نور :
ويزداد الأجر ويعظم الثواب ويكثر الفضل إذا ضم إلى التلاوة والاستماع والفهم والتدبير والخشوع ، فيجتمع نور على نور ، ومكرمة إلى مكرمة ، قال الله تعالى : {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}[55] .
22- " نزلت عليهم السكينة " :
وبهذه السكينة يطمئن القلب، وتهدأ النفس، وينشرح الصدر، ويستقر البال والفكر، وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[56].
والخسارة كل الخسارة لأولئك الذين خوت قلوبهم فغفلوا عن الله تعالى وذكره، فعاشوا في مقت وكرب وضياع في دنياهم، وكان لهم الهلاك والخلود في جهنم في أخراهم، قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}[57]. وقال سبحانه: {فَوَيلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[58] ، وفي الصحيحين عن البراء بن عازب t قال : ( كان رجلٌ يقرأُ سورة الكهف وعنده فرس ، فَتَغَشَّتْهُ سحابةٌ فجعلت تدور وتدنو ، وجعل فرسه ينفرُ منها ، فلما أصبحَ أتى النبيَّ e فذكر ذلك له ، فقال : تلك السكينة تَنَزَّلَت بالقرآن ) متفق عليه واللفظ للبخاري .[59]
23- " غشيتهم الرحمة " :
فطوبى لهؤلاء الذين قربت منهم الرحمة فكانت تلاوتهم لكتاب الله عز وجل ومدارستهم له عنواناً على أنهم من المحسنين: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}[60].
24- "حفتهم الملائكة ":
فلما كثر القارئون كثرت الملائكة حتى تُحيط بهم من كل جانب ، ولعل خير ثمرة لهذه المكرمة أن يكون هؤلاء الملائكة سفراء بين عباد الرحمن هؤلاء وبين خالقهم جل وعلا، يرفعون إليه سبحانه ما يقوم به هؤلاء المؤمنون من ذكر الله عز وجل ومدارسة لكتابه، وما انطوت عليه نفوسهم من رغبة في نعيم الله عز وجل ورضوانه، ورهبة من سخطه وإشفاق من عقابه، فيكون ذلك سبباً للمغفرة، وباباً للفوز والنجاة.
روى البخاري عن أبي هريرة t قال : قال رسول الله e : " إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر ، فإن وجدوا قوماً يذكرون الله تنادوا : هَلُمُّوا إلى حاجتكم . قال : فيحفّونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا ، قال : فيسألهم ربهم -وهو أعلم منهم-: ما يقول عبادي ؟ قال : تقول : يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك ، قال : فيقول : هل رأوني ؟ قال : فيقولون : لا والله ما رأوك . قال : فيقول : وكيف لو رأوني ؟ قال : يقولون : لو رأوك كانوا أشدَّ لك عبادة ، وأشدَّ لك تمجيداً وأكثر لك تسبيحاً . قال : يقول : فما يسألونني ؟ قال : يسألونك الجنة . قال : يقول : وهل رأوها ؟ قال : يقولون : لا والله يا رب ما رأوها . قال : يقول : فكيف لو أنهم رأوها ؟ قال : يقولون : لو أنهم رأوها كانوا أشدَّ عليها حرصاً وأشد لها طلباً وأعظم فيها رغبة . قال : فمم يتعوذون ؟ قال : يقولون : من النار . قال : يقول : وهل رأوها ؟ قال : يقولون : لا والله يا رب ما رأوها . قال : يقول : فكيف لو رأوها ؟ قال : يقولون : لو رأوها كانوا أشدَّ منها فراراً وأشد لها مخافة . قال : فيقول : فأشهدكم أني قد غفرت لهم . قال : يقول ملك من الملائكة : فيهم فلان ليس منهم ، إنما جاء لحاجة ؟ قال : هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم " . [61]
د- " ذكَرَهم الله فيمن عنده " : قال عز وجل:{فاذكُروني أذكرْكم واشكُروا لي ولا تَكْفرون}[62].
فإذا ذكر العبد المؤمن ربه ، بتلاوة كتابه وسماع آياته، قابله الله عز وجل على فعله من جنسه فذكره سبحانه في عليائه، وشتان ما بين الذاكرين، ففي ذكر الله تعالى لعبده الرفعة، والمغفرة والرحمة، والقبول والرضوان .
قال ابن رجب رحمه الله : ” وهذه الخصال الأربع لكل مجتمعين على ذكر الله عز وجل ، كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد كلاهما عن النبي e قال : إن لأهل ذكر الله أربعاً : تنزل عليهم السكينة ، وتغشاهم الرحمة ، وتحف بهم الملائكة ، ويذكرهم الرب فيمن عنده ) “ .[63]
وخلاصة القول : لقد ربحت تجارة هؤلاء الذين أقبلوا على كتاب الله عز وجل تلاوة ودرساً وتعلماً وعملاً والتزاماً، وصدق الله العظيم إذ يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ}[64].
إنسانية الإسلام وعدالته : التقوى والعمل الصالح طريق الوصول إلى الله عز وجل: لقد قرر الإسلام وحدة الإنسانية، ورسخ المساواة بين أفراد البشرية من حيث المولد، فالجميع مخلوقون من نفس واحدة، ولا فرق بين أبيض وأسود، ولا فضل لعربي على أعجمي، ولا امتياز لشريف على وضيع في أصل الخلقة والمنشأ: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً}[65].
وكانت العدالة الإلهية في الإسلام حيث جعل التفاضل بين الناس بالعمل الصالح، وطريق القرب من الله تعالى تقواه، دون النظر إلى من انحدر من الآباء: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[66].
فلا يضير الإنسان عند الله عز وجل ضعة نسبه، فإن الله تعالى رتب الجزاء على الأعمال لا على الأنساب.
ولذا نجد القرآن الكريم يحذر الناس من أن يعتمدوا على الأنساب ، فيأمر النبيَّ أن يبدأ بتبليغ أهله فيقول له : { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}[67] ،ونجد المصطفى r ينادي فيقول : " يا فاطمة بنت محمد- r - سليني ما شئتِ ، لا أغني عنك من الله شيئاً " رواه النسائي .[68]
ولاية الإيمان والعمل، لا ولاية الدم والنسب: لقد كان الناس يتناصرون ويتولى بعضهم بعضاً بالعصبية والقرابة النسبية فجاء الإسلام وجعل الصلة هي صلة الإيمان، والولاية هي ولاية الدين والعمل، {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[69].
ومما يستفاد من الحديث :
1 ـ استحباب القرض ، واستحباب خلاص الأسير من أيدي الكفار بمال يُعطيه ، وعلى تخليص المسلم من أيدي الظلمة وخلاصه من السجن ، ويدخل في هذا الباب الضمان عن المُعسر ، والكفالة ببدله لمن هو قادر عليه[70] ، لقوله r : ( من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ) .[71]
2- أن الجزاء عند الله من جنس ما قدم العبد من عمل[72]، فجزاءُ التنفيسِ التنفيسُ ، وجزاءُ التفريجِ التفريجُ ، والعونُ بالعونِ ، والسَّتْرُ بالسَّتْرِ ، والتيسيرُ بالتيسيرِ : قال رسول الله r : " أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَطْعَمَ مُؤْمِنًا على جُوعٍ أَطْعَمَهُ الله يوم الْقِيَامَةِ من ثِمَارِ الْجَنَّةِ وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَقَى مُؤْمِنًا على ظمأ سَقَاهُ الله يوم الْقِيَامَةِ من الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ كَسَا مُؤْمِنًا على عرى كَسَاهُ الله من خُضْرِ الْجَنَّةِ " رواه الترمذي [73].
3- الإحسان إلى الخلق طريق محبة الله عز وجل ومنه التيسير على المعسرين وقضاء حاجاتهم والستر عليهم .
4- ما ذكر من التنفيس وغيره عام في المسلم وغيره الذي لا يناصب المسلمين العداء ، فالإحسان إليه مطلوب ، بل ربما تعدى ذلك لكل مخلوق ذي روح ، قال r : " إن الله كتب الإحسان على كل شيء " رواه مسلم[74] ، وقال r : " في كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ " متفق عليه .[75]
5ـ استحباب ستر المسلم إذا اطُّلِعَ عليه أنه عمل فاحشة ، قال تعالى : { إنَّ الذين يُحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة }[76] ، والمستحب للإنسان إذا اقترف ذنباً أن يستر على نفسه ، وأما شهود الزنا ؛ فاختُلف فيهم على وجهين :
أحدهما : يُستحب لهم الستر .
والثاني : الشهادة .
وفصَّل بعضهم فقال : إن رأوا مصلحة في الشهادة شهدوا ، أو في الستر ستروا[77] . 6 ـ الإشارة إلى القيامة وأنها ذات كُرَبٍ [78] . قال القحطاني رحمه الله في نونيته [79]:
يوم القيامة لو علمتَ بهوله لفررت من أهلٍ ومن أوطانِ
يومٌ تشققت السماء لهوله وتشيب منه مفارق الولدان
يوم عبوس قمطريرٌ شرهُ في الخلقِ منتشرٌ عظيم الشأنِ
7 ـ تسمية ذلك اليوم بيوم القيامة لأن الناس يقومون فيه لرب العالمين .، ويُقام فيه العدل ويقوم الأشهاد .
8ـ الحث على طلب العلم واستحباب المشي في طلبه[80]، والاشتغال بطلبه[81] ، وأن سلوك طريق العلم مُؤَدٍّ إلى الجنَّة ، وهذا الطريق يَدخُلُ فيه سلوكُ الطريق الحقيقي ، وهو المشي بالأقدام إلى مجالس العلماء ، ويدخل فيه سلوكُ الطرق المعنوية إلى حصول العلم ، مثل : حفظه ، ومدارسته ، ومذاكرته ، ومطالعته ، وكتابته .[82]
9 ـ يُسن مجالسة العلماء وملازمتهم في السفر والحضر[83] .
10- الحذر من تطرق الرياء في طلب العلم، لأن تطرقه في ذلك أكثر من تطرقه في سائر الأعمال، فينبغي تصحيح النية فيه والإخلاص كي لا يحبط الأجر ويضيع الجهد . 11- طلب العون من الله تعالى والتيسير، لأن الهداية بيده، ولا تكون طاعة إلا بتسهيله ولطفه، ودون ذلك لا ينفع علم ولا غيره . 12 ـ [ عون الله لمن أعان مسلماً ، لكن هذا مقيد بما إذا كان على البر والتقوى لقوله تعالى : {وتعاونوا على البر والتقوى}[84] وأما إذا كان على إثم فحرام ، ولقوله تعالى :{ ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}[85].
وأما إذا كان على أمر مباح فهذا من الإحسان لقوله تعالى : } وأحسنوا إن الله يحب المحسنين{[86]].[87]
13- ملازمة تلاوة القرآن والاجتماع لذلك[88]، والإقبال على تفهمه وتعلمه والعمل به ، وأن لا يترك ليقرأ في بدء الاحتفالات والمناسبات ، وفي المآتم وعلى الأموات.
14 ـ فضل الاجتماع على ذكر الله ومدارسة القرآن .
قال ابن رجب رحمه الله : ” هذا يدل على استحباب الجلوس في المساجد لتلاوة القرآن ومدارسته ، وهذا إن حُمِلَ على تعلم القرآن وتعليمه فلا خلاف في استحبابه “ . [89]
وفي صحيح البخاري عن عثمان t عن النبي e : ( خيركم من تعلَّمَ القرآنَ وعَلَّمَهُ ) .[90]
[ وقال أبو عبد الرحمن السلمي : ” فذلك الذي أقعدني في مقعدي هذا “ .
وكان قد عَلَّمَ القرآنَ في زمنِ عثمانَ بن عفان t حتى بلغ الحجاج بن يوسف .] [91]
وكان النبي e أحياناً يأمر من يقرأ القرآن ليسمع قراءته ، كما كان ابن مسعود t يقرأ عليه ، وقال : ( فإنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيرِي ) .[92]
وكان عمر t يأمر من يقرأ عليه وعلى أصحابه وهم يستمعون ، فتارة يأمر أبا موسى t ، وتارة يأمر عقبة بن عامر t.[93]
وجاءت أحاديث تدل على فضل الاجتماع على ذكر الله مطلقاً :
روى البخاري عن أبي هريرة t قال : قال رسول الله e : " إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر ، فإن وجدوا قوماً يذكرون الله تنادوا : هَلُمُّوا إلى حاجتكم . قال : فيحفّونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا ... " إلى قوله : " قال : هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم " . [94]
وفي صحيح مسلم عن معاوية t : ( أنَّ رسول الله e خرج على حلقةٍ من أصحابه فقال : ما أجلسكم ؟ قالوا : جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومَنَّ به علينا ، قال : آلله ما أجلسكم إلا ذاك ؟ قالوا : والله ما أَجْلَسَنَا إلا ذاك ، قال : أَمَا إِنِّي لم أستحلِفْكم تهمةً لكم ؛ ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أَنَّ الله عز وجل يُبَاهِي بكم الملائكة ) .[95]
قال ابن القيم رحمه الله : ” إن مجالس الذكر مجالس الملائكة ، فليس من مجالس الدنيا لهم مجلس إلا مجلس يذكر الله تعالى فيه “ ، ثم ذكر حديث : ( إن لله ملائكة فُضْلاً ) .[96]
وقال : ” فهذا من بركتهم على نفوسهم وعلى جليسهم ، فلهم نصيب من قوله : وجعلني مباركاً أينما كنت ، فهكذا المؤمن مبارك أين حَلَّ ، والفاجر مشؤوم أين حَلَّ “ .[97]
15 ـ الحث على تدبر القرآن وتفهمه .
قال ابن تيمية : ” والمطلوب من القرآن هو فهم معانيه والعمل به ، فإن لم تكن هذه هِمَّةُ حافظه لم يكن من أهل العلم والدين “ .[98]
قال ابن القيم : ” فلا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر “ .[99]
وقال النووي : ” ينبغي للقارئ أن يكون شأنه الخشوع والتدبر والخضوع ، فهذا هو المقصود المطلوب ، وبه تنشرح الصدور ، وتستنير القلوب “ .[100]
وقال الحسن البصري : ” يا ابن آدم كيف يَرِقُّ قَلْبُكَ ، وهَمُّكَ في آخر “ .[101]
وقال إبراهيم الخواص : ” دواء القلب خمسة أشياء : قراءة القرآن بالتدبر ، وخلاء البطن ، وقيام الليل ، والتضرع عند السحر ، ومجالسة الصالحين “ .[102]
وقد ذم النبي e الخوارج بقوله : ( يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم )[103] أي أنهم يأخذون أنفسهم بقراءة القرآن وإقرائه وهم لا يتفقهون فيه ولا يعرفون مقاصده .[104]
16- المبادرة إلى التوبة والاستغفار والعمل الصالح، قال الله تعالى : {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[105] .
17 ـ تقديم العبد الطائع الحبشي على السيد القرشي العاصي[106] . 18 ـ النسب لا ينفع إذا لم يكن العمل الصالح لقوله : ( ومن بطأ به عمله لم يُسرع به نسبه ) [107] ، والعبرة بالإيمان والعمل الصالح لا الأحساب والأنساب ، فالله رتب الجزاء على الأعمال لا على الأنساب .
قال تعالى : } من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها {[108] ، وقال تعالى : } إن أكرمكم عند الله أتقاكــم {[109] ، وقال e : (من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ) ، وقال e : ( إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ) رواه مسلم[110] ، وعن أبي هريرة t قال : قال رسول الله e حين أنزل عليه : } وأنذر عشيرتك الأقربين {[111] : ( يا معشر قريش ، اشتروا أنفسكم ، فإني لا أغني عنكم من الله شيئاً ، .... ، يا فاطمة بنت محمد ، سليني ما شئت من مالي ، لا أغني عنك من الله شيئاً ) متفق عليه واللفظ للبخاري .[112]
19 ـ ينبغي للإنسان أن لا يغتر بنفسه ، وأن يهتم بعمله الصالح حتى ينال به الدرجات العلى[113] .
الحديث السابع والثلاثون:
عَدلُ اللهِ تَعالى وَفَضْلُهُ وقُدرتُه
أهمية الحديث ، مفردات الحديث ، المعنى العام:(1-عمل الحسنات 2-عمل السيئات 3-الهمّ بالحسنات 4-الهمّ بالسيئات) ، فوائد الحديث .
عن ابنِ عبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما[114]، عن رسولِ اللهِ r فيما يَرْويهِ عن رَبِّهِ تَباركَ وتعالى قال : " إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذلك فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فلم يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا الله له عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً فَإِنْ هو هَمَّ بها وعملها كَتَبَهَا الله له عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إلى سبعمائة ضِعْفٍ إلى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فلم يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا الله له عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً فَإِنْ هو هَمَّ بها فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا الله له سَيِّئَةً وَاحِدَةً ". رواهُ البخاري ومُسلمٌ واللفظ للبخاري .[115]
أهمية الحديث : هذا الحديث حديث عظيم دلَّ على عِظَمِ فضل الله على خلقه ورأفته بهم ، إذ يُعطي على الحسنة أضعافها والسيئة بواحدة ، والهمُّ بالحسنة حسنة ، والهمُّ بالسيئة لا شيء إن لم يعملها[116] .
مفردات الحديث: كتب الحسنات والسيئات : أمر الملائكة الحفظة بكتابتهما ـ كما في علمه ـ على وَفق الواقع.
هَمَّ : أراد وقصد.
بحسنة : بطاعة مفروضة أو مندوبة.
ضِعْفٍ : مثل. سيئة : بمعصية صغيرة كانت أو كبيرة.
المعنى العام: تضمن الحديث كتابة الحسنات والسيئات، والهمَّ بالحسنة والسيئة، وفيما يلي الأنواع الأربعة:
1 ـ عمل الحسنات : كل حسنة عملها العبد المؤمن له بها عشر حسنات، وذلك لأنه لم يقف بها عند الهم والعزم، بل أخرجها إلى ميدان العمل، ودليل ذلك قوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}[117].
وأما المضاعفة على العشر لمن شاء الله أن يضاعف له، فدليله قول الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[118] ، وروى مسلم عن أبي مسعود t قال : " جاء رجل بناقة مخطومة فقال : هذه في سبيل الله ، فقال : لك بها يوم القيامة سَبْعُ مِئَةِ ناقة كلها مخطومة " .[119]
ومضاعفة الحسنات زيادة على العشر إنما تكون بحسب حسن الإسلام ، وتكون بحسب كمال الإخلاص، وبحسب فضل ذلك العمل في نفسه وإيقاعه في محله الملائم. ( قال ابن رجب رحمه الله : ” ... أن مضاعفة الحسنات زيادة على العشر تكون بحسب حسن الإسلام ..، وتكون بحسب كمال الإخلاص،وبحسب فضل ذلك العمل في نفسه ، وبحسب الحاجة إليه“.[120]
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ” ( إلى سبعمائة ضعف ) وهذا تحت مشيئة الله تعالى ، فإن شاء ضاعف هذا ، وإن شاء لم يضاعف “ ) .
2 ـ عمل السيئات : وكل سيئة يقترفها العبد تكتب سيئة من غير مضاعفة ، قال تعالى: { وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ }[121] ، لكن السيئة تعظم أحياناً بسبب شرف الزمان أو المكان أو الفاعل : فالسيئة أعظم تحريماً عند الله في الأشهر الحرم ، لشرفها عند الله .
والخطيئة في الحرم أعظم لشرف المكان .
والسيئة من بعض عباد الله أعظم، لشرف فاعلها وقوة معرفته بالله وقربه منه سبحانه وتعالى.
3 ـ الهم بالحسنات: ومعنى الهم الإرادة والقصد، والعزم والتصميم، لا مجرد الخاطر، فمن هم بحسنة كتبها الله عنده حسنة واحدة، وذلك لأن الهم بالحسنة سبب وبداية إلى عملها، وسبب الخير خير، وقد ورد تفسير الهمِّ في حديث أبي هريرة عند مسلم : "إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ..".[122]
[ مثال : أراد أن يذهب لمجلس علم ، فمرض أحد أهله فانشغل به ، وكمن أراد أن يتصدق بصدقة فلم يجد معه دراهم ، وكان يظن وجودها .][123] . 4 ـ الهم بالسيئات: وإذا هم العبد بسيئة ولم يعملها، كتبت له حسنة كاملة، وفي حديث البخاري : "وإن تركها من أجلي"[124] وهذا يدل على أن ترك العمل مقيد بكونه لله تعالى، والتارك يستحق الحسنة الكاملة، لأنه قصد عملاً صالحاً، وهو إرضاء الله تعالى بترك العمل السيئ .
أما من ترك السيئة بعد الهمِّ بها مخافة من المخلوقين أو مراءاة لهم، فإنه لا يستحق أن تكتب له حسنة.
وقال الخطابي : محل كتابة الحسنة على الترك أن يكون التارك قد قدر على الفعل ثم تركه، لأن الإنسان لا يُسمى تاركاً إلا مع القدرة ويدخل فيه من حال بينه وبين حرصه على الفعل مانع، كأن يمشي إلى امرأة ليزني بها مثلاً فيجد الباب مغلقاً ويتعسر فتحه.[125]
[مثل قصة الذي همّ بابنة عمه بسوء فتركها لله ، فأجاب الله دعاءه وفرج همه فانفرجت الصخرة .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ” من هم بالسيئة وسعى في تحصيلها لكن عجز عنها ، فهذا يكتب عليه وزر السيئة كاملاً ، دليل ذلك ، قول النبي e : ( إذا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ في النَّارِ فقلت:يا رَسُولَ اللَّهِ هذا الْقَاتِلُ ؛فما بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قال:إنه كان حَرِيصًا على قَتْلِ صَاحِبِهِ)[126]“.][127].
( وقد دلَّت الأدلة على أنَّ من همَّ بالسيئة فلم يعملها فإنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : أن يحاول فعلها ويسعى فيها ولكن لم يدركها فهذا يُكتب عليه وزر السيئة كاملة.
القسم الثاني : أن يهمَّ بها ثم يعزف عنها لا خوفاً من الله ولكن لأن نفسه عزفت،فهذا لا يُكتب له ولا عليه.
القسم الثالث : أن يتركها لله عز وجل خوفاً منه وخشية ، فهذا كما جاء في هذا الحديث يكتبها الله حسنة كاملة . )[128]
ومما يستفاد من الحديث:
1ـ قال ابن رجب رحمه الله تعالى : فانظر يا أخي وفقنا الله وإياك إلى عظيم لطف الله تعالى ، وتأمل هذه الألفاظ ، وقوله : (( عنده )) إشارة إلى الاعتناء بها ، وقوله : (( كاملة )) للتأكيد وشدة الاعتناء بها ، وقال في السيئة التي همَّ بها ثم تركها : (( كتبها عنده حسنة كاملة )) فأكدها بكاملة ، (( وإن عملها كتبها سيئة واحدة )) فأكد تقليلها بواحدة ولم يؤكدها بكاملة ، فلله الحمد والمنَّة سبحانه لا نحصي ثناءً عليه ، وبالله التوفيق .[129]
2 ـ أن رحمة الله بعباده المؤمنين واسعة، ومغفرته شاملة، وعطاءه غير محدود .
[ فمن رحمته : أن الحسنة مضاعفة ، والسيئة لا تضاعف .
ومن رحمته : جعل أبواب الجنة ثمانية وأبواب النار سبعة .
ومن رحمته : ما جاء في قوله e : ( إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه).[130]
ومن رحمته : ما جاء في حديث : ( وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ) .[131]
ومن رحمته : أن أمة الإسلام هي أقل الأمم عملاً ، وأكثرهم أجراً .] [132]. 3 ـ لا يؤاخذ الله تعالى على حديث النفس والتفكير بالمعصية إلا إذا صدق ذلك العمل والتنفيذ . 4ـ على المسلم أن ينوي فعل الخير دائماً وأبداً، لعله يكتب له أجره وثوابه، ويروض نفسه على فعله إذا تهيأت له الأسباب. 5 ـ الإخلاص في فعل الطاعة وترك المعصية هو الأساس في ترتب الثواب، وكلما عظم الإخلاص كلما تضاعف الأجر وكثر الثواب. 6 ـ على المسلم أن يتخلق بأخلاق الله تعالى[133] . 7 ـ على المسلم أن يعتقد بكرم الله وفضله[134] . 8 ـ على المسلم أن يكافئ المحسن على إحسانه[135] . 9 ـ فضل الله لا يوازيه فضل[136] . 10ـ جاء في رواية في آخر الحديث : ( ولا يهلك على الله إلا هالك )[137]، قال ابن رجب رحمه الله[138]: ”يعني بعد هذا الفضل العظيم من الله والرحمة الواسعة منه بمضاعفة الحسنات والتجاوز عن السيئات ، لا يهلك على الله إلا من هلك ،وألقى بيده إلى التهلكة،وتجرأ على السيئات،ورغب عن الحسنات،وأعرض عنها“.
11 ـ أن رحمة الله سبقت غضبه حيث جعل الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، أما السيئة فواحدة[139] . 12 ـ اطلاع الملائكة على ما يهم به الإنسان .[140]
13 ـ إحصاء الحسنات والسيئات على الإنسان .
واختلف العلماء رحمهم الله تعالى هل تكتب الملائكة المباح ؟
فقيل : تكتب ما فيه ثواب وعقاب ، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما .
وقيل : تكتب كل شيء من الكلام ، وهو قول الحسن وقتادة ورجحه ابن كثير ،[141] لعموم قوله تعالى : } ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد {[142] ، ولقوله e : ( إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت ، يكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه ) رواه أحمد .[143]
14 ـ الإيمان باللوح المحفوظ .[144]
15 ـ أعظم التجارة العمل الصالح .[145]
الحديث الثامن والثلاثون:
وَسائِلُ القُربِ مِنَ اللهِ تعالى ونَيْلِ مَحَبَّتِه
أهمية الحديث ، مفردات الحديث ، المعنى العام:(1-أولياء الله تعالى 2-معاداة أولياء الله تعالى 3-أفضل الأعمال وأحبها إلى الله تعالى: أداء الفرائض 4-من أداء الفرائض ترك المعاصي 5-التقرب إلى الله تعالى بالنوافل 6-أثر محبة الله في وليه 7-الولي مجاب الدعوة) ، ما يستفاد من الحديث
عن أبي هُرَيْرَةَ t[146] قال: قال رَسُولُ اللهِ r : " من عَادَى لي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وما تَقَرَّبَ إلي عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إلي مِمَّا افْتَرَضْتُ عليه وما يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلي بِالنَّوَافِلِ حتى أُحِبَّهُ فإذا أَحْبَبْتُهُ كنت سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ التي يَبْطِشُ بها وَرِجْلَهُ التي يَمْشِي بها وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ وما تَرَدَّدْتُ عن شَيْءٍ أنا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عن نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وأنا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.[147]
أهمية الحديث : هذا الحديث جامع بين الشريعة والحقيقة ، إذ يبين أنَّ الفريضة من أحبِّ الأعمال ، ثمَّ يبين أهمية السنن وأنها توصل إلى المحبة[148] .
مفردات الحديث:
عادى : آذى وأبغض وأغضب بالقول أو الفعل[149].
ولياً : المراد بولي الله العالم بالله تعالى، المواظب على طاعته، المخلص في عبادته ، وقيل في تعريفه : هو كل مؤمن تقي ليس بنبي .
فقد آذنته بالحرب : آذنته: أعلمته، والمعنى أن من آذى مؤمناً فقد آذنه الله أنه محارب له، والله تعالى إذا حارب العبد أهلكه.
النوافل : ما زاد على الفرائض من العبادات.
استعاذني : طلب العوذ والحفظ مما يخاف منه.
لأعيذنه : لأحفظنه مما يخاف.
المعنى العام : أولياء الله تعالى: هم خُلَّص عباده ؛ القائمون بطاعاته ؛ المخلصون له، وقد وصفهم الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بصفتين هم الإيمان والتقوى، فقال تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}[150] ، فالركن الأول للولاية هو الإيمان بالله، والركن الثاني لها هو التقوى، وهذا يفتح الباب واسعاً وفسيحاً أمام الناس ليدخلوا إلى ساحة الولاية، ويتفيؤوا ظلال أمنها وطمأنينتها.
وأفضل أولياء الله تعالى هما الأنبياء والرسل، المعصومون عن كل ذنب أو خطيئة، المؤيدون بالمعجزات من عند الله سبحانه وتعالى، وأفضل الأولياء بعد الأنبياء والرسل أصحاب رسول الله r، الذين عملوا بكتاب الله وسنة رسول الله r، ومن جاء بعدهم من القرون حتى أيامنا هذه ممن ينسب إلى الولاية، ولا يكون ولياً لله حقاً إلا إذا تحقق في شخصه الإيمان والتقوى، واتبع رسول الله r واهتدى بهديه واقتدى به في أقواله وأفعاله.
معاداة أولياء الله تعالى: إن كل من يؤذي مؤمناً تقياً، أو يعتدي عليه في ماله أو نفسه أو عرضه، فإن الله تعالى يعلمه أنه محارب له، وإذا حارب الله عبداً أهلكه، وهو يمهل ولا يهمل، ويمد للظالمين مداً ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر، وقد وقع في بعض روايات الحديث أن معاداة الولي وإيذاءه محاربةٌ لله، ففي حديث عائشة رضي الله عنها في المسند : " من أذلَّ لي ولياً فقد استحل محاربتي " .[151] أفضل الأعمال وأحبها إلى الله تعالى أداء الفرائض: وهذه الفائدة صريحة في قول الله تعالى في هذا الحديث : " وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضته عليه " . ومن الفرائض المقربة إلى الله تعالى عَدْلُ الراعي في رعيته سواء كانت رعية عامة كالحاكم، أو رعية خاصة، كعدل آحاد الناس في أهله وولده ، ففي الترمذي عن أبي سعيد الخدري t عن النبي r قال: " إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأدناهم منه مجلساً إمام عادل " .[152] من أداء الفرائض ترك المعاصي : لأن الله تعالى افترض على عباده ترك المعاصي، وأخبر سبحانه أن من تعدى حدوده وارتكب معاصيه، كان مستحقاً للعقاب الأليم في الدنيا والآخرة، وبهذا يكون ترك المعاصي من هذه الناحية داخلاً تحت عموم قوله : "وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه " .
قال عمر بن الخطاب t: أفضل الأعمال أداء ما افترض الله ، والورع عما حرم الله ، وصدق النية فيما عند الله تعالى.[153]
التقرب إلى الله تعالى بالنوافل: ولا يحصل هذا التقرب والتحبب إلا بعد أداء الفرائض، ويكون بالاجتهاد في نوافل الطاعات، من صلاة وصيام وزكاة وحج ...، وكف النفس عن دقائق المكروهات بالورع، وذلك يوجب للعبد محبة الله، ومن أحبه الله رزقه طاعته والاشتغال بذكره وعبادته. ومن أعظم ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى من النوافل كثرة تلاوة القرآن وسماعه بتفكر وتدبر وتفهم، ومن أعظم النوافل كثرة ذكر الله ، قال تعالى : {فاذكرُوني أذكرْكم}[154].
أثر محبة الله في وليه : يظهر أثر محبة الله في وليه بما ورد في الحديث : " فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها " وفي بعض الروايات : " لسانه الذي ينطق به وقلبه الذي يعقل به " .[155]
قال ابن رجب رحمه الله : المراد بهذا الكلام أن من اجتهد بالتقرب إلى الله بالفرائض ثم بالنوافل قَرَّبه إليه ورَقَّاه من درجة الإيمان إلى درجة الإحسان، فيصير يعبد الله على الحضور والمراقبة كأنه يراه، فيمتلئ قلبه بمعرفة الله ومحبته وعظمته، وخوفه ومهابته، وإجلاله , والأنس به والشوق إليه، حتى يصير الذي في قلبه من المعرفة مشاهداً له بعين البصيرة .[156]
( قال النووي رحمه الله : يُحتمل كنت الحافظ لسمعه وبصره ولبطش يده ورجله من الشيطان ، ويُحتمل : كنت في قلبه عند سمعه وبصره وبطشه ، فإذا ذكرني كفَّ عن العمل لغيري . )[157] . ومتى امتلأ القلب بعظمة الله تعالى محا ذلك من القلب كل ما سواه ، ولم يبق للعبد شيء من نفسه وهواه ، ولا إرادة إلا لما يريده منه مولاه ، فحينئذ لا ينطق العبد إلا بذكره ، ولا يتحرك إلا بأمره ، فإن نطق نطق بالله ، وإن سمع سمع به ، وإن نظر نظر به ، وإن بطش بطش به ، فهذا هو المراد بقوله : " كنت سمعه الذي يسمع به ... " .
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن المراد : إمداد الرب سبحانه لهذه الأعضاء بنوره الذي تلوح به طرائق الهداية وتنقشع عنده سحب الغِوَاية .[158]
[ وهناك أسباب تجلب محبة الله :
منها : كثرة النوافل ، كما في حديث الباب .
قال ابن القيم : ” فصل في الأسباب الجالبة للمحبة والموجبة لها وهي عشرة :
أحدها : قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما أريد به كتدبر الكتاب الذي يحفظه العبد ويشرحه ليتفهم مراد صاحبه منه .
الثاني : التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض فإنها توصله إلى درجة المحبوبية بعد المحبة .
الثالث : دوام ذكره على كل حال باللسان والقلب والعمل والحال فنصيبه من المحبة على قدر نصيبه من هذا الذكر .
الرابع : إيثار محابِّه على محابِّك عند غلبات الهوى والتَّسَنُّمِ إلى محابِّه وإن صعب المُرْتَقى .
الخامس : مطالعة القلب لأسمائه وصفاته ومشاهدتها ومعرفتها وتقلبه في رياض هذه المعرفة ومباديها فمن عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله أحبه لا محالة ، ولهذا كانت المعطلة والفرعونية والجهمية قطاع الطريق على القلوب بينها وبين الوصول إلى المحبوب .
السادس : مشاهدة بِرِّهِ وإحسانه وآلائه ونعمه الباطنة والظاهرة فإنها داعية إلى محبته .
السابع : وهو من أعجبها انكسار القلب بِكُلِّيَتِهِ بين يدي الله تعالى وليس في التعبير عن هذا المعنى غير الأسماء والعبارات .
الثامن : الخلوة به وقت النزول الإلهي لمناجاته وتلاوة كلامه والوقوف بالقلب والتأدب بأدب العبودية بين يديه ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة .
التاسع : مجالسة المحبين الصادقين والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما ينتقى أطايب الثمر ولا تتكلم إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام وعلمت أن فيه مزيداً لحالك ومنفعة لغيرك .
العاشر : مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل .
فمن هذه الأسباب العشرة وصل المحبون إلى منازل المحبة ودخلوا على الحبيب وملاك ذلك كله أمران :
1ـ استعداد الروح لهذا الشأن .
2ـ وانفتاح عين البصيرة وبالله التوفيق “.[159]
ومنها : متابعة الرسول r ، قال تعالى : } قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله {[160] .
( قال أبو سليمان الداراني: لما ادّعت القلوب محبة الله ، أنزل الله لها محنة :{قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله }[161] )[162].
ومنها : الذلة على المؤمنين .
ومنها : العزة على الكافرين .
ومنها : الجهاد في سبيل الله .
ومنها : لا يخافون لومة لائم ، قال تعالى : } يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم{[163] .
قال ابن القيم رحمه الله : ” فقد ذكر لهم أربع علامات :
أحدها : أذلة على المؤمنين ، قيل : معناه أرقاء رحماء مشفقين عليهم ، عاطفين عليهم .
العلامة الثانية : أعزة على الكافرين ، قال عطاء : للمؤمنين كالوالد لولده ، والعبد لسيده ، وعلى الكافرين كالأسد على فريسته { أشداء على الكفار رحماء بينهم }[164] .
العلامة الثالثة : الجهاد في سبيل الله بالنفس واليد ، واللسان ، والمال ، وذلك تحقيق دعوى المحبة .
العلامة الرابعة : أنهم لا تأخذهم في الله لومة لائم ، وهذا علامة صحة المحبة “ .[165]
ومنها : كثرة ذكره سبحانه ، لأنه من أحب شيئاً أكثر من ذكره .
ومنها : قراءة القرآن بالتدبر والتفهم ، لأنه ما تقرب المتقربون بمثل ما خرج من الله ، وهو القرآن .
قال خباب t : ” تقرب إلى الله ما استطعت ، واعلم أنك لن تتقرب إليه بشيء هو أحب إليه من كلامه.[166]
قال ابن رجب رحمه الله : لا شيء عند المحبين أحلى من كلام محبوبهم ، فهو لذة قلوبهم وغاية مطلوبهم “.[167]، وكان بعضهم يكثر تلاوة القرآن ، ثم اشتغل بغيره ، فرأى في المنام قائلاً يقول :
إن كنتَ تزعمُ حبي فلم جفوتَ كتابي
أما تأملت ما فيـه من لطيف عتـابي .[168] ][169]
الولي مجاب الدعوة : ومن تكريم الله لوليه أنه إذا سأله شيئاً أعطاه، وإن استعاذ به من شيء أعاذه منه، وإن دعاه أجابه، فيصير مجاب الدعوة لكرامته على الله تعالى، وقد كان كثير من السلف الصالح معروفاً بإجابة الدعوة، كالبراء بن مالك، والبراء بن عازب، وسعد بن أبي وقاص .. وغيرهم، وربما دعا المؤمن المجاب الدعوة بما يعلم الله الخيرة له في غيره، قال : فلا يجيبه إلى سؤاله ويعوضه بما هو خير له، إما في الدنيا أو في الآخرة، فقد أخرج أحمد والبزار وأبو يعلى بأسانيد جيدة، أن النبي r قال : " ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها أثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث : إما أن تُعَجَّلَ له دعوتُه وإمَّا أن يَدَّخِرَها له في الآخرة وإما أن يُصرف عنه من السوءِ مثلها ، قالوا : إذاً نُكْثِر ، قال : الله أكثر " .[170]
ما يستفاد من الحديث :
1 ـ عِظَم قدر الولي، لكونه خرج من تدبير نفسه إلى تدبير ربه تعالى، ومن انتصاره لنفسه إلى انتصار الله له، وعن حوله وقوته بصدق توكله. 2 ـ كرامة الأولياء على الله تعالى حيث كان الذي يعاديهم قد آذن الله تعالى بالحرب[171] . 3 ـ معاداة أولياء الله تعالى من كبائر الذنوب ، إذ جعل ذلك إيذاناً بالحرب[172] . 4 ـ طريق الولاية هو التقرب إلى الله تعالى بطاعاته التي شرعها . 5 ـ أن لا يحكم لإنسان آذى ولياً ثم لم يعاجل بمصيبة في نفسه أو ماله أو ولده، بأنه يسلم من انتقام الله تعالى له، فقد تكون مصيبته في غير ذلك مما هو أشدُّ عليه، كالمصيبة في الدين مثلاً. 6 ـ الأعمال تتفاضل هي بنفسها ، ومنه أن الإيمان يزيد وينقص[173] . 7 ـ الأعمال الصالحة تتفاضل من حيث الجنس ومن حيث النوع .
فمن حيث الجنس : الفرائض أحب إلى الله من النوافل . ومن حيث النوع : الصلاة أحب إلى الله مما دونها من الفرائض .[174] 8 ـ الفرائض لا يعادلها شيء ، وهي أحب إلى الله تعالى من النوافل[175] . 9 ـ العمل بالسنن يقتضي الابتعاد عن المعاصي[176] ، والنافلة تجبر الفرائض[177] . 10ـ [ فضل المداومة والاستمرار على العمل الصالح ، لقوله : ( ولا يزال عبدي يتقرب .. ) فلا يعتبر الإنسان متقرباً إلى الله بالنوافل محافظاً عليها إلا باستمراره على هذه الطاعة ، وإلا فلا يعتبر متقرباً إلى الله بالنوافل ، فالعمل الصالح المستمر مهم لأمرين :
أولاً : أن هذا هو هدي النبي e ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كان رسول الله e إذا عمل عملاً أثبته ) رواه مسلم .[178]
ثانياً : أن الأعمال المداوم عليها أحب إلى الله ، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : سُئل النبي e : أي الأعمال أحب إلى الله ؟ قال : أدومها وإن قَلَّ ) متفق عليه واللفظ للبخاري .[179]
وإذا كان العمل الصالح مداوماً عليه ، فإنه يكون له آثاراً إيجابية :
منها : دوام اتصال القلب بالله .
ومنها : سبب لمحبة الله .
ومنها : سبب للنجاة من الشدائد ، كما قال e : ( من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد فليكثر الدعاء في الرخاء ) رواه الترمذي [180]. ][181]
11 ـ الطائع قريب من الله[182] ، ويسدده الله في سمعه وبصره ويده ورجله ويؤيده[183] .
12 ـ إثبات المحبة لله عز وجل على الوجه الذي يليق بجلاله ، قال تعالى : } إن الله يحب المحسنين{[184] ، وقال تعالى : } إن الله يحب المتقين {[185] ، وقال e : ( لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله )[186] ، والمحبة : صفة قائمة بذات الله سبحانه وتعالى ، ومن ثمراتها الإحسان إلى المحبوب وثوابه وقربه من الله تعالى[187] .
13 ـ أن الله سبحانه وتعالى يجيب دعاء المحبين[188] ، وقد كان كثير من الصحابة مجابوا الدعوة : مثل سعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد .
عن جابر بن سمرة قال : ( شكا أهل الكوفة سعداً إلى عمر t ، فعزله واستعمل عليهم عماراً ، فشكوا حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي ، فأرسل إليه فقال: يا أبا إسحاق إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تصلي ؟ قال أبو إسحاق : أما أنا ، والله فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله e ما أخرم عنها ، أصلي صلاة العشاء ، فأركد في الأوليين ، وأخف في الأخريين. قال : ذاك الظن بك يا أبا إسحاق. فأرسل معه رجلاً ، أو رجالاً ، إلى الكوفة ، فسأل عنه أهل الكوفة ، ولم يدع مسجداً إلا سأل عنه ، ويثنون معروفاً ، حتى دخل مسجداً لبني عبس ، فقام رجل منهم ، يقال له أسامة بن قتادة ، يكنى أبا سعدة ، قال : أما إذ نشدتنا ، فإن سعداً كان لا يسير بالسرية ، ولا يقسم بالسوية ، ولا يعدل في القضية. قال سعد: أما والله لأدعون بثلاث : اللهم إن كان عبدك هذا كاذباً ، قام رياءً وسمعةً ، فأطل عمره ، وأطل فقره ، وعرضه بالفتن . وكان بعد إذا سئل يقول : شيخ كبير مفتون ، أصابتني دعوة سعد. قال عبد الملك : فأنا رأيته بعد ، قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر ، وإنه ليتعرض للجواري في الطرق يغمزهن ) رواه البخاري .[189]
وعن عروة : ( أن أروى بنت أويس ادعت على سعيد بن زيد أنه أخذ شيئاً من أرضها ، فخاصمته إلى مروان بن الحكم ، فقال سعيد : أنا كنت آخذ من أرضها شيئاً بعد الذي سمعت من رسول الله e ؟ قال : وما سمعت من رسول الله e ؟ قال : سمعت رسول الله e يقول : ” من أخذ شبراً من الأرض ظلماً طوقه إلى سبع أرضين “ فقال له مروان : لا أسألك بينة بعد هذا ، فقال : اللهم إن كانت كاذبة فعمّ بصرها ، واقتلها في أرضها . قال : فما ماتت حتى ذهب بصرها ، ثم بينا هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت ) . رواه مسلم . [190]
14 ـ فيه الحذر من إيذاء المسلم[191] .
الحديث التاسع والثلاثون :
رَفْعُ الحَرَجِ في الإِسلامِ
درجة الحديث ، أهمية الحديث ، مفردات الحديث ، المعنى العام:(1-فضل الله على هذه الأمة ورفع الحرج عنها 2-قتل الخطأ 3-تأخير الصلاة عن وقتها 4-تفصيل القول في حكم الخطأ والنسيان 5 ـ الإكراه في القول 6-ما لا يعذر به الناسي 7-ما يترتب على فعل المكره) ، فوائد الحديث .
عَن أبي ذرٍ الغفاري t[192] قال: قال رَسُوَل اللهِ r : "إنَّ الله تَجاوَزَ عَنْ أُمَّتي : الْخَطَأَ ، والنِّسْياَنَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ" حديث حسن ، رواه ابن ماجه[193] والبيهقي[194] وغيرهما [195] .
درجة الحديث : صححه الألباني[196] ، وصحَّ أيضاً بلفظ : (( عفي لأمتي عن الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه ))[197] وكذا : (( رُفع عن أمتي.. )) [198]وكذا : (( إن الله وضع عن أمتي .. )) .[199]
أهمية الحديث : هذا الحديث حديث عظيم عام النفع ، ولقد اشتمل على فوائد وأمور مهمة ، فهو يحوي حكم الخطأ والنسيان والمكره عليه بأنه لا إثم على ذلك[200] .
مفردات الحديث:
تجاوز : عفا. لي : لأجلي وتعظيم أمري ورفعة قدري. أمتي : أمة الإجابة ، وهي كل من آمن به r واستجاب لدعوته.
الخطأ : ضد العمد لا ضد الصواب.
النسيان : ضد التذكر. استكرهوا عليه : الإكراه : هو إلزام الشخص بما لا يريد [201]، يقال: أكرهته على كذا إذا حملته عليه قهراً.
المعنى العام : إن من أتى بشيء مما نهى الله عنه، أو أخل بشيء مما أمر الله تعالى به، دون قصد منه لذلك الفعل أو الخلل، وكذلك من صدر عنه مثل هذا نسياناً أو أُجبر عليه، فإنه لا يتعلق بتصرفه ذمٌ في الدنيا ولا مؤاخذةٌ في الآخرة، فضلاً من الله تبارك وتعالى ونعمة. فضل الله عز وجل على هذه الأمة ورفع الحرج عنها : وهكذا لقد كان فضل الله عز وجل عظيماً على هذه الأمة، إذ خفف عنها من التكليف ما كان يأخذ به غيرها من الأمم السابقة، فقد كان بنو إسرائيل: إذا أُمروا بشيء فنسوه، أو نهوا عن شيء فأخطؤوه وقارفوه عجل الله تعالى لهم العقوبة، وآخذهم عليه، بينما استجاب لهذه الأمة دعاءها الذي ألهمها إياه، وأرشدها إليه جل وعلا، إذ قال: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ}[202]. فتجاوز سبحانه عما يقع خطأً أو نسياناً فلم يؤاخذها به، قال سبحانه: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}[203]. أي لا تؤاخذون فيما وقع منكم خطأً، ومثله النسيان، ولكن تؤاخذون بما قصدتم إلى فعله. كما أنه سبحانه لم يكلفها من الأعمال ما تعجز عن القيام به في العادة، ولم يحملها من التكاليف ما فيه عسر وحرج، أو يوقع التزامه في مشقة وضيق، وذلك لامتثالها أمر الله عز وجل على لسان رسوله المصطفى r إذ قالت: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}[204].
المتجاوَزُ عنه الإثم، لا كل ما يترتب من الحكم: إن تصرف المكلف إذا لم يأت على وَفق ما جاء به الشرع ترتبت عليه أحكام: منها المؤاخذة والإثم، ومنها تدارك ما فات أو ضمان ما أتلف ونحو ذلك.
وقد قامت الأدلة من الشرع على أن المراد رفع الإثم والمؤاخذة، لا كل ما يترتب من أحكام، على تفصيل في الحكم .
( قال النووي رحمه الله : أي تجاوز عنهم إثم الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ، وأما حكم النسيان والمكره عليه فغير مرفوع،فلو أتلف شيئاً خطأً،أو ضاعت منه الوديعة نسياناً ضَمِنَ،ويُستثنى منه: ( الإكراه على الزنا والقتل) ، فلا يُباحان بالإكراه ، ويُستثنى من النسيان ما تعاطى الإنسان سببه ؛ فإنه يأثم بفعله لتقصيره)[205].
اقتضت حكمة الله عز وجل : أن لا يؤاخذ فرداً من هذه الأمة إلا إذا تعمد العصيان، وقصد قلبه المخالفة وترك الامتثال، عن رغبة وطواعية. والعفو عن ذلك _ أي عن إثم الخطأ والنسيان والإكراه _ هو مقتضى الحكمة والنظر، مع أنه تعالى لو آخذ بها لكان عادلاً. قتل الخطأ : من قصد إلى رمي صيد أو عدو فأصاب مسلماً أو معصوم الدم فإنه لا إثم عليه ولا ذنب، وإن كان هذا لا يعفيه من المطالبة بالدية والكفارة. تأخير الصلاة عن وقتها: من أخر الصلاة عن وقتها بعذر كنوم أو نسيان فإنه لا يأثم، ولكنه يطالب بالقضاء فور الاستيقاظ أو التذكر.
[ أمثلة :
1ـ رجل قص شعره وهو محرم جاهلاً ، فلا شيء عليه .
2ـ رجل تكلم بالصلاة ناسياً ، فصلاته صحيحة ولا شيء عليه .
3ـ رجل قتل شخص آخر عمداً ، فلا إثم عليه ، وإن كان هذا لا يعفيه من المطالبة بالدية والكفارة.
4ـ رجل أكره على الأكل والشرب في نهار رمضان ، فصومه صحيح ولا شيء عليه .
5ـ رجل أكل في نهار رمضان ناسياً ، فصومه صحيح ولا شيء عليه .
6ـ رجل نسي صلاة ، فلا إثم عليه ويقضيها .][206] .
تفصيل القول في حكم الخطأ والنسيان: أولاً: إن وَقَعَ الخطأ أو النسيان في ترك مأمور به لم يسقط، بل يجب تداركه. ومثال ذلك في الخطأ: ما لو دفع زكاة ماله إلى من ظنه فقيراً، فبان غنياً، لم تجزئ عنه، ووجب عليه دفعها للفقير، وله أن يرجع بها على الغني.
ثانياً: إن وقع الخطأ أو النسيان في فعل منهي عنه، ليس من باب الإتلاف، فلا شيء عليه. ومثاله في الخطأ: من شرب خمراً، ظاناً أنها شراب غير مسكر، فلا حد عليه ولا تعزيز، وفي النسيان : ما لو تطيب المحرم أو لبس مخيطاً ونحو ذلك، ناسياً فلا شيء عليه.
ثالثاً: إن وقع الخطأ أو النسيان في فعل منهي عنه، هو من باب الإتلاف، لم يسقط الضمان، ومثاله: ما لو قُدِّم له طعام مغصوب ضيافة، فأكل منه ناسياً أنه مغصوب أو ظناً منه أنه غير مغصوب، فإنه ضامن، ومثله لو قتل صيداً وهو محرم، ناسياً لإحرامه أو جاهلاً للحكم، فعليه الفدية.
مالا يعذر به الناسي : ما سبق من القول من رفع المؤاخذة عما وقع من تصرف نسياناً إنما هو في الناسي الذي لم يتسبب في نسيانه، أما من تسبب في ذلك كأن ترك التحفظ وأعرض عن أسباب التذكر، فإنه قد يؤاخذ عن تصرفه ولو وقع منه نسياناً، وذلك: كمن رأى نجاسة في ثوبه فتباطأ عن إزالتها حتى صلى بها ناسياً لها، فإنه يعد مقصراً مع وجوب القضاء عليه.
( الإكراه في الأقوال : ذهب جمهور العلماء ؛ منهم مالك والشافعي وأحمد إلى أنه يُباح لمن أُكره على أي قولٍ ؛ له أن يقوله ، ولا حرج ولا إثم عليه ، لأنَّ الله أجاز التلفَّظ بكلمة الكفر التي هي أعظم ذنب عُصي الله به فمن باب أولى جواز قول ما دون الكفر ، والإكراه في الأقوال مُتَصَوَّرٌ في جميع الأقوال في العقود والأيمان والنذور وغيرها.)[207] .
( قال ابن عثيمين رحمه الله : من أُكره على شيء قولي أو فعلي ؛ فإنه لا يؤاخذ به لقوله : ( وما استكرهوا) وهذا عام سواءٌ كان الإكراه على فعل أو على قول ، ولا دليل لمن فرَّق بين الإكراه على الفعل والإكراه على القول ، لكن إذا كان الإكراه في حق آدمي فإنه يُعامل بما تقتضيه الأدلة الشرعية ، مثل : أن يُكرِه شخصاً على قتل شخصٍ آخر ؛ فإنه يُقتل المُكرِهُ والمُكرَهُ ، لأنَّ الإكراه لا يُبيح قتل الغير ، ولا يمكن ولا يجوز للإنسان أن يستبقي حياته بإتلاف غيره . )[208] .
ما يترتب على فعل المكرَه: تختلف الأحكام المترتبة على فعل المكره حسب درجة الإكراه، وطبيعة الفعل المكره عليه:
أ ـ فقد يكون الإكراه ملجئاً: بمعنى أن المكره يصبح في حالة لا يكون له اختيار في فعل ما أُكره عليه بالكلية ولا قدرة لديه على الامتناع منه، وذلك: كمن رُبِط وحُمِلَ كرهاً، وأُدخل إلى مكان حلف على الامتناع من دخوله، فلا إثم عليه بالاتفاق، ولا يترتب عليه حنث في يمينه عند الجمهور.
ب ـ وقد يكون الإكراه غير ملجئٍ : بمعنى أن المكره يستطيع أن يمتنع عن فعل ما أكره عليه، فإذا كان المكره على هذه الحال فإن فعله يتعلق به التكليف، وذلك: كمن أكره بضرب أو غيره حتى فعل، فإن كان يمكنه أن لا يفعل فهو مختار لفعله، لكن ليس غرضه نفس الفعل، بل دفع الضرر عنه، فهو مختار من وجه، وغير مختار من وجه آخر، ولهذا اختلف فيه: هل هو مكلف أم لا ؟[انظر الفقه :كتاب الإكراه].
[ شروط الإكراه ليكون سبباً للتخفيف :
أولاً : أن يكون المكرِه قادر على إيقاع ما هدد به .
ثانياً : أن يكون المكرَه عاجزاً عن دفع هذا المكرِه .
ثالثاً : أن يكون هذا الإكراه مما يشق على المكرِه تحمله .
رابعاً : أن يظن أو يعلم المكرَه أن المكرِه سيوقع ما هدد به .
فائدة : لا يكون الإكراه سبباً للتخفيف في حالة واحدة ، وهي إذا أكره على قتل شخص ، فليس له أن يقتله حتى لو أدى إلى قتله ، وحكى بعض العلماء الإجماع على ذلك ، لأن قتله له افتداء لنفسه فيكون باختياره .
هذه الموانع سبب للتخفيف في حقوق الله ، لأنه مبني على العفو والرحمة ، وأما في حقوق الآدميين فلا تمنع من ضمان ما يجب ضمانه إذا لم يرض صاحب الحق بسقوطه .] .[209]
فوائد الحديث : 1 ـ أن هذه الأمور الثلاثة : الخطأ ، والنسيان ، والإكراه سبب للتخفيف ومنع التكليف :
الأول : النسيان : وهو ذهول القلب عن الشيء وعدم تذكره .
والدليل على أنه سبب للتخفيف ومانع من موانع التكليف ، قوله تعالى : } ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا {[210]، قال الله تعالى كما في صحيح مسلم : ( قد فعلت ) [211]، ولحديث الباب .
الثاني : الخطأ : وهو ضد العمد .
والدليل على أنه سبب للتخفيف ومانع من موانع التكليف ، قوله تعالى : } ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا{[212] ، وقوله تعالى : {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}[213] ، ولحديث الباب .
الثالث : الإكراه وهو : حمل الغير على أمر لا يرضاه لو خلي ونفسه ، بارتكاب النهي أو ترك الأمر.
والدليل على أنه سبب للتخفيف ومانع من موانع التكليف ، قوله تعالى : } إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمــان{[214] ، ولحديث الباب ، فمن أكره على طلاق زوجته ، فإنها لا تطلق ، ومن أكره على الكفر ، وقلبه مطمئن بالإيمان ، فلا شيء عليه .[215]
2 ـ أن الله تعالى لا يؤاخذ إلا عن عمد وتصميم [216]. 3 ـ لا يعاقب الله الناسي والمخطئ والمكره[217] . 4 ـ هذا الحكم خاص للأمة المحمدية[218] . 5 ـ إذا ضاق الأمر اتسع[219] . 6 ـ بيان رحمة الله ، حيث لا يكلف نفساً إلا وسعها . أي إلا طاقتها .[220] 7 ـ شرف هذه الأمة على غيرها .[221]
8 ـ النسيان من صفات الإنسان .[222]
الحديث الأربعون :
اغتنامُ الدُّنيا للفوزِ بالآخرة وقِصَرُ الأمل
أهمية الحديث ، مفردات الحديث ، المعنى العام:(1-الرسول المربي r 2-فناء الدنيا وبقاء الآخرة 3-الدنيا معبر وطريق للآخرة)
عن ابنِ عُمَرَ رضي اللهُ عنهما[223] قال: أَخَذَ رسُول اللهِ r بِمَنْكِبَيَّ فقال : "كُنْ في الدُّنْيا كأنَّكَ غَرِيبٌ ، أو عابرُ سبِيل".
وكانَ ابنُ عُمَرَ رَضي اللهُ عنهما يقولُ: إذا أمْسَيْتَ فلا تَنْتظرِ الصبَّاح، وإذا أصْبَحْتَ فلا تَنْتَظِرِ الَمسَاء ، وخُذْ مِنْ صحَّتِك لِمَرضِك، ومِنْ حَياتِك لِمَوْتِكَ. رَواهُ البُخاري.[224]
أهمية الحديث :
هذا الحديث أصل عظيم من أصول الحياة الإسلامية ، فهو يحثُّ على قصر الأمل ، وفيه ترغيب على التفرُّغ من هموم الدنيا والاشتغال بالآخرة[225] .
مفردات الحديث:
أخذ : أمسك . بمنكبيّ : بتشديد الياء، مثنَّى منكب،والمنكِب: مجتمع رأس العضد والكتف[226] . إذا أمسيت : دخلت في المساء، وهو من الزوال إلى نصف الليل.
إذا أصبحت : دخلت في الصباح، وهو من نصف الليل إلى الزوال.
المعنى العام: الرسول المربي : كان رسول الله r معلماً لأصحابه ومربياً، وقد سبق في تعليمه وتربيته لهم أحدث ما توصل إليه علماء التربية الحديثة من طرق ووسائل، فهو يغتنم الفرص والمناسبات، ويضرب لهم الأمثال، وينقل لهم المعنى المجرد إلى محسوس ومُشاهد، ويتخولهم بالموعظة ويخاطبهم بما تقتضيه حاجتهم، وتدركه عقولهم .
ورسول الله r في هذا الحديث يأخذ بمنكبي عبد الله بن عمر، لينبهه إلى ما يُلقى إليه من علم، وليشعره باهتمامه وحرصه على إيصال هذا العلم إلى قرارة نفسه. وحكمة ذلك ما فيه من التأنيس والتنبيه والتذكير، إذ محالٌ عادةً أن يَنْسَى من فُعِل ذلك معه، ففيه دليل على محبته r لابن عمر.
فناء الدنيا وبقاء الآخرة: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}[227] ، {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}[228].
فهذه الدنيا فانية مهما طال عمر الإنسان فيها، وهذه حقيقةٌ مشاهَدَةٌ، نراها كل يوم وليلة، والحياة الباقية هي الحياة الأخروية.
فالمؤمن العاقل هو الذي لا يغتر بهذه الدنيا، ولا يسكن إليها ويطمئن بها، بل يقصر أمله فيها، ويجعلها مزرعة يبذر فيها العمل الصالح ليحصد ثمراته في الآخرة، ويتخذها مطية للنجاة على الصراط الممدود على متن جهنم، وقال رسول الله r : " مالي وللدنيا ، إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قَالَ في ظِلِّ شجرةٍ في يومٍ صائفٍ ثم راح وتركها" .[229]
قَالَ : نام في النهار ليستريح .
الدنيا معبر وطريق للآخرة : والمؤمن إما غريب فيها أو عابر سبيل ، فهو لا يركن إليها ، ولا يُشْغَل بزخرفها ويخدع بما فيها ، إنما يستشعر المؤمن في نفسه وقلبه دائماً وأبداً، أن يعيش في هذه الدنيا عيش الغريب عن وطنه، البعيد عن أهله وعياله ، فهو دائماً وأبداً ، في شوق إلى الوطن ، وفي حنين إلى لقيا الأهل والعيال والأحباب ، ولا يزال قلبه يتلهف إلى مفارقته فهو لا يشيد فيه بناء ، ولا يقتني فراشاً ولا أساساً ، بل يرضى بما تيسر له ، ويدخر من دار الغربة ، ويجمع من الهدايا والتحف ، ما يتنعم به في بلده ، بين الأهل وذوي القربى ، لأنه يعلم أن هناك المقام والمستقر ، وهكذا المؤمن يزهد في الدنيا ، لأنها ليست بدار مقام ، بل هي لحظات بالنسبة للآخرة {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ}[230]، {وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ}[231].
بل إن المؤمن يعيش في هذه الدنيا ويستقر أقل مما يعيشه الغريب عن بلده ويقيم، فإن الغريب ربما طاب له المقام، واتخذ المسكن والأهل والعيال، وليس هذا حال المؤمن في الدنيا ، بل هو كالمسافر في الطريق، يمر مَرّ الكرام، ونفسه تتلهف إلى الوصول لموطنه ومستقره، والمسافر لا يتخذ في سفره المساكن بل يكتفي من ذلك بالقليل، قدر ما يؤنسه لقطع مسافة عبوره، ويساعده على بلوغ غايته وقصده.
وهكذا المؤمن في الدنيا يتخذ من مساكنها ومتاعها ما يكون عوناً في تحقيق مبتغاه في الآخرة من الفوز برضوان الله تعالى ويتخذ من الخلان من يدله على الطريق، ويساعده على الوصول إلى شاطئ السلامة {الأَخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ}[232] ويكون حَذِراً فيها من اللصوص وقُطَّاع الطرق الذين يبعدونه عن الله عز وجل وطاعته، كحال المسافر في الصحراء {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا * يَا وَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً}[233]. والمسافر يتزود لسفره، والمؤمن يتزود من دينه لآخرته قال الله تعالى: {وتزوَّدُوا فإنَّ خيرَ الزادِ التَّقوى واتَّقونِ يا أُولي الألباب}[234].
قال النووي في شرح الحديث : ” معنى الحديث : لا تركن إلى الدنيا ولا تتخذها وطناً ، ولا تحدث نفسك بطول البقاء فيها ، ولا بالاعتناء بها ، ولا تتعلق منها إلا بما يتعلق به الغريب في غير وطنه ، ولا تشتغل فيها بما لا يشتغل به الغريب الذي يريد الذهاب إلى أهله وبالله التوفيق “ .[235]
على المسلم أن يبادر إلى فعل الخير ، والإكثار من الطاعات والمُبرَّات ، فلا يهمل ولا يمهل ، على أمل التدارك في المستقبل ، لأنه لا يدري متى ينتهي أجله .
[ من أقوال السلف :
قال عيسى ابن مريم عليه السلام : ” من ذا الذي يبني على موج البحر داراً ، تلكم الدنيا فلا تتخذوها قراراً“ . [236]
وقال عليه الصلاة والسلام أيضاً : ” اعبروها ولا تعمروها “ .[237]
وقال أبو الدرداء t لأهل الشام : ” يا أهل دمشق استمعوا إلى قول أخ لكم ناصح ، قال : فاجتمعوا إليه ؛ فقال : ما لي أراكم تبنون ما لا تسكنون ؛ وتجمعون ما لا تأكلون وتأملون ما لا تدركون ؛ فإِنَّه من كان قبلكم بنوا شديداً وأَمَّلوا بعيداً وجمعوا كثيراً فأصبح أملهم غروراً ومجمعهم بوراً ومساكنهم قبوراً“ .[238]
قال عمر بن عبد العزيز : ” ألا إن الدنيا بقاؤها قليل ، وعزيزها ذليل ، وغنيها فقير ، وشبابها يهرم ، وحيها يموت ، فلا يغرنكم إقبالها مع معرفتكم بسرعة إدبارها ، فالمغرور من اغتر بها “ .[239]
وقال علي t : ” ارتحلت الدنيا مدبرة ، وارتحلت الآخرة مقبلة ، ولكل واحد منهما بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، فإن اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل “ .[240]
وقال ابن السماك : ” إن الموتى لم يبكوا من الموت ، ولكنهم يبكون من حسرة الفوت ، فاتتهم والله دار لم يتزودوا منها ، ودخلوا داراً لم يتزودوا لها “ .[241]
وقال بعض العلماء : ” أيها الإنسان إنما أنت نازل من الدنيا في منزل تعمره أيام عمرك ، ثم تخليه عند موتك لمن ينزله بعدك“ .[242]
قال الشافعي رحمه الله [243]:
إنَّ لله عِباداً فُطَـــنَا تركوا الدنيا وخافوا الفِتَنَا
نظروا فيها فلمَّا عَلِمُوا أنها ليست لحيٍّ وَطَنَــا
جعلوها لُجَّةً واتخــذوا صالحَ الأعمالِ فِيْهَا سُفُنَا
أحسن علاج للزهد في الدنيا وعدم الركون إليها هو قصر الأمل .
قال ابن القيم رحمه الله : ” فأما قصر الأمل فهو العلم بقرب الرحيل ، وسرعة انقضاء مدة الحياة ، وهو من أنفع الأمور للقلب ، فإنه يبعثه على معافصة الأيام ، وانتهاز الفرص التي تمر مر السحاب ، ومبادرة طي صحائف الأعمال ، ويثير ساكن عزماته إلى دار البقاء ، ويحثه على قضاء جهاز سفره ، وتدارك الفارط ، ويزهده في الدنيا ، ويرغبه في الآخرة ، فيقوم بقلبه _ إذا داوم مطالعة قصر الأمل _ شاهد من شواهد اليقين ، يريه فناء الدنيا ، وسرعة انقضائها ، وقلة ما بقي منها ، وأنها قد ترحلت مدبرة ، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء يتصابها صاحبها ، وأنها لم يبق منها إلا كما بقي من يوم صارت شمسه على روؤس الجبال ، ويريه بقاء الآخرة ودوامها ، وأنها قد ترحلت مقبلة ، وقد جاء أشراطها وعلاماتها ، وأنها مع لقائها كمسافر قد خرج صاحبه يتلقاه ، فكل منهما يسير إلى الآخر ، فيوشك أن يلتقيا سريعاً “ ، إلى أن قال رحمه الله : ” ويكفي في قصر الأمل :
قوله تعالى : } أفرأيت إن متعناهم سنين * ثم جاءهم ما كانوا يوعدون * ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون {[244]. وقوله تعالى : } ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم {[245]. وقوله تعالى : } كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها {[246] . وقوله تعالى : } قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم فاسأل العادين * قال إن لبثتم إلا قليلاً لو أنكم كنتم تعلمون{[247]. وقوله تعالى : } كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون{[248]. وقوله تعالى : { يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشراً * نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوماً }[249] .
وخطب النبي e أصحابه يوماً والشمس على روؤس الجبال فقال : إنه لم يبق من الدنيا فيما مضى منها إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه “ .[250]
ثم قال رحمه الله : ” وقصر الأمل بناؤه على أمرين : تيقن زوال الدنيا ومفارقتها ، وتيقن لقاء الآخرة وبقائها ودوامها ، ثم يقايس بين الأمرين ويؤثر أولاهما بالإيثار “ .[251]
كان علي t يشتد خوفه من اثنتين : طول الأمل ، واتباع الهوى ، وكان يقول : ” يا أيها الناس إن أخوف ما أخاف عليكم طول الأمل واتباع الهوى ، فأما طول الأمل فيُنسي الآخرة وأما اتباع الهوى فيُضِلُّ عن الحق ؛ ألا إن الدنيا قد وَلَّتْ مدبرةً والآخرة مقبلةً ولكل واحدة منهما بنون ؛ فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا ؛ فإِنَّ اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل “ .[252]
وحكي في قصر الأمل أن امرأة حبيب أبي محمد قالت : ” كان يقول لي – تعني أبا محمد – إن مت في اليوم فأرسلي إلى فلان يغسلني وفعلي كذا ،واصنعي كذا ،فقيل لامرأته : أَرأي رؤيا ؟ قالت:هذا يقوله في كل يوم “.[253]
وعن إبراهيم بن سبط قال : ” قال لي أبو زرعة : لأقولن لك قولاً ما قلته لأحد سواك : ما خرجت من المسجد منذ عشرين سنة ، فحدثت نفسي أن أرجع إليه “ .[254]
فوائد ذكر الموت :
يردع عن المعاصي _ ويلين القلب القاسي _ ويذهب السرور بالدنيا _ ويزهد فيها _ ويهون المصائب _ ويبعث على الجد والاجتهاد في العمل للآخرة .
فالمقصود الأعظم من ذكر الموت الاستعداد له بالعمل الصالح .
قال تعالى : } حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون * لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون {[255] .
وقال تعالى : } وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين * ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون {[256] .
بالموت ينقطع عمل الإنسان،قال e :( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث ... ) رواه مسلم.[257]
من أقوال السلف :
قال الحسن t : ” فضح الموت الدنيا فلم يترك فيها لذي لُبٍّ فرحاً “ .[258]
وقال كعب الأحبار : ” من ذكر الموت هانت عليه المصائب “ .[259]
وكتب رجل إلى بعض إخوانه : يا أخي احذر الموت في هذه الدار من قبل أن تصير إلى دار تتمنى الموت فيها فلا يُوجد ويُطلَبُ فيها فلا يُدْرَكُ .[260]
وقال شميط بن عجلان : ” من جعل الموت نصب عينيه لم يبال بضيق الدنيا ولا بسعتها “ .[261]
وقال أبو الدرداء t : ” إذا ذكرت الموتى فعد نفسك كأحدهم “ .[262]
وقد جاءت نصوص في الحث على العمل والمبادرة إليه :
ففي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله e : ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ ) رواه البخاري .[263]
وقال e : ( اغتنم خمساً قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك ) رواه الحاكم .[264]
قال ابن رجب رحمه الله : ” والمراد من هذا أن هذه الأشياء كلها تعوق عن الأعمال ، فبعضها يشغل عنه ، إما في خاصة الإنسان ، كفقره ، وغناه ، ومرضه ، وهرمه ، وموته ، وبعضها عام كقيام الساعة وخروج الدجال ، وكذلك الفتن المزعجة ، كما جاء في حديث آخر : ( بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم ) “ . [265]
وقال عمر t : ” التؤدة في كل شيء خير إلا ما كان من أمر الآخرة “ .[266]
وكان الحسن البصري رحمه الله يقول : ” يا عجباً لقوم أمروا بالزاد ، ونودي فيهم بالرحيل ، وحُشِرَ أولهم على آخرهم ، وهم مع ذلك قعود يلعبون “ .[267]
وقال أبو حازم:”إن بضاعة الآخرة كاسدة، يوشك أن تنفق فلا يوصل منها إلى قليل ولا كثير“.[268]
وكانوا يبادرون بالأعمال غاية ما يمكن :
فكان ابن عمر يصلي ما قُدِّرَ له ( ثم ) يأوي إلى فراشه ؛ فيُغفي إغفاءَ الطائرِ ؛ ثم يقوم فيتوضأ ويصلي ثم يرجع فكان يفعل ذلك في الليل أربع مرات أو خمساً .[269]
وكان عمير بن هانئ يسبح كل يوم مائة ألف تسبيحة .[270]
ولما حضرت أبا بكر بن عياش الوفاة بكت أخته فقال : لا تبك ـ وأشار إلى زاوية في البيت ـ فقد ختم أخوك في تلك الزاوية ثمانية عشر ألف ختمة “ .[271] ] [272].
ما يستفاد الحديث: 1 ـ على المسلم أن يغتنم المناسبات والفرص ، إذا سنحت له ، وقبل أن يفوت الأوان .
2 ـ وفي الحديث حث على الزهد في الدنيا، والإعراض من مشاغلها، وليس معنى ذلك ترك العمل والسعي والنشاط، بل المراد عدم التعلق بها والاشتغال بها عن عمل الآخرة. 3 ـ شأن المسلم أن يجتهد في العمل الصالح، ويكثر من وجوه الخير، مع خوفه وحذره دائماً من عقاب الله سبحانه وتعالى، فيزداد عملاً ونشاطاً، شأن المسافر الذي يبذل جهده من الحذر والحيطة، وهو يخشى الانقطاع في الطريق، وعدم الوصول إلى المقصد.
4 ـ الحذر من صحبة الأشرار، الذين هم بمثابة قطاع الطرق، كي لا ينحرفوا بالمسلم عن مقصده، ويحولوا بينه وبين الوصول إلى غايته. 5 ـ العمل الدنيوي واجب لكف النفس وتحصيل النفع، والمسلم يسخِّر ذلك كله من أجل الآخرة وتحصيل الأجر عند الله تعالى. 6 ـ الاعتدال في العمل للدنيا والآخرة. 7 ـ لا تركن إلى الدنيا ولا تتخذها وطناً[273] . 8 ـ اغتنام الصحة بالعمل الصالح[274] . 9 ـ إن الإنسان إذا لم يستغل حياته وصحته فإنه يندم حين لا ينفع الدم ، ويتمنى الرجوع فلا يستطيع .
قال تعالى : } أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين * أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين * أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين {[275] ، وقال تعالى : }حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون * لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون {[276].
قال سعيد بن جبير رحمه الله : ” كل يوم يعيشه المؤمن غنيمة “ .[277]
10 ـ طلب الزاد لدار الرحيل[278] .
11 ـ قِصَرُ الأمل و الإسراع في التوبة و الاستعداد للموت[279] .
12 ـ الحرص على الوقت[280] .
13 ـ ينبغي للمعلم أن يفعل الأسباب التي يكون فيها انتباه المخاطب ، لأن النبي r أخذ بمنكبي عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما[281] .
14 ـ مخاطبة الواحد وإرادة الجمع ، فإن هذا لا يخص ابن عمر وحده t بل يعم جميع الأمة .
15 ـ فضيلة عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حيث تأثر بهذه الموعظة من النبي r [282]، [ وامتثل ابن عمر وصية رسول الله e قولاً وعملاً .
أما قولاً ، فإنه كان يقول : ” إذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك “ .
وأما في الفعل : فقد كان t على جانب كبير من الزهد فيها والقناعة منها باليسير الذي يقيم صلبه ويستر بدنه ، وما سوى ذلك يقدمه لغده .
قال جابر بن عبد الله t :”ما رأينا أحداً إلا قد مالت به الدنيا أو مال بها إلا عبد الله بن عمر“.[283]
وقالت عائشة رضي الله عنها: ” ما رأيت أحداً ألزم للأمر الأول من ابن عمر “ .[284] ][285]
الحديث الحادي والأربعون:
اتباعُ شرعِ اللهِ تعالى عِمَادُ الإِيمان وهدي المؤمن
ترجمة الراوي ، درجة الحديث ، ترجمة الراوي ، أهمية الحديث ، مفردات الحديث ، المعنى العام:(1-المسلم إنسان متكامل 2-حقيقة الهوى وأنواعه 3-اتباع الهوى منشأ المعاصي والبدع والإعراض عن الحق 4-محبة الله تعالى ورسوله r 5-عنوان المحبة :الموافقة والاتباع 6-حلاوة الإيمان 7-الاحتكام إلى شرع الله عز وجل والرضا بحكمه ) ما يستفاد من الحديث
عن أبي محمَّدٍ عَبدِ الله بنِ عَمرو بْنِ الْعاص رَضي اللهُ عنهما قال : قال رسولُ اللهِ r : " لا يُؤمِنُ أحَدُكُمْ حتَّى يكُونَ هَواهُ تَبَعَاً لِمَا جِئْتُ به " . حديثٌ حسن صَحِيح ، رَوَيْنَاهُ في " كتاب الْحُجَّةِ " بإسْنادٍ صَحيحٍ .
ترجمة الراوي : هو عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم القرشـي ، أبو محمد وقيل أبو عبد الرحمن وقيل أبو نصير ، يُقال كان اسمه العاص فسمّاه الرسول r عبد الله ، وقد سبق أباه عمرو بن العاص للإسلام ، وقال فيهم النبي r : ( نعم أهل البيت عبد الله وأبو عبد الله وأم عبد الله ) [286]، ولم يكن بينه وبين أبيه في السن سوى إحدى عشرة سنة وقيل : ( 12 ) وقيل : ( 13 ) سنة ، ومنذ أن أسلم لم يعد الليل والنهار يتّسعان لتعبّـده ونسكـه ، فعكـف على القرآن يحفظه ويفهمه ، وجلس في المسجد متعبداً ، وفي داره صائماً و قائماً ، لا ينقطع عن الذكر أبداً ، وإذا خرج المسلمون لقتال المشركين خرج معهم طالبا للشهادة ، وكان مجتهدا في العبادة غزير العلم قال أبو هريرة t ما كان أحد أكثر حديثاً عن رسول الله r مني إلا عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب وكنت لا أكتب ، قال الطبري : قيل كان طوالاً أحمر عظيم الساقين أبيض الرأس واللحية وعمي في آخر عمره ، وكان مع أبيه إلى أن توفي أبوه بمصر ، ثم انتقل إلى الشام ثم إلى مكة ، وحين بلوغه الثانية والسبعين من عمره المبارك وقيل الثالثة والسبعين ، وإذ هو في مُصلاّه ، يتضرع إلى ربه ، ويسبح بحمده ، دُعيَ إلى رحلة الأبد ، فذهبت روحه تسعى وتطير إلى لقاء الأحبة ، توفي عبد الله بن عمرو بن العاص t ليالي الحرّة بالطائف وقيل في مصر وقيل في مكة وقيل بفلسطين وقيل بعجلون وقيل بالشام ، سنة ( 63 هـ) من شهر ذي الحجة، وقيل : سنة ( 65 ) وقيل : سنة (68) وقيل : سنة (69 ) وقيل : سنة ( 73 ) وقيل : سنة ( 77 ) وقيل غير ذلك.
ولما توفى لم يقدروا أن يخرجوا بجنازته لمكانة الحرب بين مروان بن الحكم وعسكر ابن الزبير فدفن بداره t ، ومروياته ( 700 ) حديثاً .[287]
درجة الحديث : ضعيف ، قال ابن رجب رحمه الله : تصحيح هذا الحديث بعيدٌ جداً من وجوه[288]، وقال الألباني : سنده ضعيف .[289] أهمية الحديث : هذا الحديث يصلح أن يُقال فيه : إنه كلُّ الإسلام ، لإفادته أن من كان هواه تبعاً لجميع ما جاء به النبي r ، فهو المؤمن الكامل ، ومن أعرض عن جميع ما جاء به ؛ ومنه الإيمان ، فهو كافر[290] .
مفردات الحديث:
لا يؤمن : لا يكمل إيمانه، أو لا يصح .
هواه : ما تحبه نفسه ويميل إليه قلبه ويرغبه طبعه.[291]
تبعاً : تابعاً له بحيث يصبح اتِّباعه كالطبع له. لما جئت به : ما أرسلني الله تعالى به من الشريعة الكاملة.
المعنى العام: المسلم إنسان متكامل : المسلم إنسان تتكامل فيه جوانب الشخصية المثالية، فلا تعارض بين قوله وفعله، ولا تناقض بين سلوكه وفكره، بل هو إنسان يتوافق فيه القلب واللسان مع سائر أعضائه، كما يتناسق لديه العقل والفكر والعاطفة، وتتوازن عنده الروح والجسد، ينطق لسانه بما يعتقد، وتنعكس عقيدته على جوارحه، فتُقَوِّم سلوكَه وتُسَدِّد تصرفاته، فلا تتملكه الشهوة، ولا تطغيه بدعة، ولا تهوي به متعة، منطلقه في جميع شؤونه وأحواله شرعُ الله تعالى الحكيم، وهذا ما يقرره رسول الله r عندما ينصب لنا العلامة الفارقة للمسلم المؤمن فيقول : " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به " .
حقيقة الهوى وأنواعه: قد يطلق الهوى ويراد به الميل إلى الحقِّ خاصة، ومحبته والانقياد إليه ، ومنه ما جاء في قول عائشة رضي الله عنها : ما أُرَى ربك إلا يُسارعُ في هواك .[292]
وقد يُطلق ويراد به : الميل والمحبة مطلقاً ، فيشمل الميل إلى الحق وغيره ، وهذا المعنى هو المراد في الحديث .
وقد يطلق ويراد به مجرد إشباع شهوات النفس وتحقيق رغباتها ، وهذا المعنى هو المراد عند إطلاق كلمة الهوى، وهو الأكثر في الاستعمال ، وهو المعنى الذي تضافرت نصوص الشرع على ذمه والتحذير منه والتنفير عنه ، إذ الغالب فيه أن يكون ميلاً إلى خلاف الحق ، وتحقيق مشتهيات الطبع دون مقتضيات الشرع ، فيكون سبيل الضلال والشقاء ، قال الله تعالى مخاطباً داود عليه السلام : {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}[293].
[ التحذير من اتباع الهوى :
وقد حذر الله من اتباع الهوى ، فقال تعالى : } يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله {[294] .
واتباع الهوى هو منشأ المعاصي ، قال تعالى : } فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهــم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله {[295] .
ومتبع الهوى ليس أهلاً أن يطاع ، قال تعالى : } بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم {[296] .
واتباع الهوى من المهلكات ، قال e : ( ثلاثٌ مهلكاتٌ وثلاثٌ منجياتٌ ، فالثلاثُ المهلكاتُ : شُحٌّ مُطاعٌ وهوىً مُتَّبَعٌ وإعجابُ المرءِ بنفسه ، وقال : وثلاثٌ منجياتٌ : خشيةُ الله في السرِّ والعلانيةِ والقصدُ في الفقرِ والغنى والعدلُ في الغضبِ والرضا).[297]
الهوى حِظَارُ[298]جهنم المحيط بها ، فمن وقع فيه وقع ، قال e : ( حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات ) رواه مسلم .[299]
جعل الله سبحانه متبع الهوى بمنزلة عابد الوثن ، قال تعالى : } أرأيت من اتخذ إلهه هواه {[300] ][301]
اتباع الهوى منشأ المعاصي والبدع والإعراض عن الحق: فمن استرسل في شهواته، وأعطى نفسه هواها، جرته إلى المعاصي والآثام، وأوقعته في مخالفة شرع الله عز وجل، وفي الحقيقة : ما انحرف المنحرفون ، وما ابتدع المبتدعون ، وما أعرض الكافرون الفاسقون والمارقون ، عن المنهج القويم والحق المبين ، لعدم وضوح الحق أو عدم اقتناعهم به _ كما يزعمون _ فالحق واضح أبلج، والباطل ملتبس لجلج [302]، وإنما بدافع الهوى المُتَّبَع ، قال تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ}[303].
الهوى المتبع إله يُعْبَد من دون الله عز وجل : إن العبادة هي الانقياد والخضوع، فمن انقاد لهواه وخضع لشهواته فقد أصبح عبداً لها. وإن الهوى والشهوات لا تزال بالإنسان حتى تتمكن منه وتسيطر عليه، فلا يصدر في تصرفاته إلا عنها، ولا يأتمر إلا بأمرها، وإن خالف فكره وعقله، وناقض معرفته وعلمه. وهكذا تجد عَبَدَة الهوى يغمضون أعينهم عن رؤية الحق، ويصمون آذانهم عن سماعه، فلا يعرفون استقامة ولا يهتدون سبيلاً .
[ قال ابن عباس t : الهوى إله يعبد من دون الله ، ثم تلا : {أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ}[304]][305]، ويُروى : " ما تحت ظل السماء إله يعبد أعظم عند الله تعالى من هوى متبع " .[306]
أعظم : أي أكثر إثماً لأنه أوسع شراً .
والإنسان بما مُنِح من القوة العاقلة وما أعطي من الاختيار والقدرة بمَلْكِه أن يخالف هواه ويسيطر على نوازع الشر ويكبتها، ويجاهد نفسه ويحملها على السمو في درجات الخير والتقوى فيبوؤها المرتبة اللائقة بها من التكريم والتفضيل، فإن هو فعل ذلك كان سلوكه عنوان قوته العقلية وبشريته المثالية وإنسانيته المتكاملة، وإن هو انهزم أمام نوازع الشر واستسلم لهواه وانحدر في دركات الرذيلة فقد انحط بإنسانيته، وأَسَفَّ بكرامته، فكان هذا عنوان حماقته وضعفه، قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}[307]، وقالe : " المجاهدُ من جاهدَ نفسه " .[308]
وأما مجاهدة النفس والتمرد على الهوى فهي نتيجة المعرفة الحقة بالله عز وجل، واستشعار عظمته وإدراك نعمته ، ولا يزال العبد يجاهد نفسه حتى ينسلخ كلياً من عبودية الهوى إلى العبودية الخالصة لله عز وجل، ويكتمل فيه الإيمان، ويثبت لديه اليقين، ويكون من الفائزين بسعادة الدارين، قال الله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}[309].
[ كيفية التخلص من الهوى المذموم :
أولاً : جرعة صبر يصبر نفسه على مرارتها تلك الساعة .
ثانياً : فرحه بغلبة عدوه وقهره له ورده خاسئاً بغيظه وغمه وهمه حيث لم ينل منه أمنيته .
ثالثاً :أن مخالفة الهوى تورث قوة في بدنه وقلبه ولسانه .
قال سليمان بن داود : الغالب لهواه أشد من الذي يفتح المدينة وحده .[310]
وفي الحديث : ( ليس الشديد بالصرعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) متفق عليه.[311]
رابعاً : أن جهاد الهوى من أعظم الجهاد .
قال ابن القيم : ” وسمعت شيخنا يقول : جهاد النفس والهوى أصل جهاد الكفار والمنافقين ، فإنه لا يقدر على جهادهم حتى يجاهد نفسه وهواه أولاً حتى يخرج إليهم “[312] . ] [313]
محبة الله تعالى ورسوله r: حتى يتحقق لدى المسلم أصل الإيمان، ويسير في طريق بلوغ كماله، لابد من أن يحب ما أحبه الله تعالى، محبة تحمله على الإتيان بما وجب عليه منه وما ندب إلى فعله، وأن يكره ما كرهه الله تعالى، كراهة تحمله على الكف عما حرم عليه منه وما ندب إلى تركه، وهذه المحبة لما أحبه الله تعالى والكراهة لما كرهه، لا تتحققان إلا إذا أحب الله تعالى ورسوله r حباً يفوق حبه لكل شيء، بحيث يضحي في سبيلهما بكل شيء، ويقدمهما على كل شيء.
وروى البخاري واللفظ له ومسلم عن أنس t : قال رسول الله r : " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين " .[314]
عنوان المحبة الموافقة والاتباع : المحبة الصحيحة تقتضي متابعة المحب لمن أحب ، وموافقته فيما يحب ويكره ، قولاً وفعلاً واعتقاداً ، قال الله تعالى : {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ.. }[315] فمن ترك شيئاً مما يحبه الله عز وجل ورسوله r ، وفعل شيئاً يكرهانه ، مع قدرته على فعل المحبوب وترك المكروه ، كان في إيمانه خلل ونقص ، عليه أن يسعى لإصلاحه وتداركه ، وكانت محبته دعوى تحتاج إلى بينة .
حلاوة الإيمان : للإيمان أثر في النفوس، وطعم في القلوب، أطيب لدى المؤمنين من الماء العذب البارد على الظمأ، وأحلى من طعم العسل بعد طول مرارة المذاق. وهذه المحبة وذاك الطيب، لا يشعر بهما ولا يجد لذتهما إلا من استكمل إيمانه، وصدقت محبته لله تعالى ولرسوله r، وأثمرت في جوانب نفسه، فأصبح لا يحب إلا لله، ولا يبغض إلا لله، ولا يعطي إلا لله، ولا يمنع إلا لله .
روى البخاري ومسلم : عن أنس t عن النبي r قال : " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُقْذَفَ في النار " .[316] حلاوة الإيمان : معناها اللذة في الطاعة .
الاحتكام إلى شرع الله عز وجل والرضا بحكمه : من لوازم الإيمان أن يحتكم المسلم إلى شرع الله عز وجل في خصوماته وقضاياه ، ولا يعدل عنه إلى سواه .
النموذج المثالي : لقد كان أصحاب رسول الله r النموذج المثالي في صدق محبتهم لله تعالى ورسوله r، وحبهم ما يرضيهما وبغضهم ما يسخطهما ، وتقديم محبتهما على كل شيء، وتكييف أهوائهم تبعاً لما جاء به رسول الله r، حتى بذلوا في سبيل ذلك نفوسهم وأرواحهم وأموالهم، وقاتلوا عليه آباءهم، وهجروا أزواجهم وعشيرتهم وأوطانهم، لأنهم كانوا أعرف بحقه وأدرك لفضله r .
ما يستفاد من الحديث :
1 ـ أنه يجب على المسلم أن يعرض عمله على الكتاب والسنة، ويسعى لأن يكون موافقاً لهما.
2 ـ من صَدَّق شرع الله تعالى بقلبه وأقر بلسانه وخالف بفعله فهو فاسق، ومن وافق بفعله وخالف في اعتقاده وفكره فهو منافق، ومن لَبِسَ لكلِّ مَوْقِفٍ لَبُوسَهُ فهو زنديقٌ مارقٌ .
3 ـ من لوازم الإيمان نصرة سنة رسول الله r والدفاع عن شريعته .
4 ـ الإعراض عن متابعة النبي r كفر وفسق[317] .
5 ـ أن الإيمان قد يُنفى عن من قصَّر في بعض واجبه في قوله : (( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به )) وهذا موقوف على ما ورد به الشرع ، فليس للإنسان أن ينفي الإيمان عن الشخص بمجرد أنه رآه على معصية حتى يثبت بذلك دليل شرعي[318] .
6ـ [ أن الإيمان يزيد وينقص ، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة[319]، يزيد بالطاعات وينقص بالعصيان. قال تعالى : } وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً {[320] وقال تعالى : }ويزداد الذين آمنوا إيماناً{[321] وقال تعالى : }ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم {[322] .
ووصف النبي e النساء بنقصان العقل والدين .
وكان عمر t يقول : ” هَلُمُّوا نزدد إيماناً “[323] ، وكان ابن مسعود t يقول : ” اللهم زدنا إيماناً ويقيناً وفقهاً “ .[324]
وكان معاذ بن جبل t يقول لرجل : ” اجلس بنا نؤمن ساعة “ [325].][326]
7 ـ على المسلم أن يُجهد نفسه حتى يكون هواه متابعة النبي r [327] .
8 ـ وجوب محبة النبي r، واتباعه فيما يأمر به ، والانتهاء عمَّا نهى عنه من غير توقف، ولا تلعثم[328] .
9 ـ [ وجوب الاستسلام والانقياد لأوامر الله تعالى ، قال تعالى : } فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكِّموك فيما شجر بينهم{[329] ].[330]
10 ـ أن الشريعة كاملة .[331]
الحديث الثاني والأربعون:
سعةُ مَغْفِرة اللِه عَزَّ وجَل
درجة الحديث ، منزلة الحديث ، مفردات الحديث ، المعنى العام:(1-أسباب المغفرة 2-شرائط الإجابة وموانعها وآدابها :"أ- الحضور والرجاء ، ب- العزم في المسألة والدعاء ،ج- الإلحاح في الدعاء، د- الاستعجال وترك الدعاء، هـ- الرزق الحلال " 3-من آداب الدعاء 4-الاستغفار مهما عظمت الذنوب 5-الاستغفار وعدم الإصرار 6-توبة الكذابين 7-الإكثار من الاستغفار 8-سيد الاستغفار 9-الاستغفار لما جهله من الذنوب 10-من ثمرات الاستغفار 11-الخوف والرجاء 12-التوحيد أساس المغفرة 13-النجاة من النار 14-التوحيد الخالص) ، فوائد الحديث .
عن أنسٍ t[332] قال : سمِعْتُ رسولَ اللهِ r يقول : " قال الله تبارك وتعالى : يا بن آدَمَ إِنَّكَ ما دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لك على ما كان فِيكَ ولا أُبَالِي يا بن آدَمَ لو بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لك ولا أُبَالِي يا بن آدَمَ إِنَّكَ لو أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأرض خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لا تُشْرِكُ بِي شيئاً لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً " . رواه الترمذي[333]، وقال : هذا حَدِيثٌ [ حسن ] غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إلا من هذا الْوَجْهِ .
درجة الحديث : صحيح ، صححه الألباني .[334]
منزلة الحديث : الحديث عظيم الشأن ، لأنه دلَّ على عظم شأن التوحيد ، وعظم الأجر الذي أعدَّه الله للموحدين ، كما دلَّ على سعة مغفرة الله لعباده ، كما فيه ترغيب عظيم بالاستغفار والتوبة والإنابة إليه سبحانه وتعالى[335] .
مفردات الحديث:
ما دعوتني : ما دمت تسألني مغفرة ذنوبك وغيرها.( ما ) : زمانية ظرفية ، مصدرية ، شرطية ، أي مدة دوام دعائك.
رجوتني : خفت من عقوبتي ورجوت مغفرتي، وطمعت في رحمتي، وخشيت من عظمتي.
على ما كان فيك : مع ما وقع منك من الذنوب الكثيرة، الصغيرة والكبيرة.
و لا أبالي : أي لا تعظم كثرتها عَلَيَّ ، [ ولا أهتم ] [336]. بلغت : وصلت من كثرة كميتها، أو من عظمة كيفيتها. عنان : هو السحاب، وقيل ما انتهى إليه البصر منها. استغفرتني : طلبت مني المغفرة. قراب الأرض : ملؤها، أو ما يقارب ملأها. لقيتني : أي مت ولقيتني يوم القيامة. لا تشرك بي شيئاً : اعتقاداً ولا عملاً، أي تعتقد أنه لا شريك لي في ملكي ولا ولد لي ولا والد، ولا تعمل عملاً تبتغي به غيري. مغفرة : هي إزالة العقاب وإيصال الثواب.
المعنى العام: هذا الحديث أرجى حديث في السنة، لما فيه من بيان كثرة مغفرته تعالى، لئلا ييأس المذنبون منها بكثرة الخطايا، ولكن لا ينبغي لأحد أن يغتر به فينهمك في المعاصي : فربما استولت عليه، وحالت بينه وبين مغفرة الله عز وجل ـ وإليك بيان ما فيه:
أسباب المغفرة: الدعاء مع رجاء الإجابة: الدعاء مأمور به وموعود عليه بالإجابة، قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[337] ، عن النبي r قال : " الدعاء هو العبادة " رواه أبو داود .[338]
أخرج الطبراني مرفوعاً : " من أعطي الدعاء أعطي الإجابة، لأن الله تعالى يقول : ادعوني أستجب لكم".[339]
وفي حديث آخر : " ما كان الله ليفتح على عبد باب الدعاء ويغلق عنه باب الإجابة " .[340]
شرائط الإجابة وموانعها وآدابها:
الدعاء سبب مقتض للإجابة عند استكمال شرائطه وانتفاء موانعه، وقد تتخلف الإجابة لانتفاء بعض شروطه أو آدابه، أو وجود بعض موانعه:
الحضور والرجاء: ومن أعظم شرائطه حضور القلب مع رجاء الإجابة من الله تعالى.
أخرج الترمذي من حديث أبي هريرة t عن النبي r قال : " ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ، واعلموا أَنَّ الله لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ " .[341]
العزم في المسألة والدعاء : أي أن يدعو العبد بصدق وحزم وإبرام، ولا يكون تردد في قلبه أو قوله، فقد نهى رسول الله r أن يقول الداعي أو المستغفر في دعائه واستغفاره : " اللهم اغفر لي إن شئت ، اللهم ارحمني إن شئت ، ليعزم في الدعاء ، فإن الله صانعٌ ما شاء لا مُكْرِه له " رواه مسلم .[342]
الإلحاح في الدعاء: إن الله تعالى يحب من عبده أن يعلن عبوديته له وحاجته إليه حتى يستجيب له ويلبي سؤله، فما دام العبد يلح في الدعاء، ويطمع في الإجابة، من غير قطع الرجاء، فهو قريب من الإجابة، ومن قرع الباب يوشك أن يُفْتَح له.
الاستعجال وترك الدعاء: نهى رسول الله r العبد أن يستعجل ويترك الدعاء لاستبطاء الإجابة، وجعل ذلك من موانع الإجابة، حتى لا يقطع العبد رجاءه من إجابة دعائه ولو طالت المدة، فإنه سبحانه يحب الملحين في الدعاء، قال رسول الله r : " يستجاب لأحدكم ما لم يعجل ؛ يقول : دعوت فلم يُسْتَجَب لي " متفق عليه .[343]
الرزق الحلال : إن من أهم أسباب استجابة الدعاء أن يكون رزق الإنسان حلالاً ، ومن طريق مشروع ، ومن موانع الاستجابة أن لا يبالي الإنسان برزقه : أمن حلال أو حرام ؟ ثبت عنه r : " الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء ، يقول : يا رب ، يا رب ، ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغُذِيَ بالحرام ، فَأَنَّى يُستجاب لذلك " رواه مسلم[344] ، وقال : " يا سعد ، أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة " رواه الطبراني في " الأوسط ".[345]
صرف طلب العبد إلى ما فيه خيره: من رحمة الله تعالى بعبده أن العبد قد يدعوه بحاجة من حوائج الدنيا، فإما أن يستجيب له أو يعوضه خيراً منها : بأن يصرف عنه بذلك سوءاً، أو يدخرها له في الآخرة،أو يغفر له بها ذنباً.
روى الترمذي من حديث جابر، عن النبي r قال : " ما من أحد يدعو بدعاء إلا آتاه الله ما سأل، أو كف عنه من السوء مثله، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم " .[346]
وفي المسند عن أبي سعيد t عن النبي r قال : " ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها أثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث : إما أن تُعَجَّلَ له دعوتُه وإمَّا أن يَدَّخِرَها له في الآخرة وإما أن يُصرف عنه من السوءِ مثلها ، قالوا : إذاً نُكْثِر ، قال : الله أكثر " .[347]
وعند الطبراني : " إما أن يَغْفِرَ له بها ذنباً قد سلف "[348] بدل قوله :" إما أن يُصرف عنه من السوءِ مثلها ".
من آداب الدعاء:
1ـ تحري الأوقات الفاضلة .
2 _ تقديم الوضوء والصلاة .
3 _ التوبة .
4 _ استقبال القبلة ورفع الأيدي .
5 _ افتتاحه بالحمد والثناء والصلاة على النبي r .
6 _ جعل الصلاة في وسطه وختمه بها وبآمين .
7 _ لا يخص نفسه بالدعاء بل يعم .
8 _ يحسن الظن بالله ويرجو منه الإجابة .
9 _ الاعتراف بالذنب .
10 _ خفض الصوت .
الاستغفار مهما عظمت الذنوب: إن ذنوب العبد مهما عظمت فإن عفو الله تعالى ومغفرته أوسع منها وأعظم، فهي صغيرة في جنب عفو الله تعالى ومغفرته .
أخرج الحاكم عن جابر t : " أن رجلاً جاء إلى النبي r وهو يقول : واذنوباه واذنوباه ؛ فقال هذا القول مرتين أو ثلاثاً ؛ فقال له رسول الله r : قل : اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبي ورحمتك أرجى عندي من عملي ، فقالها ؛ ثم قال : عُدْ ؛ فعادَ ، ثم قال : عُدْ ؛ فعادَ ؛ فقال : قُمْ فقد غَفَرَ اللهُ لَكَ " .[349]
الاستغفار وعدم والإصرار: في الصحيحين: عن أبي هريرة t عن النبي r قال : " إن عبداً أصاب ذنباً وربما قال : أذنب ذنباً ؛ فقال : رب أذنبت ؛ وربما قال : أصبت ؛ فاغفر لي ، فقال ربه : أَعَلِمَ عبدي أَنَّ لَهُ ربَّاً يغفر الذنب ويأخذ به ؟ غفرت لعبدي ، ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنباً أو أذنب ذنباً فقال : رب أذنبت أو أصبت آخر فاغفره ؛ فقال : أَعَلِمَ عبدي أَنَّ له ربَّاً يغفر الذنب ويأخذ به ؟ غفرت لعبدي ، ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنباً ؛ وربما قال : أصاب ذنباً قال : قال : رب أصبت أو قال أذنبت آخر فاغفره لي ، فقال : أَعَلِمَ عبدي أَنَّ له ربَّاً يغفر الذنب ويأخذ به ؟ غفرت لعبدي ثلاثاً فليعمل ما شاء ) [350]، والمعنى : ما دام على هذا الحال، كلما أذنب استغفر. والظاهر: أن مراده الاستغفار المقرون بعدم الإصرار، فالاستغفار التام الموجب للمغفرة هو ما قارن عدم الإصرار.
وأما الاستغفار باللسان مع إصرار القلب على الذنب، فهو دعاء مجرد، إن شاء الله أجابه وإن شاء رده، وقد يرجى له الإجابة، ولا سيما إذا خرج عن قلب منكسر بالذنوب، أو صادف ساعة من ساعات الإجابة، كالأسحار وعقب الأذان والصلوات المفروضة ونحو ذلك .
وقد يكون الإصرار مانعاً من الإجابة ، ففي المسند من حديث عبد الله مرفوعاً : " ويل للمُصرِّين الذين يُصِرُّون على ما فعلوا وهم يعلمون " .[351]
توبة الكذابين: من قال : أستغفر الله وأتوب إليه، وهو مصر بقلبه على المعصية، فهو كاذب في قوله، آثم في فعله لأنه غير تائب، فلا يجوز له أن يخبر عن نفسه بأنه تائب وهو غير تائب ، والأشبه بحاله أن يقول : اللهم إني أستغفرك فتب علي.
الإكثار من الاستغفار: في البخاري عن أبي هريرة t عن النبي r قال : " والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة " .[352]
سيد الاستغفار: يستحب أن يزيد في الاستغفار على قوله: أستغفر الله وأتوب إليه، توبة من لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً.
روى البخاري عن شداد بن أوس t عن النبي r قال : " سيد الاستغفار أن تقول : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت ، خلقتني وأنا عبدك ، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك عليَّ وأبوء بذنبي فاغفر لي ، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت " .[353]
الاستغفار لما جهله من الذنوب: من كثرت ذنوبه وسيئاته وغفل عن كثير منها، حتى فاقت العدد والإحصاء، فليستغفر الله عز وجل مما علمه الله تعالى من ذنبه، روى شداد بن أوس t عن النبي r : "وأسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم ، وأستغفرك لما تعلم ، إنك أنت علام الغيوب " .[354]
من ثمرات الاستغفار: في المسند عن ابن عباس t عن النبي r قال : " من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ، ومن كل ضيق مخرجاً ، ورزقه من حيث لا يحتسب " .[355]
الخوف والرجاء: ولا بد لتحقيق الرجاء من الخوف، فيجب على الشخص أن يجمع بينهما ليسلم، ولا يقتصر على أحدهما دون الآخر، لأنه ربما يفضي الرجاء إلى المكر والخوف إلى القنوط، وكل منهما مذموم.
والمختار عند المالكية تغليب الخوف إن كان صحيحاً والرجاء إن كان مريضاً، والراجح عند الشافعية استواؤهما في حق الصحيح : بأن ينظر تارة إلى عيوب نفسه فيخاف ، وتارة ينظر إلى كرم الله تعالى فيرجو ، وأما المريض : فيكون رجاؤه أغلب من خوفه، لقوله r : " لا يموتَنَّ أحدكم إلا وهو يُحسنُ بالله الظَّنَّ".[356]
وقال الإمام الشافعي t في مرض موته [357]:
ولما قَسَا قَلبي وضاقتْ مذاهبي جعلتُ الرَّجَاء مني لعفوِك سُلَّمَا
تَعاظَمنَي ذنبي فلمَّا قرنتُــه بعفوِكَ ربِّي كانَ عفوك أعظمَا ولعل هذه هي الحكمة في ختم هذه الأحاديث المختارة بهذا الحديث وزيادته على الأربعين.
التوحيد أساس المغفرة: من أسباب المغفرة التوحيد، وهو السبب الأعظم، فمن فقده فقد المغفرة، ومن جاء به فقد أتى بأعظم أسباب المغفرة، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[358].
وإن الذنوب لتتصاغر أمام نور توحيد الله عز وجل، فمن جاء مع التوحيد بقراب الأرض خطايا لقيه الله عز وجل بقرابها مغفرة، على أنه موكول إلى مشيئة الله تعالى وفضله: فإن شاء غفر له، وإن شاء أخذه بذنوبه.
النجاة من النار : إذا كمل توحيد العبد وإخلاصه لله فيه، وقام بشروطه كلها، بقلبه ولسانه وجوارحه، أو بقلبه ولسانه عند الموت، أوجب ذلك مغفرة ما سلف من الذنوب كلها ومنعه من دخول النار بالكلية.
قال r لمعاذ بن جبل t : " يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد ؟ قال : الله ورسوله أعلم ، قال : أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ، أتدري ما حقهم عليه ؟ قال : الله ورسوله أعلم ، قال : أن لا يعذبهم " رواه البخاري وغيره .[359]
و عن أبي أمامة t قال : قال رسول الله r : من قال : " لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ،لم يسبقها عمل ولم تبق معها سيئة " .[360]
التوحيد الخالص : من تحقق بكلمة التوحيد قلبه أخرجت منه كل ما سوى الله تعالى، محبة وتعظيماً، وإجلالاً ومهابة، وخشية ورجاء وتوكلاً، وحينئذ تحرق ذنوبه وخطاياه كلها ولو كانت مثل زبد البحر، وربما قلبتها حسنات وأحرق نور محبته لربه كل الأغيار من قلبه : " لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما" رواه أحمد [361]، ومحبة رسول الله r من محبة الله عز وجل .
فوائد الحديث :
1 ـ في هذا الحديث الأسباب التي تحصل بها المغفرة ، وهي ثلاثة :
السبب الأول : الدعاء مع الرجاء :
فإن الدعاء مأمور به ، وموعود عليه بالإجابة ، قال تعالى :} وقال ربكم ادعوني أستجب لكم{[362].
والدعاء عبادة ، قال e : ( الدعاء هو العبادة ) رواه أبو داود .[363]
والله يغضب إن لم يُسأل ، قال e : ( من لم يسأل الله يغضب عليه ) رواه الترمذي .[364]
وينبغي حضور القلب ورجاء الإجابة ، وقد روي عن النبي e أنه قال : ( ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ، واعلموا أَنَّ الله لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ " .[365]
ولا يستعجل الإجابة ،قالe : " يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل ؛ يقول : دعوت فلم يُسْتَجَب لي " متفق عليه .[366]
وأن يعزم المسألة ، فقد نهى رسول الله r أن يقول الداعي أو المستغفر في دعائه واستغفاره : " اللهم اغفر لي إن شئت ، اللهم ارحمني إن شئت ، ليعزم في الدعاء،فإن الله صانعٌ ما شاء لا مُكْرِه له"رواه مسلم.[367]
وللداعي إحدى ثلاث :
قال e : " ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها أثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث : إما أن تُعَجَّلَ له دعوتُه وإمَّا أن يَدَّخِرَها له في الآخرة وإما أن يُصرف عنه من السوءِ مثلها ، قالوا : إذاً نُكْثِر ، قال : الله أكثر " .[368]
السبب الثاني : وهو الاستغفار .
وهو طلب المغفرة ، والمغفرة هي وقاية شر الذنوب مع سترها .
وقد أمر الله به ،قال تعالى: } واستغفر الله إن الله كان غفوراً رحيماً {[369] . وقال تعالى: } واستغفر لذنبك {[370].
ومن أسماء الله : الغفور ،والغفار ، قال تعالى : } نبيء عبادي أني أنا الغفور الرحيم {[371] ، وقال تعالى : } ألا هو العزيز الغفار{[372].
مهما عظمت ذنوب الإنسان فإن الله يغفرها لمن تاب ، قال تعالى : } إن ربك واسع المغفرة {[373] .
والأنبياء وأهل الفضل يطلبون المغفرة من الله ، قال تعالى عن نوح : } رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات {[374] ، وقال الخليل : } والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين {[375] ، وقال موسى : } قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له {[376] .
ومدح المستغفرين ، فقال تعالى : } والمستغفرين بالأسحار {[377] ، والنبي e كان يكثر من الاستغفار ، قال e : ( والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة ) رواه البخاري .[378]
وقال النبي e : " طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً " .[379]
وللاستغفار فوائد :
أولاً : تكفير السيئات ورفع الدرجات ، قال تعالى : } ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً {[380] ، وفي الحديث القدسي : ( قال الله : من يستغفرني فأغفر له .. ) متفق عليه[381] ، وتقدم قوله تعالى في الحديث القدسي : (فاستغفروني أغفر لكم ) رواه مسلم .[382]
ثانياً : سبب لسعة الرزق والإمداد بالمال والبنين ، قال تعالى عن نوح أنه قال لقومه:} فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً * يرسل السماء عليكم مدراراً * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً{[383].
ثالثاً : سبب لحصول القوة في البدن ، قال هود عليه السلام لقومه : } ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوةً إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين {[384] .
رابعاً : سبب لدفع المصائب ورفع البلايا ، قال تعالى : } وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون {[385].
خامساً : سبب لبياض القلب قال e : ( إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه ، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه ) رواه ابن ماجه .[386]
من أقوال السلف : كان عمر t : يطلب من الصبيان الاستغفار ويقول : إنكم لم تذنبوا .[387]
وقال قتادة t : إن هذا القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم ، فأما داؤكم فالذنوب ، وأما دواؤكم فالاستغفار .[388]
وللاستغفار صيغ منها :
- " سيد الاستغفار أن تقول : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت ، خلقتني وأنا عبدك ، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك عليَّ وأبوء بذنبي فاغفر لي ، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت " .[389]
- ( رب اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري كله ، وما أنت أعلم به مني ، اللهم اغفر لي خطاياي وعمدي وجهلي وجدي ، وكل ذلك عندي ، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت ، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير ) رواه البخاري .[390]
- ( رب اغفر لي وتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم ) .[391]
السبب الثالث : التوحيد ، وهو السبب الأعظم .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ” الإنسان إذا أذنب ذنوباً عظيمة ثم لقي الله لا يشرك به شيئاً غفر الله له ، ولكن هذا ليس على عمومه لقوله تعالى : } إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء{[392] ، فقوله هنا في الحديث : ( لأتيتك بقرابها مغفرة ) هذا إذا شاء ، وأما إذا لم يشأ فإنه يعاقب بذنبه“ .
فضائل التوحيد :
أولاً : سبب لمغفرة الذنوب ، كما في حديث الباب .
ثانياً : سبب للنجاة من الشدائد ، قال تعالى : } فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون {[393] .
ثالثاً : سبب لدخول الجنة ، قال e : ( من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة ) متفق عليه .[394]
رابعاً : لأهل التوحيد الأمن والاهتداء ، قال تعالى : } الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون {[395] . لم يلبسوا : لم يخلطوا . إيمانهم : توحيدهم . بظلم : المراد به الشرك كما فسره النبي e بذلك . [396]
2 ـ أن الإنسان مهما دعا الله بأي شيء ورجا الله في أي شيء إلا غفر له[397] ، واستجاب له .
3 ـ بيان سعة فضل الله عز وجل وكرمه وجوده[398] .
4 ـ بيان معنى لا إله إلا الله : أنه هو إفراد الله بالعبادة ، وترك الشرك قليله وكثيره[399] .
5 ـ أن الاستغفار يمحو الذنوب ولو عَظُمَتْ [400].
6 ـ فضيلة الإخلاص وأنه سبب لمغفرة الذنوب[401] .
7 ـ وجوب الإيمان بلقاء الله ، لقوله : " لقيتني " .وقد قال تعالى : } فمن كان يرجو لقاء الله فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً {[402].وقال تعالى : } يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه{[403] .
فملاقيه : أي ملاقي ربك ، وقيل : ملاقي عملك .[404]
انتهى الشرح ؛ والحمد لله رب العالمين .
[1] ـ سبقت ترجمته في الحديث التاسع .
[2] ـ صحيح مسلم ج4/ص2074 حديث رقم : 2699 .
[3] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[4] ـ الكربة هي : ما ضاقت على صاحبها ، فناسبها التنفس .
[5] ـ صحيح البخاري ج6:ص2550 حديث رقم : 6552 .
[6] ـ الأنفال : 72.
[7] ـ المزمل :20 .
[8] ـ سنن البيهقي الكبرى ج5:ص353 حديث رقم : 10735 .
[9] ـ مسند أحمد بن حنبل ج2:ص435 حديث رقم : 9621 .
[10] ـ صحيح مسلم ج4:ص2074 حديث رقم : 2699 .
[11] ـ سنن الترمذي ج4:ص378 حديث رقم : 2032 ، قال الترمذي : حسن غريب ، وقال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي - (ج 5 / ص 32) : حسن صحيح .
[12] ـ [ فضل الستر على المسلم :
وقد قال e : ( من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة ، ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته ) رواه ابن ماجه ج2:ص850 حديث رقم : 2546 ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه - (ج 6 / ص 46) : صحيح .
وقال e : ( يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان في قلبه ، لا تغتابوا المسلمين ، ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنَّ من اتبع عورة أخيه المسلم اتبع الله عورته ، وفضحه وهو في بيته ) رواه البيهقي في السنن الكبرى ج10:ص247 حديث رقم : 20953 .
قال الإمام مالك : ” أدركت بهذه البلدة _ يعني المدينة _ أقواماً لم تكن لهم عيوبٌ ؛ فعابوا الناس فصارت لهم عيوب ، وأدركت بها أقواماً كانت لهم عيوب ، فسكتوا عن عيوب الناس فَنُسِيتْ عيوبُهم “ . الضوء اللامع ج1/ص106 .
قال ابن رجب رحمه الله [ جامع العلوم والحكم ص 639 ، 640 ] : ” واعلم أن الناس على ضربين :
أحدهما : من كان مستوراً لا يعرف بشيء من المعاصي ، فإذا وقعت منه هفوةٌ أو زَلَّةٌ ، فإنه لا يجوز هتكها ولا كشفها ولا التحدث بها ، لأن ذلك غيبة محرمة ، وهذا هو الذي وردت فيه النصوص .... ومثل هذا لو جاء تائباً نادماً ، وأقَرَّ بِحَدِّ لمْ يُفَسِّرْهُ ولم يُسْتَفْسَرْ ، بل يُؤْمَرُ بأنْ يرجعَ ويَستُرَ نفسَـهُ ، كما أمر النبي e ماعزاً والغامدية ، وكما لم يستفسر الذي قال له : أصبت حدَّاً فأقمه عليَّ .
ومثل هذا لو أُخذ بجريمته ، ولم يُبلغِ الإمامَ ، فإنه يُشفع له حتى لا يبلغ الإمامَ ؛ وفي مثله جاء الحديث عن النبي e : ( أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم ) خرَّجه أبو داود والنسائي من حديث عائشة رضي الله عنها .
والثاني : من كان مشتهراً بالمعاصي معلناً بها ، ولا يبالي بما ارتكب منها ، ولا بما قيل له ، هذا هو الفاجر المعلِن ، وليس له غيبة كما نص على ذلك الحسن البصري وغيره ، ومثل هذا لا بأس بالبحث عن أمره ، لتقام عليه الحدود ، .... ومثل هذا لا يُشْفَعُ له إِذا أُخِذَ ولو لم يبلغِ السلطانَ ، بل يُتركُ حتَّى يُقَامَ عليهِ الحَدُّ ، لِيَنْكَفَّ شَرُّهُ ، ويرتدعَ به أمثالُه “ ] . شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد بتصرف يسير.
[13] ـ سنن أبي داود ج4:ص133حديث رقم : 4375 ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود - (ج 9 / ص 375) : صحيح .
[14] ـ صحيح البخاري ج1:ص182حديث رقم:467 ،وصحيح مسلم ج4:ص1999 حديث رقم : 2585 .
[15] ـ صحيح مسلم ج4:ص2074 حديث رقم : 2699 .
[16] ـ العلق :1-5 .
[17] ـ سنن ابن ماجه ج1:ص81 حديث رقم : 224 ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه - (ج 1 / ص 296) : صحيح دون قوله : ( وواضع العلم .. إلخ ) فإنه ضعيف جداً .
[18] ـ سنن الترمذي ج5/ص48 حديث رقم : 2682 ، قال الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح وضعيف سنن الترمذي - (ج 6 / ص 182) : صحيح .
[19] ـ صحيح البخاري ج1:ص50 حديث رقم : 100 ، و صحيح مسلم ج4:ص2058 حديث رقم : 2673 بلفظ : ( إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فَضَلُّوا وأَضَلُّوا ) .
[20] ـ سنن الترمذي ج4:ص612 حديث رقم : 2417 ، و قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي - (ج 5 / ص 417) ، وكذا في صحيح الترغيب والترهيب - (ج 1 / ص 30) : صحيح.
[21] ـ التوبة : 122 .
[22] ـ سنن الترمذي ج5:ص34 حديث رقم : 2657 ، قال الترمذي : حسن صحيح ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي - (ج 6 / ص 157) : صحيح .
[23] ـ صحيح مسلم ج3:ص1255 حديث رقم : 1631 ، وسنن أبي داود ج3:ص117 حديث رقم : 2880 ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود - (ج 1 / ص 2) : صحيح ، وكذا سنن الترمذي ج3:ص660 حديث رقم : 1376 ، قال الترمذي : حسن صحيح ، وقال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي - (ج 3 / ص 376) : صحيح .
[24] ـ سنن الترمذي ج5:ص32حديث رقم:2654، قال الترمذي : حديث غريب ، وقال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي - (ج 6 / ص 154) : حسن .
[25] ـ المجادلة : 11 .
[26] ـ طه : 114 .
[27] ـ طه : 114 .
[28] ـ مدارج السالكين ج2/ص471 .
[29] ـ آل عمران : 18 .
[30] ـ تفسير القرطبي ج4/ص41 .
[31] ـ صحيح البخاري ج1:ص39 حديث رقم : 71 ، و صحيح مسلم ج2:ص718 حديث رقم : 1037 .
[32] ـ سنن ابن ماجه ج1:ص82 حديث رقم : 226 ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه - (ج 1 / ص 298) : صحيح .
[33] ـ سنن الدارمي ج1:ص113 حديث رقم : 357 ، قال الشيخ حسين أسد : إسناده صحيح ، وقال الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح وضعيف الجامع الصغير (ج 9 / ص 166) : صحيح .
[34] ـ مفتاح دار السعادة ج1/ص63 .
[35] ـ الذخيرة ج1/ص43 .
[36] ـ التبصرة ج2/ص202 .
[37] ـ سنن الترمذي ج5/ص48 حديث رقم : 2682 ، ومسند الشهاب ج2:ص103 حديث رقم : 975 ، قال الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح وضعيف سنن الترمذي - (ج 6 / ص 182) : صحيح .
[38] ـ المستدرك على الصحيحين ج1:ص171 حديث رقم : 317 ،والمعجم الكبير ج11:ص38 حديث رقم : 10969 بلفظ: ( فضل العلم أفضل من العبادة وملاك الدين الورع ) ،والمستدرك على الصحيحين ج1:ص170 حديث رقم:314 بلفظ:( فضل العلم أحب إليَّ من فضل العبادة وخير دينكم الورع ) ، قال الذهبي في التلخيص : على شرطهما ، قال الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب والترهيب - (ج 1 / ص 16) : صحيح لغيره .
[39] ـ الإقناع للشربيني ج1/ص11 ، و المستطرف في كل فن مستظرف ج1/ص50 .
[40] ـ مفتاح دار السعادة ج1/ص120 ، و إحياء علوم الدين ج1/ص11 .
[41] ـ شرح السنة ج1/ص279 .
[42] ـ شرح السنة ج1/ص280 .
[43] ـ نشر طي التعريف في فضل حملة العلم الشريف ج1/ص162 .
[44] ـ الدرة الغراء ج1/ص245 .
[45] ـ أدب المفتي والمستفتي ج1/ص74 ، الفقيه والمتفقه ج1/ص149 ، نشر طي التعريف في فضل حملة العلم الشريف ج1/ص37 ، بدائع السلك ج1/ص240 .
[46] ـ شرح السنة ج1/ص279 .
[47] ـ جامع بيان العلم وفضله ج1/ص25 .
[48] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد بتصرف يسير .
[49] ـ قواعد وفوائد من الأربعين النووية / 317 ، 318 بنحوه .
[50] ـ قواعد وفوائد من الأربعين النووية / 319 بنحوه .
[51] ـ الأحزاب : 41-42 .
[52] ـ النور : 36-38 .
[53] ـ صحيح مسلم ج1:ص553 حديث رقم : 804 .
[54] ـ مسند أحمد بن حنبل ج2:ص341 حديث رقم : 8475 ، قال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده ضعيف ، قال الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح وضعيف الجامع الصغير (ج 25 / ص 186) : ضعيف .
[55] ـ ص : 29 .
[56] ـ الرعد : 28 .
[57] ـ طه : 124 .
[58] ـ الزمر : 22 .
[59] ـ صحيح البخاري ج4:ص1914 حديث رقم : 4724 ، و صحيح مسلم ج1:ص547 حديث رقم : 795 بلفظ :( تنزلت للقرآن ) .
[60] ـ الأعراف : 56 .
[61] ـ صحيح البخاري ج5:ص2353 حديث رقم : 6045 .
[62] ـ البقرة : 152 .
[63] ـ جامع العلوم والحكم ص 651 .
[64] ـ فاطر : 29-30 .
[65] ـ النساء : 1 .
[66] ـ الحجرات : 13 .
[67] ـ الشعراء : 214 .
[68] ـ سنن النسائي (المجتبى) ج6:ص249 حديث رقم : 3646 ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي - (ج 8 / ص 218) : صحيح .
[69] ـ التوبة : 71 .
[70] ـ شرح النووي على الأربعين .
[71] ـ صحيح مسلم ج4:ص2074 حديث رقم : 2699 .
[72] ـ التحفة الربانية في شرح الأربعين حديثاً النووية للشيخ إسماعيل الأنصاري / 145 بنحوه.
[73] ـ سنن الترمذي ج4/ص633 حديث رقم : 2449 : قال أبو عيسى هذا حديث غريب وقد روي هذا عن عطية عن أبي سعيد موقوف وهو أصح عندنا وأشبه ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي - (ج 5 / ص 449) : ضعيف .
[74] ـ صحيح مسلم ج3:ص1548 حديث رقم : 1955 .
[75] ـ صحيح البخاري ج2:ص833 حديث رقم : 2234 ، و صحيح مسلم ج4/ص1761 حديث رقم : 2244 .
[76] ـ النور : 19 .
[77] ـ شرح النووي على الأربعين .
[78] ـ التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 110 .
[79] ـ نونية القحطاني ج1/ص19 .
[80] ـ شرح النووي على الأربعين بنحوه .
[81] ـ التحفة الربانية في شرح الأربعين حديثاً النووية للشيخ إسماعيل الأنصاري / 145 بنحوه.
[82] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[83] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[84] ـ المائدة : 2 .
[85] ـ المائدة : 2 .
[86] ـ البقرة : 195 .
[87] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[88] ـ التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 111 .
[89] ـ جامع العلوم والحكم ص 646 .
[90] ـ صحيح البخاري ج4:ص1919 حديث رقم : 4739 .
[91] ـ جامع العلوم والحكم ج1/ص344
[92] ـ صحيح البخاري ج4:ص1673 حديث رقم : 4306 .
[93] ـ جامع العلوم والحكم ج1/ص344 .
[94] ـ صحيح البخاري ج5:ص2353 حديث رقم : 6045 .
[95] ـ صحيح مسلم ج4/ص2075 حديث رقم : 2701 .
[96] ـ الوابل الصيب ج1/ص101 .
[97] ـ الوابل الصيب ج1/ص101.
[98] ـ الفتاوى الكبرى ج1/ص213 .
[99] ـ مفتاح دار السعادة ج1/ص187 .
[100] ـ الأذكار ج1/ص87 .
[101] ـ الزهد لابن حنبل ج1/ص259 .
[102] ـ التبيان في آداب حملة القرآن ج1/ص43 ، حلية الأولياء ج10/ص327 ، النور السافر ج1/ص93 ، صفة الصفوة ج4/ص101 ، طبقات الصوفية ويليه ذكر النسوة المتعبدات الصوفيات ج1/ص222 .
[103] ـ صحيح البخاري ج4:ص1928 حديث رقم : 4771 .
[104] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد بتصرف يسير .
[105] ـ آل عمران: 133-134 .
[106] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[107] ـ التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 112 .
[108] ـ فصلت : 46 .
[109] ـ الحجرات : 13 .
[110] ـ صحيح مسلم ج4/ص1987 حديث رقم : 2564 .
[111] ـ الشعراء : 214 .
[112] ـ صحيح البخاري ج3:ص1012 حديث رقم : 2602 ، و صحيح مسلم ج1:ص192 حديث رقم : 206 .
[113] ـ التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 112 .
[114] ـ سبقت ترجمته في الحديث التاسع عشر .
[115] ـ صحيح البخاري ج5/ص2380 حديث رقم : 6126 ، وصحيح مسلم ج1/ص118 حديث رقم : 131 بلفظ : عن ابن عَبَّاسٍ عن رسول اللَّهِ r فِيمَا يَرْوِي عن رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قال : " إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذلك فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فلم يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا الله عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً وَإِنْ هَمَّ بها فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا الله عز وجل عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إلى سبعمائة ضِعْفٍ إلى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فلم يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا الله عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً وَإِنْ هَمَّ بها فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا الله سَيِّئَةً وَاحِدَةً " .
[116] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[117] ـ الأنعام :160 .
[118] ـ البقرة : 261 .
[119] ـ صحيح مسلم ج3/ص1505 حديث رقم : 1892 .
[120] ـ جامع العلوم والحكم ج1/ص351 .
[121] ـ الأنعام : 160 .
[122] ـ صحيح مسلم ج1:ص117 حديث رقم : 129 .
[123] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[124] ـ صحيح البخاري ج6:ص2724 حديث رقم : 7062 .
[125] ـ فتح الباري ج11/ص326 .
[126] ـ صحيح البخاري ج1:ص20 حديث رقم : 31 .
[127] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[128] ـ التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 114 .
[129] ـ جامع العلوم والحكم ج1/ص348 .
[130] ـ سنن ابن ماجه ج1:ص659 حديث رقم : 2043 ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه - (ج 5 / ص 43) : صحيح .
[131] ـ صحيح البخاري ج1:ص128 حديث رقم : 328 .
[132] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[133] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[134] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[135] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[136] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[137] ـ سنن النسائي الكبرى ج4:ص396 حديث رقم : 7670 ، قال الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب والترهيب - (ج 1 / ص 5) : صحيح .
[138] ـ جامع العلوم والحكم ص 669 .
[139] ـ التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 116 .
[140] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[141] ـ تفسير ابن كثير ج4/ص225 .
[142] ـ ق : 18 .
[143] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[144] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[145] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[146] ـ سبقت ترجمته في الحديث التاسع .
[147] ـ صحيح البخاري ج5/ص2384 حديث رقم : 6137 .
[148] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[149] ـ وفي رواية : ( من أهان ) . [ المعجم الأوسط ج1:ص192 حديث رقم : 609 ] .
وفي رواية : ( من أذلَّ ) [ مسند أحمد بن حنبل ج6:ص256 حديث رقم : 26236 ، قال الشيخ شعيب الأرناؤوط : حديث صحيح لغيره ، وهذا إسناد ضعيف لضعف عبد الواحد مولى عروة ] .
وفي رواية : ( من أذى ) [ مسند أبي يعلى ج12:ص520 حديث رقم : 7087 ، قال الشيخ حسين أسد : إسناده ضعيف جداً ] .
[150] ـ يونس : 62-63 .
[151] ـ مسند أحمد بن حنبل ج6:ص256 حديث رقم : 26236 ، قال الشيخ شعيب الأرناؤوط : حديث صحيح لغيره ، وهذا إسناد ضعيف لضعف عبد الواحد مولى عروة .
[152] ـ سنن الترمذي ج3:ص617 حديث رقم : 1329 ، قال الترمذي : حسن غريب ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي - (ج 3 / ص 329) : ضعيف .
[153] ـ جامع العلوم والحكم ج1/ص361.
[154] ـ البقرة : 152 .
[155] ـ مسند أبي يعلى ج12:ص520 حديث رقم : 7087 ، قال الشيخ حسين أسد : إسناده ضعيف جداً .
[156] ـ جامع العلوم والحكم ص 683 .
[157] ـ شرح النووي على الأربعين .
[158] ـ ولاية الله والطريق إليها ج1/ص415 .
[159] ـ مدارج السالكين ج3/ص 17 ، 18 .
[160] ـ آل عمران : 31 .
[161] ـ آل عمران : 31 .
[162] ـ مدارج السالكين ج3/ص21 .
[163] ـ المائدة : 54 .
[164] ـ الفتح : 29 .
[165] ـ مدارج السالكين ج3/ص22 .
[166] ـ جامع العلوم والحكم ج1/ص364 .
[167] ـ جامع العلوم والحكم ج1/ص364 .
[168] ـ جامع العلوم والحكم ج1/ص364 .
[169] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد بتصرف يسير .
[170] ـ مسند أحمد بن حنبل ج3:ص18 حديث رقم : 11149 ، قال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده جيد ، قال الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب والترهيب - (ج 2 / ص 128) : حسن صحيح .
[171] ـ التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 119 .
[172] ـ التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 119 بنحوه.
[173] ـ التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 120 بنحوه.
[174] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[175] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين ، التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 119 بنحوه.
[176] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[177] ـ قواعد وفوائد من الأربعين النووية / 343 .
[178] ـ صحيح مسلم ج1/ص515 حديث رقم : 746 .
[179] ـ صحيح البخاري ج5:ص2373 حديث رقم: 6100 ، صحيح مسلم ج1/ص541 حديث رقم: 783.
[180] ـ سنن الترمذي ج5:ص462 حديث رقم : 3382 ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (ج 7 / ص 382) : حسن.
[181] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[182] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[183] ـ التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 120 بنحوه.
[184] ـ البقرة : 195 .
[185] ـ آل عمران : 76 .
[186] ـ سنن النسائي الكبرى ج5:ص108 حديث رقم : 8399 .
[187] ـ التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 120 بنحوه.
[188] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين ، التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 120 بنحوه.
[189] ـ صحيح البخاري ج1:ص262 حديث رقم : 722 .
[190] ـ صحيح مسلم ج3/ص1231 حديث رقم : 1610 .
[191] ـ قواعد وفوائد من الأربعين النووية / 343 .
[192] ـ سبقت ترجمته في الحديث الثامن عشر .
[193] ـ سنن ابن ماجه ج1:ص659 حديث رقم : 2043 ، قال الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه (ج 5 / ص 43) : صحيح .
[194] ـ سنن البيهقي الكبرى ج7:ص356 حديث رقم : 14871 ولفظه : " إن الله تجاوز لي عن أمتي ... " الحديث .
[195] ـ انظر : صحيح ابن حبان ج16:ص202 حديث رقم : 7219 ، و المستدرك على الصحيحين ج2:ص216 حديث رقم : 2801 ، والمعجم الصغير ( الروض الداني ) ج2:ص52 حديث رقم : 765 ، والمعجم الكبير ج11:ص133 حديث رقم : 11274 ، ومسند الشاميين ج2:ص152 حديث رقم : 1090 ، ومصنف ابن أبي شيبة ج4:ص172 حديث رقم : 19051 .
ملحوظة : نص الحديث في متن الأربعين : ((عَن ابْنِ عَبَّاسِ رَضِيَ الله عَنْهُما: أن رَسُوَل اللهِ r قَالَ : "إنَّ الله تَجاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتي : الْخَطَأَ ، والنِّسْياَنَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ )) حديث حسن ، رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما )) ، ولم أجده عند ابن ماجه من رواية ابن عباس بهذا اللفظ ولا عند البيهقي ، وإنما الموجود عند ابن ماجه عن ابن عباس بلفظ : (( إن الله وضع عن أمتي.. )) [ سنن ابن ماجه ج1:ص659 حديث رقم : 2045 ] وكذا عند البيهقي [ سنن البيهقي الكبرى ج10:ص60 حديث رقم : 19798 ولفظه : " تجاوز الله عن أمتي ... " الحديث] وقد صححه الألباني ، ولفظ : (( إن الله تجاوز عن أمتي .. )) هو حديث أبي ذر t ، وقد أثبته في الأعلى ، ولم أجد رواية ابن عباس إلا عند الطبراني في الكبير [ المعجم الكبير ج11:ص133 حديث رقم : 11274 ] والحاكم في المستدرك [ المستدرك على الصحيحين ج2:ص216 حديث رقم : 2801 ] بألفاظ متقاربة .
[196] ـ انظر : صحيح وضعيف سنن ابن ماجه - (ج 5 / ص 43) .
[197] ـ انظر : إرواء الغليل - (ج 4 / ص 213) حديث رقم : 1027 .
[198] ـ انظر : مختصر إرواء الغليل - (ج 1 / ص 511) حديث رقم : 2566 .
[199] ـ سنن ابن ماجه ج1:ص659 حديث رقم : 2045 ، قال الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه - (ج 5 / ص 45) : صحيح .
[200] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[201] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[202] ـ البقرة:286 .
[203] ـ الأحزاب : 5 .
[204] ـ البقرة : 285 .
[205] ـ شرح النووي على الأربعين .
[206] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[207] ـ قواعد وفوائد من الأربعين النووية / 349 .
[208] ـ التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 122.
[209] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[210] ـ البقرة : 286 .
[211] ـ صحيح مسلم ج1/ص116 حديث رقم : 126 .
[212] ـ البقرة : 286 .
[213] ـ الأحزاب : 5 .
[214] ـ النحل : 106 .
[215] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[216] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[217] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[218] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[219] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[220] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[221] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[222] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[223] ـ سبقت ترجمته في الحديث الثالث .
[224] ـ صحيح البخاري ج5 : ص2358 حديث رقم : 6053 .
[225] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[226] ـ ويُروى بالإفراد والتثنية . ( التحفة الربانية في شرح الأربعين حديثاً النووية للشيخ إسماعيل الأنصاري / 156 ) .
[227] ـ آل عمران : 185 .
[228] ـ لقمان : 34 .
[229] ـ مسند أحمد بن حنبل ج1:ص441 حديث رقم : 4208 ، قال الشيخ شعيب الأرناؤوط : صحيح , وهذا إسناد حسن .
[230] ـ التوبة : 38 .
[231] ـ غافر : 39 .
[232] ـ الزخرف : 67 .
[233] ـ الفرقان: 27- 29 .
[234] ـ البقرة : 197 .
[235] ـ رياض الصالحين ج1/ص107 .
[236] ـ جامع العلوم والحكم ج1/ص380 .
[237] ـ جامع العلوم والحكم ج1/ص380 .
[238] ـ قصر الأمل ج1/ص 169 ، 170 .
[239] ـ حلية الأولياء ج5/ص 261 ، 262 .
[240] ـ صحيح البخاري ج5/ص2358 في باب في الأمل وطوله .
[241] ـ العاقبة في ذكر الموت ج1/ص46 .
[242] ـ العاقبة في ذكر الموت ج1/ص81 .
[243] ـ ديوان الإمام الشافعي ج1/ص109 .
[244] ـ الشعراء : 205 ـ 206 ـ 207 .
[245] ـ يونس : 45 .
[246] ـ النازعات : 46 .
[247] ـ المؤمنون : 113 ـ 114 .
[248] ـ الأحقاف : 35 .
[249] ـ طه : 103 ، 104 .
[250] ـ مدارج السالكين ج1/ص450 .
[251] ـ مدارج السالكين ج1/ص451 .
[252] ـ شعب الإيمان ج7/ص369 .
[253] ـ قصر الأمل ج1/ص60 في الفقرة رقم : 64 .
[254] ـ قصر الأمل ج1/ص60 في الفقرة رقم : 65 .
[255] ـ المؤمنون : 99 ـ 100 .
[256] ـ المنافقون : 10 ـ 11 .
[257] ـ صحيح مسلم ج3:ص1255 حديث رقم : 1631 .
[258] ـ حلية الأولياء ج2/ص149 .
[259] ـ العاقبة في ذكر الموت ج1/ص41 .
[260] ـ العاقبة في ذكر الموت ج1/ص41 .
[261] ـ حلية الأولياء ج3/ص129 ، شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور ج1/ص29 .
[262] ـ إحياء علوم الدين ج4/ص452 .
[263] ـ صحيح البخاري ج5:ص2357 حديث رقم : 6049 .
[264] ـ المستدرك على الصحيحين ج4:ص341 حديث رقم : 7846 ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، قال الذهبي في التلخيص : على شرط البخاري ومسلم .
[265] ـ جامع العلوم والحكم ص 719 .
[266] ـ مصنف ابن أبي شيبة ج7/ص234 حديث رقم : 35619 .
[267] ـ العاقبة في ذكر الموت ج1/ص88 .
[268] ـ جامع العلوم والحكم ج1/ص386 .
[269] ـ الإصابة في تمييز الصحابة ج4/ص187 .
[270] ـ المدهش ج1/ص370 .
[271] ـ حلية الأولياء ج8/ص304 .
[272] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد بتصرف يسير .
[273] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[274] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[275] ـ الزمر : 56 ـ 57 ـ 58 .
[276] ـ المؤمنون : 99 ـ 100 .
[277] ـ جامع العلوم والحكم ج1/ص386 .
[278] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[279] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين ، التحفة الربانية في شرح الأربعين حديثاً النووية للشيخ إسماعيل الأنصاري / 159 بنحوه .
[280] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[281] ـ التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 124.
[282] ـ التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 124.
[283] ـ صفة الصفوة ج1/ص578 .
[284] ـ سير أعلام النبلاء ج3/ص211 .
[285] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد بتصرف يسير .
[286] ـ مسند أحمد بن حنبل ج1:ص161 حديث رقم : 1381 ، قال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده ضعيف لانقطاعه .
[287] ـ راجع : الإصابة في تمييز الصحابة ج4:ص192 ، و تهذيب التهذيب ج5:ص294 ، و تقريب التهذيب ج1:ص315
[288] ـ جامع العلوم والحكم ص 724 .
[289] ـ انظر : مشكاة المصابيح - (ج 1 / ص 36) حديث رقم : 167 .
[290] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[291] ـ وسمي الهوى هوى لأنه يهوي بصاحبه . ( شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد ) .
[292] ـ صحيح البخاري ج4/ص1797 حديث رقم : 4510 ، والدر المنثور ج6/ص634 .
[293] ـ ص : 26 .
[294] ـ ص : 26 .
[295] ـ القصص: 50 .
[296] ـ الروم : 29 .
[297] ـ مسند الشهاب ج1:ص214 .
[298] ـ لسان العرب ج4:ص203 : و الحظار حائطها وصاحبها محتضر إذا اتخذها لنفسه فإذا لم تخصه بها فهو محظر وكل ما حال بينك وبين شيء فهو حظار و حظار وكل شيء حجر بين شيئين فهو حظار وحجار و الحظار الحظيرة تعمل للإبل من شجر لتقيها البرد والريح
[299] ـ صحيح مسلم ج4:ص2174 حديث رقم : 2822 .
[300] ـ الفرقان : 43 .
[301] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد بتصرف يسير .
[302] ـ مختار الصحاح ج1:ص247 : و اللجلجة و التلجلج التردد في الكلام يُقال : الحق أبلج والباطل لجلج ، أي يتردد من غير أن ينفذ .
[303] ـ القصص : 50 .
[304] ـ الفرقان : 43 .
[305] ـ تفسير القرطبي ج13/ص35 .
[306] ـ رواه الخرائطي عن أبي أمامة مرفوعاً وهو موضوع [ انظر : الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ج1/ص239 ] .
[307] ـ الشمس :9-10 .
[308] ـ سنن الترمذي ج4:ص165 حديث رقم : 1621 ، قال الترمذي : حسن صحيح ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي - (ج 4 / ص 121) حديث رقم : 1621 : صحيح .
[309] ـ النازعات : 40 – 41 .
[310] ـ حلية الأولياء ج9/ص326 .
[311] ـ صحيح البخاري ج5:ص2267حديث رقم:5763،و صحيح مسلم ج4:ص2014 حديث رقم:2609.
[312] ـ روضة المحبين ج1/ص478 .
[313] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد بتصرف يسير .
[314] ـ صحيح البخاري ج1:ص14 حديث رقم : 15 ، و صحيح مسلم ج1:ص67 حديث رقم: 44 بنحوه.
[315] ـ آل عمران : 31 .
[316] ـ صحيح البخاري ج1:ص14 حديث رقم : 16 ، و صحيح مسلم ج1:ص66 حديث رقم : 43 .
[317] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[318] ـ التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 124.
[319] ـ التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 125.
[320] ـ الأنفال : 2 .
[321] ـ المدثر : 31 .
[322] ـ الفتح : 4 .
[323] ـ حاشية ابن القيم على سنن أبي داود ج12/ص292 .
[324] ـ فتح الباري ج1/ص48 .
[325] ـ صحيح البخاري ج1/ص11 في كتاب الإيمان .
[326] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد بتصرف يسير .
[327] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[328] ـ التحفة الربانية في شرح الأربعين حديثاً النووية للشيخ إسماعيل الأنصاري / 161 .
[329] ـ النساء : 65 .
[330] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[331] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[332] ـ سبقت ترجمته في الحديث الثالث عشر .
[333] ـ نص الحديث في الأربعين : (( عن أنسٍ t قال : سمِعْتُ رسولَ اللهِ r يقول : " قال اللهُ تعالى: يا ابنَ آدَمَ، إنَّكَ ما دَعَوْتَني ورجَوْتَني غَفَرْتُ لَكَ على ما كانَ مِنْكَ ولا أُبالي . يا ابنَ آدَمَ، لَوْ بلغت ذنوبُك عَنَان السماء، ثم استغفرتني غَفَرْتُ لكَ. يا ابن آدَمَ، إنَّك لَو أَتَيْتَني بقُرَاب اْلأَرْضِ خَطَايا، ثُمَّ لَقِيَتني لا تُشْرِكُ بي شَيْئاً، لأتَيْتُكَ بقُرَابِها مَغْفِرَةً " . رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح )) ، والنص الوارد عند الترمذي أثبته في الأعلى .
[334] ـ انظر : صحيح وضعيف سنن الترمذي - (ج 8 / ص 40) حديث رقم : 3540 .
[335] ـ قواعد وفوائد من الأربعين النووية / 357 .
[336] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[337] ـ غافر : 60 .
[338] ـ سنن أبي داود ج2:ص76 حديث رقم : 1479 ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود - (ج 1 / ص 2) : صحيح .
[339] ـ المعجم الصغير ( الروض الداني ) ج2:ص198 حديث رقم : 1022 .
[340] ـ لسان الميزان ج2/ص248 ، وقال فيه ابن حجر : ليس له أصل .
[341] ـ سنن الترمذي ج5:ص517 حديث رقم : 3479 ، قال الترمذي : حديث غريب ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي - (ج 7 / ص 479) حديث رقم : 3479 : حسن .
[342] ـ صحيح مسلم ج4:ص2063 حديث رقم : 2679 .
[343] ـ صحيح البخاري ج5:ص2335 حديث رقم : 5981 واللفظ له ، و صحيح مسلم ج4:ص2095 حديث رقم : 2735 بنحوه .
[344] ـ صحيح مسلم ج2/ص703 حديث رقم : 1015 .
[345] ـ المعجم الأوسط ج6/ص310 ، 311 حديث رقم : 6495 .
[346] ـ سنن الترمذي ج5:ص462 حديث رقم : 3381 ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي - (ج 7 / ص 381) حديث رقم : 3381 : حسن .
[347] ـ مسند أحمد بن حنبل ج3:ص18 حديث رقم : 11149 ، قال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده جيد .
[348] ـ المعجم الأوسط ج4:ص337 حديث رقم : 4368 .
[349] ـ المستدرك على الصحيحين ج1/ص728 حديث رقم : 1994 .
[350] ـ صحيح البخاري ج6:ص2725 حديث رقم 7068 .
[351] ـ مسند أحمد بن حنبل ج2:ص165 حديث رقم : 6541 ،قال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده حسن.
[352] ـ صحيح البخاري ج5:ص2324 حديث رقم : 5948 .
[353] ـ صحيح البخاري ج5:ص2323 حديث رقم : 5947 .
[354] ـ مسند أحمد بن حنبل ج4:ص123 حديث رقم : 17155 ، قال الشيخ شعيب الأرناؤوط : حديث حسن بطرقه ، وهذا إسناد ضعيف لانقطاعه ، حسان بن عطية لم يدرك شداد بن أوس . ورجال الإسناد ثقات رجال الشيخين .
[355] ـ مسند أحمد بن حنبل ج1:ص248 حديث رقم:2234،قال الشيخ شعيب الأرناؤوط :إسناده ضعيف .
[356] ـ صحيح مسلم ج4:ص2205 حديث رقم : 2877 .
[357] ـ تاريخ مدينة دمشق ج51/ص431 .
[358] ـ النساء : 116 .
[359] ـ صحيح البخاري ج6:ص2685 حديث رقم : 6938 .
[360] ـ المعجم الكبير ج8:ص115 حديث رقم : 7533 .
[361] ـ مسند أحمد بن حنبل ج3:ص207 حديث رقم : 13174 ، قال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين .
[362] ـ غافر : 60 .
[363] ـ سنن أبي داود ج2:ص76 حديث رقم : 1479 ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود - (ج 3 / ص 479) حديث رقم : 1479 : صحيح .
[364] ـ سنن الترمذي ج5:ص456 حديث رقم : 3373 ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي - (ج 7 / ص 373) حديث رقم : 3373 : حسن .
[365] ـ سنن الترمذي ج5 :ص517 حديث رقم :3479 ، قال الترمذي : حديث غريب ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي - (ج 7 / ص 479) حديث رقم : 3479 : حسن .
[366] ـ صحيح البخاري ج5:ص2335 حديث رقم : 5981 واللفظ له ، و صحيح مسلم ج4:ص2095 حديث رقم : 2735 بنحوه .
[367] ـ صحيح مسلم ج4:ص2063 حديث رقم : 2679 .
[368] ـ مسند أحمد بن حنبل ج3:ص18 حديث رقم : 11149 ، قال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده جيد .
[369] ـ النساء : 106 .
[370] ـ غافر : 55 .
[371] ـ الحجر : 49 .
[372] ـ الزمر : 5 .
[373] ـ النجم : 32 .
[374] ـ نوح : 28 .
[375] ـ الشعراء : 82 .
[376] ـ القصص : 16 .
[377] ـ آل عمران : 17 .
[378] ـ صحيح البخاري ج5:ص2324 حديث رقم : 5948 .
[379] ـ سنن ابن ماجه ج2:ص1254 حديث رقم : 3818 ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه - (ج 8 / ص 318) حديث رقم : 3818 : صحيح .
[380] ـ النساء : 110 .
[381] ـ صحيح البخاري ج1:ص384 حديث رقم:1094، و صحيح مسلم ج1/ص521 حديث رقم : 758 .
[382] ـ صحيح مسلم ج4/ص1994 حديث رقم : 2577 .
[383] ـ نوح : 10 ـ 11 ـ 12 .
[384] ـ هود : 52 .
[385] ـ الأنفال : 33 .
[386] ـ سنن ابن ماجه ج2:ص1418 حديث رقم : 4244 ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه - (ج 9 / ص 244) حديث رقم : 4244 : حسن .
[387] ـ جامع العلوم والحكم ج1/ص397 .
[388] ـ جامع العلوم والحكم ج1/ص397 .
[389] ـ صحيح البخاري ج5:ص2323 حديث رقم : 5947 .
[390] ـ صحيح البخاري ج5:ص2350 حديث رقم : 6035 .
[391] ـ سنن أبي داود ج2:ص85 حديث رقم : 1516 ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود - (ج 4 / ص 16) حديث رقم : 1516 : صحيح .
[392] ـ النساء : 48 .
[393] ـ العنكبوت : 65 .
[394] ـ صحيح البخاري ج1:ص60 حديث رقم : 129 ، و صحيح مسلم ج1/ص94 حديث رقم : 93 .
[395] ـ الأنعام : 82 .
[396] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[397] ـ التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 126.
[398] ـ التحفة الربانية في شرح الأربعين حديثاً النووية للشيخ إسماعيل الأنصاري / 163 ، التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 126 بنحوه .
[399] ـ التحفة الربانية في شرح الأربعين حديثاً النووية للشيخ إسماعيل الأنصاري / 164 .
[400] ـ التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 126 بنحوه .
[401] ـ التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 127.
[402] ـ الكهف : 110 .
[403] ـ الانشقاق : 6 .
[404] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
جَوَامع الخَيْرِ
أهمية الحديث ، مفردات الحدث ، المعنى العام:(1-واجبات المسلم نحو أخيه المسلم 2- كرب يوم القيامة والخلاص منها 3 ـ التيسير على المعسر 4-ستر المسلم 5-الشفاعة لمن وقعت منه معصية 6-التعاون بين المسلمين وعون الله تعالى لهم 7-طريق الجنة 8- حكم طلب العلم : أ- "فرض عين ، ب- فرض كفاية" 9-التحذير من ترك العمل بالعلم 10-نشر العلم 11-الإخلاص في طلب العلم وترك المباهاة به 12 ـ الواجب على طالب العلم تجاه كتاب الله 13 ـ ما يجب على طالب العلم تجاه السنة 14-ذكر الله تعالى 15-عمارة المسجد 16-إنسانية الإسلام وعدالته 17-ولاية الإيمان والعمل لا ولاية الدم والنسب ، ) ما يستفاد من الحديث
عن أبي هُرَيْرَة t[1]،عن النَّبِيِّ r قال: (( مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً من كُرَبِ يوْمِ القيامَةِ، ومَنْ يَسَّرَ على مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عليه في الدنْيا والآخِرَةِ، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة ، واللهُ في عَوْنِ الْعَبْدِ ما كانَ الْعَبْدُ في عَونِ أخيهِ. ومَنْ سلك طَريقاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْماً سَهَّلَ اللهُ له بِهِ طَرِيقاً إلى الجنَّةِ. وَمَا اجتَمَعَ قَوْمٌ في بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ ويَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إلا نَزَلَتْ عليهمُ السَّكِينَةُ ، وغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وحَفَّتهُمُ المَلائِكَةُ، وذَكَرَهُمُ اللهُ فيمَنْ عِنْدَه. وَمَنْ بَطَّأ بِه عَمَلُهُ لمْ يُسْرِعْ به نَسَبُهُ)). رَواه مسلم بهذا اللَّفظ[2]
أهمية الحديث : هذا الحديث موقعه عظيم ، لما فيه من البشارة والنذارة التي تدفع المؤمن للعمل في سبيل خدمة الناس ومجالسة أهل العلم والقرآن وذمِّ من يعتمدون على الأنساب ويُهملون الأعمال[3] .
مفردات الحديث: نفَّسَ : خفَّف و فرَّج . و الكربة[4]: الشدة العظيمة التي تُوقع من نزلت فيه بغم شديد. يسر على معسر : المعسر: من أثقلته الديون وعجز عن وفائها، والتيسير عليه مساعدته على إبراء ذمته من تلك الديون.
ستر مسلماً : بأن رآه على فعل قبيح شرعاً فلم يظهر أمره للناس.
ستره الله : حفظه من الزلات في الدنيا.
سلك : مشى، أو أخذ بالأسباب. طريقاً : مادية كالمشي إلى مجالس العلم وقطع المسافات بينه وبينها. أو معنوية كالكتابة والحفظ والفهم والمطالعة والمذاكرة وما إلى ذلك، مما يتوصل به إلى تحصيل العلم. يلتمس : يطلب. فيه : في غايته. علماً : نافعاً. له : لطالب العلم. به : بسبب سلوكه الطريق المذكور. طريقاً إلى الجنة : أي يكشف له طرق الهداية ويهيئ له أسباب الطاعة في الدنيا، فيسهل عليه دخول الجنة في الآخرة.
بيوت الله : المساجد. يتدارسونه بينهم : يقرأ كل منهم جزءاً منه، بتدبر وخشوع،ويحاولون فهم معانيه وإدراك مراميه.
السكينة : ما يطمئن به القلب وتسكن له النفس.
غشيتهم : غطتهم وعمتهم . الرحمة : الإحسان من الله تبارك وتعالى والفضل والرضوان.
حفتهم : أحاطت بهم من كل جهة. الملائكة : الملتمسون للذكر، والذين ينزلون البركة والرحمة إلى الأرض.
ذكرهم الله فيمن عنده : باهى بهم ملائكة السماء وأثنى عليهم. بطأ به عمله : كان عمله الصالح ناقصاً وقليلاً فقصر عن رتبة الكمال.
لم يسرع به نسبه : لا يعلي من شأنه شرف النسب.
المعنى العام:
1- المسلمون جسد واحد :
إن أفراد مجتمع الإيمان والإسلام أعضاء من جسد واحد، يتحسس كل منهم مشاعر الآخرين وتنبعث فيه أحاسيسهم، فيشاركهم أفراحهم وأحزانهم.
2- الحياة ملأى بالمتاعب والأكدار :
وكثيراً ما يتعرض المسلم لما يوقعه في غم وهم وضيق وضنك، مما يتوجب على المسلمين أن يخلصوه منه، ومن ذلك :
أ ـ نصرته وتخليصه من الظلم : كما قال r : " انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ، فقال رجل : يا رسول الله ، أنصره إذا كان مظلوماً ، أفرأيت إذا كان ظالماً ، كيف أنصره ؟ قال : تحجزه ، أو تمنعه ، من الظلم فإن ذلك نصره " رواه البخاري .[5]
ولا سيما إذا كان الظلم الذي يوقع عليه بسبب دينه وتمسكه بإسلامه، من قبل قوم كافرين أو فاسقين مارقين . قال تعالى : {وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ}[6].
ب ـ إقراضه المال إن احتاج إلى المال: قد يقع المسلم في ضائقة مالية، فيحتاج إلى النفقة في حوائجه الأصلية من طعام وشراب ومسكن وعلاج ونحو ذلك، فينبغي على المسلمين أن يسارعوا لمعونته، وعلى الأقل أن يقرضوه المال قرضاً حسناً، بدل أن يتخذوا عوزه وسيلة لتثمير أموالهم، وزيادتها، كما هو الحال في مجتمعات الربا والاستغلال، قال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا}[7].
وقال r : " من أقرض شيئاً مرتين كان له مثل أجر أحدهما لو تصدّق به " رواه البيهقي[8] ، بل قد يفوق أجرُ القرض أجرَ الصدقة ، حسب حال المقترِضِ والمُتَصَدَّقِ عليه .
3- كُرَبُ يوم القيامة والخلاص منها :
قال r : " أنا سيد الناس يوم القيامة ، وهل تدرون لِمَ ذلك ؟ يجمع الله عز وجل الأولين والآخرين في صعيد واحد يُسمِعُهُمُ الدَّاعِي ويُنْفِذُهُمُ البصرُ وتدنو الشمسُ فيبلغُ الناسُ من الغَمِّ والكربِ ما لا يطيقون ولا يحتملون فيقول بعض الناس لبعض : ألا ترون إلى ما أنتم فيه ؟ ألا ترون إلى ما قد بلغكم ؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم عز وجل ؟ " رواه أحمد .[9]
وفي خضم هذه الأهوال يتدارك المؤمن عدلَ الله عز وجل ، فيكافئه على صنيعه في الدنيا ، إذ كان يسعى في تفريج كربات المؤمن ، فيُفْرِجُ عنه أضعافَ أضعافِ ما أزالَ عنهم من غَمٍّ وكَرْبٍ : " من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كُرْبَةً من كُرَبِ يوم القيامة ".[10]
4- التيسير على المعسر :
الذي أثقلته الديون وعجز عن وفائها ويكون التيسير عليه بأمرين:
إما بمساعدته لوفاء دينه ، أو بالحطِّ عنه من دينه.
5- ستر المسلم :
إن تتبع عورات المسلمين علامة من علامات النفاق، ودليل على أن الإيمان لم يستقر في قلب ذلك الإنسان الذي همه أن يُنَقِّب عن مساوىء الناس ليعلنها بين الملأ .
روى الترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : صعد رسول الله r المنبر ، فنادى بصوت رفيع فقال : " يا معشر من قد أسلم بلسانه ولم يُفْضِ الإيمان إلى قلبه ، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم ، فإِنَّه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله "[11] ، أي منزله الذي ينزل فيه .
6- الستر على من وقع في معصية :
إذا اطلع المسلم على زلة المسلم ، فهل يسترها عليه أم يعلنها ؟ فإن هذا يختلف باختلاف أعمال الناس ، والناس في هذا على حالتين :
1- من كان مستور الحال : أي لا يعرف بين الناس بشيء من المعاصي، فمثل هذا إذا وقعت منه هفوة أو زلة وجب الستر عليه، ولا يجوز كشف حاله ولا التحدث بما وقع منه، لأن ذلك غيبة محرمة، وإشاعة للفاحشة.
2- من كان مشتهراً بالمعصية ، مستعلناً بها بين الناس : من لا يبالي بما يرتكب، ولا يكترث لما يقال عنه، فهذا فاجر مستعلن بفسقه ، فلا غيبة له، بل يندب كشف حالة للناس، وربما يجب، حتى يتوقوه ويحذروا شره، وإن اشتد فسقه، ولم يرتدع من الناس، وجب رفع الحالة إلى ولي الأمر حتى يؤدبه بما يترتب على فسقه من عقوبة شرعية، لأن الستر عليه يجعله وأمثاله يطمعون في مزيد من المخالفة، فيعيثون في الأرض فساداً، ويجرون على الأمة الشر المستطير. [12]
7- الشفاعة لمن وقعت منه معصية :
إذا وقعت من المسلم زلة، وكان مستور الحال، معروفاً بين الناس بالاستقامة والصلاح، ندب للناس أن يستروه ولا يعزروه على ما صدر منه، وأن يشفعوا له ويتوسطوا له لدى من تتعلق زلته به إن كانت تتعلق بأحد ، فقد قال r : " أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم ؛ إلا الحدود " رواه أبو داود[13]. أي تغاضوا عن زلات من عرفوا بالاستقامة والرشد .
8- التعاون بين المسلمين وعون الله عز وجل لهم :
إن المجتمع لن يكون سوياً قويماً، ولن يكون قوياً متماسكاً إلا إذا قام على أساس من التعاون والتضامن والتكافل فيما بين أفراده، فسعى كل منهم في حاجة غيره، بنفسه وماله وجاهه، حتى يشعر الجميع أنهم كالجسد الواحد، وقال r : " إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً " متفق عليه .[14]
ولا شك أن أعظم ثمرة يجنيها المسلم من إعانته لأخيه هي ذاك العون والمدد من الله تبارك وتعالى : "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ... " رواه مسلم[15] ، وكيف لا ، ولا حول للإنسان ولا قوة إلا بالله عز وجل؟ وهو سبحانه المحرك الحقيقي لهذا الكون، وهو المعطي والمانع، ومنه الصحة والمرض، ومنه القوة والضعف ، والغنى والفقر .
9- طريق الجنة :
إن الإسلام شرط النجاة عند الله عز وجل ، والإسلام لا يقوم ولا يكون إلا بالعلم ، فلا طريق إلى معرفة الله تعالى والوصول إليه إلا بالعلم ، فهو الذي يدل على الله سبحانه من أقرب طريق ، فمن سلك طريقه ولم يعوج عنه بلغ الغاية المنشودة ، فلا عجب إذن أن يجعل رسول الله r طلب العلم طريق الجنة ، ويبين أن كل طريق يسلكه المسلم يطلب فيه العلم يشق به طريقاً سالكة توصله إلى الجنة : " من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة " وليس أدل على ما نقول من أن الله تعالى جعل فاتحة الوحي إلى رسوله r أمراً بالعلم وبوسائل العلم ، وتنبيهاً إلى نعمة العلم وشرفه وأهميته في التعرف على عظمة الخالق جل وعلا وإدراك أسرار الخلق ، وإشارة إلى حقائق علمية ثابتة ، فقال سبحانه : {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإنسان مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}[16].
10- حكم طلب العلم في الإسلام :
أ- فرض عين : يتوجب على كل مسلم طلبه، وهو ما لابد لكل مسلم من معرفته: لتسلم عقيدته، وتصح عبادته وتستقيم معاملته على وفق شرع الله عز وجل ، وهو المراد بقوله r : " طلبُ العلم فريضةٌ على كلِّ مسلم ... " رواه ابن ماجه[17] ، أي: ذكراً كان أو أنثى .
ب- فرض كفاية : يتوجب على المسلمين بمجموعهم تحصيله، فإذا قام به بعضهم سقط الطلب عن الباقين، وإن لم يقم به أحد أثم الجميع، وهو التوسع في علوم الشريعة درساً وحفظاً وبحثاً، والتخصص في كل علم تحتاج إليه الجماعة المسلمة من علوم كونية، لتحفظ كيانها، وتقيم دعائم دولة الحق والعدل على الأرض قوية متينة، مهيبة الجانب.
وإنما يرث العلم النبوي العلماء العاملون المخلصون : " إن العلماء ورثة الأنبياء ، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ، إنما وَرَّثُوا العلم فمن أخذ به اخذ بحظٍّ وافر " رواه الترمذي [18]. فهم علائم الحق ومنارات الهدى التي تهتدي بها الأمة في مسالك حياتها، وتقتدي بهم وتسير وراءهم في شدائدها وأزماتها .
فما دام العلم باقياً في الأمة فالناس في هدى وخير، وحضارة ورقي ، واستقامة وعدل ، وإنما يبقى العلم ببقاء حَمَلَته العلماء ، فإذا ذهب العلماء وفُقِدوا من بين ظهرانَي الناس اختلت الأمور ، وانحرفت الأمة عن الجادة القويمة ، وسلكت مسالك الضلال ، وانحدرت في مهاوي الرذيلة والفساد ، وألقت بنفسها إلى الضياع والدمار ، وصدق رسول الله r إذ يقول: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يُبْقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً ، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا " متفق عليه واللفظ للبخاري.[19]
11- التحذير من ترك العمل بالعلم :
علمنا أن العلماء هم منار الهدى في الأمة، فإذا فقدوا ضلت الأمة طريقها السوي، والأشد سوءاً من فقد العلماء أن ينحرف هؤلاء عن الطريق التي أمرهم الله تعالى ورسوله r بسلوكها، فلا يعلموا بعلمهم الذي ورثوه عن الجناب النبوي، فيخالف فعلهم قولهم، ويكونوا قدوة سيئة للأمة في معصية الله عز وجل وترك طاعته .
قال r : " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيم أفناه ، وعن علمه فيم عمل به ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه " رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.[20]
12- نشر العلم :
لقد حث الإسلام على تعلم العلم وتعليمه، قال تعالى: { فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ}[21].
وقال r :" نَضَّرَ الله امرءاً سمع مِنَّا شيئاً فَبَلَّغَهُ كما سمع،فَرُبَّ مَبَلَّغٍ أوعى من سامع"رواه الترمذي.[22]وخير عمل يقوم به المسلم وينمو له أجره وثوابه عند ربه حتى بعد موته : أن يُعَلِّمَ الناسَ العلمَ الذي أكرمه الله تعالى به ومَنَّ عليه بتحصيله ، قال r : " إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة : إلا من صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له " رواه مسلم وغيره بنحوه .[23]
13- الإخلاص في طلب العلم وترك المباهاة والمباراة به :
على طالب العلم والعالم أن يخلص في طلبه وعلمه لله تعالى، ولا يقصد من ذلك إلا حفظ دينه وتعليمه للناس ونفعهم به، فلا يكون غرضه من تعلم العلم وتعليمه نيل منصب أو مال أو سمعة أو جاه، أو ليُقال عنه إنه عالم، أو ليتعالى بعلمه على خلق الله عز وجل، ويجادل به أقرانه ويباريهم، فكل ذلك مذموم يحبط عمله، ويوقعه في سخط الله تبارك وتعالى.
وروى الترمذي وغيره : " من طلب العلم ليجاري به العلماء، أو ليماري به السفهاء ، ويصرف به وجوه الناس إليه، أدخله الله النار" .[24]
14- " لا أدري" نصف العلم : من علائم الإخلاص في طلب العلم وتعليمه أن لا يأنف طالب العلم من أن يقول: لا أدري، فيما لا علم له به، وكثيراً ما كان العلماء يسأل أحدهم عن عديد من المسائل، فيجيب عن بعضها بما يعلم، ويجيب عن أكثرها بلا أدري، حتى قيل: لا أدري نصف العلم، لأنها علامة على أن قائلها متثبت مما يقول.
[ وللعلم فضائل كثيرة :
أولاً : أنه من أسباب دخول الجنة ، لحديث الباب .
ثانياً : من أسباب الرفعة ، قال تعالى : } يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات {[25] .
ثالثاً : أن الله لم يأمر نبيه بالاستزادة إلا من العلم ، قال تعالى : } وقل رب زدني علماً {[26] .
قال ابن القيم رحمه الله : ” ويكفي في شرفه أن فضل أهله على العباد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وأن الملائكة لتضع لهم أجنحتها وتظلهم بها وأن العالم يستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في البحر وحتى النمل في جحرها وأن الله وملائكته يصلون على معلمي الناس الخير ولقد رحل كليم الرحمن موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام في طلب العلم هو وفتاه حتى مسهما النصب في سفرهما في طلب العلم حتى ظفر بثلاث مسائل وهو من أكرم الخلق على الله وأعلمهم به ، وأمر الله رسوله أن يسأله المزيد منه فقال : {وقل رب زدني علماً }[27] ؛ وحَرَّمَ الله صيد الجوارح الجاهلة وإنما أباح للأمة صيد الجوارح العالمة فهكذا جوارح الإنسان الجاهل لا يجدي عليه صيدها من الأعمال شيئاً والله سبحانه وتعالى أعلم “ .[28]
رابعاً : أن الله استشهدهم وقرن شهادتهم بشهادته وشهادة الملائكة ، قال تعالى : } شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط {[29] .
قال القرطبي : ” في هذه الآية دليل على فضل العلم وشرف العلماء وفضلهم ، فإنه لو كان أحد أشرف من العلماء لقرنهم الله باسمه واسم ملائكته كما قرن اسم العلماء “ .[30]
خامساً : أن العلم دليل على الخير ، قال e : ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ) متفق عليه.[31]
قال الحافظ ابن حجر : ” يفقهه : أي يفهمه ، ومفهوم الحديث أن من لم يتفقه في الدين _ أي يتعلم قواعد الإسلام وما يتصل بها من الفروع _ فقد حُرِمَ الخيرَ “ .
سادساً : أن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم ، قال e : ( ما من خارج خرج من بيته في طلب العلم إلا وضعت له الملائكةُ أجنحتها رضاً بما يصنع ) رواه ابن ماجه [32]، و قال e : ( إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يطلب ) رواه الدارمي .[33]
قال ابن القيم : ” ووضع الملائكة أجنحتها له تواضعاً له وتوقيراً وإكراماً لما يحمله من ميراث النبوة ويطلبه،وهو يدل على المحبة والتعظيم فمن محبة الملائكة له وتعظيمه تضع أجنحتها له لأنه طالب لما به حياة العالم ونجاته “.[34]
قال القرافي رحمه الله : وأما وضع الملائكة أجنحتها فقيل : تكف عن الطيران فتجلس إليه لتستمع منه ، وقيل : تكف عن الطيران توقيراً له ، وقيل : تكف عن الطيران لتبسط أجنحتها له بالدعاء ، ولو لم تعلم الملائكة أن منزلته عند الله تستحق ذلك لما فعلته ، فينبغي لكل أحد من الملوك فمن دونهم أن يتواضعوا لطلبة العلم اتباعاً لملائكة الله تعالى وخاصة ملكه .[35]
وذكر أبو سليمان الخطابي في معنى وضعها أجنحتها ثلاثة أقوال :
أحدها : بسط الأجنحة .
والثاني : أنَّ المراد به التواضع لطالب العلم .
والثالث : النزول عند مجالس العلم وترك الطيران .[36]
سابعاً : العلماء ورثة الأنبياء ، قال e : ( إن العلماء ورثة الأنبياء ) رواه الترمذي وغيره .[37]
ثامناً : فضل العلم أفضل من فضل العبادة ، قال e : ( فضل العلم خير من فضل العبادة ) رواه الحاكم والطبراني .[38]
من أقوال السلف :
قال علي t : ” كفى بالعلم شرفاً أن يدعيه من لا يحسنه ويفرح به إذا نسب إليه ، وكفى بالجهل ذَمَّاً أن يتبرأ منه من هو فيه “ .[39]
وقال معاذ t : ” تعلموا العلم فإنَّ تعلُّمَه لله خشيةٌ ؛ وطلبَه عبادةٌ ؛ ومدارستَه تسبيحٌ ؛ والبحثَ عنه جهادٌ ؛ وتعليمَه لمن لا يحسنُه صدقةٌ ؛ وبذلَه لأهله قربةٌ ؛ به يُعرَفُ اللهُ ويُعبَدُ ؛ وبه يُوَحَّدُ ؛ وبه يُعرَفُ الحلالُ من الحرامِ وتُوصَلُ الأرحامُ ؛ وهو الأنيسُ في الوحدة ؛ والصاحبُ في الخلوةِ ؛ والدليلُ على السرَّاءِ والمعينُ على الضرَّاءِ والوزيرُ عند الأخلاءِ والقريبُ عند الغرباءِ ومنارُ سبيلِ الجنةِ ؛ يرفعِ الله به أقواماً فيجعلهم في الخير قادةً وسادةً يُقتدى بهم ؛ أَدِلَّةً في الخيرِ تُقْتَصُّ آثارهم ؛ وتُرْمَقُ أفعالُهم ؛ وترغبُ الملائكةُ في خُلَّتِهِمْ ؛ وبأجنحتهم تمسحهم ؛ يستغفر لهم كلُّ رطب ويابس حتى حيتان البحر وهوامُّه وسباعُ البر وأنعامُهُ والسماءُ ونجومُها ، والعلمُ حياةُ القلوب من العمى ونورُ للأبصار من الظُّلَمِ وقوةٌ للأبدان من الضعف ؛ يبلغُ به العبدُ منازلَ الأبرار والدرجاتِ العُلى ؛ التَّفَكُّرُ فيه يُعدَلُ بالصيام ؛ ومدارستُهُ بالقيامِ ؛ وهو إِمَامٌ للعملِ ؛ والعملُ تابِعُهُ ؛ يُلْهَمَهُ السعداءُ ويُحْرَمَهُ الأشقياءُ “ .[40]
[ وقال الثوري رحمه الله : ” ليس عمل بعد الفرائض أفضل من طلب العلم “ .
وقال الحسن : من طلب العلم يريد به ما عند الله كان خيراً له مما طلعت عليه الشمس .
وقال ابن وهب : كنت عند مالك قاعداً أسأله ؛ فرآني أجمع كتبي لأقوم ؛ قال مالك : أين تريد ؟ قال : قلت : أبادر إلى الصلاة ، قال : ليس هذا الذي أنت فيه دون ما تذهب إليه إذا صح فيه النية ، أو ما أشبه ذلك .] .[41]
وقال الشافعي رحمه الله : طلب العلم أفضل من صلاة النافلة .[42]
وقال : ” من أراد الدنيا فعليه بالعلم ، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم “ .[43]
[ وروي عن الشافعي - رحمه الله - أنه قال : العلم قلادة ؛ والأدب إفادة ؛ ومجالسة العلماء زيادة .
وقيل : العلم كنزٌ مؤبَّدٌ ؛ وعِزٌّ سَرْمَدٌ .
وقيل : العلم نَسَبٌ لمن لا نَسَبَ له ؛ وحَسَبٌ لمن لا حَسَبَ له .
وقال الحسن البصري رحمه الله : إن هذا العلم يزيد الشريف شرفاً ؛ ويُبَلِّغُ المملوكَ مجالسَ الملوك.][44]
وقال سهل بن عبد الله التستري رحمه الله : من أراد أن ينظر إلى مجالس الأنبياء عليهم السلام فلينظر إلى مجالس العلماء.[45]
وقال الزهري : ” ما عُبد الله بمثل الفقه “ .[46]
وقال سفيان الثوري : ” ما من عملٍ أفضل من طلب العلم إذا صحت النية “ .[47] ] [48].
15 ـ [ الواجب على طالب العلم تجاه كتاب الله :
1ـ أن يجتهد على إتقان قراءته على أيدي العلماء حتى لا يقع باللحن وحتى يراعي قواعد التجويد أثناء قراءته .
2 ـ أن يحفظ ما يستطيع منه ، فإن لحفظ كتاب الله منزلة عظيمة عند الله .
3 ـ أن يبذل ما في وسعه لفهم معانيه ، وأن يهتدي بذلك بطريق سلف الأمة . 4 ـ أن يُراعي الأصول والضوابط الآتية أثناء دراسته لفهم القرآن : أ ـ تفسير القرآن بالقرآن . ب ـ تفسير القرآن بالسنة . ج ـ تفسير القرآن بأقوال الصحابة . د ـ تفسير القرآن بأقوال التابعين . وأن يبتعد عن التفسير بالرأي المجرد .][49] .
16 ـ [ ما يجب على طالب العلم تجاه السنة :
1ـ أن يجتهد لتحري ما صحَّ عن رسول الله r ، إن كان ممن له باع في علم الحديث ، أو يتبع العلماء المشهود لهم في هذا الميدان ، وألا يكون حاطب ليل .
2 ـ أن يحفظ ما يستطيع حفظه من الصحيحين ، فإنهما أصحُّ ما ثبت عن رسول الله r . 3 ـ أن يسعى لفهم فقه الأحاديث ، وأن يتتلمذ على من سبقه في هذا الميدان من العلماء الأعلام المشهود لهم بالاستقامة والفهم السليم والمتبعون لما عليه سلف الأمة ، وألا يُقَدِّم فهمه على أفهامهم ، وألا يقول بفهمٍ لم يُسبق له دون بينة .
4 ـ على طالب العلم أن يعمل بما في السنَّة من واجبات ، وأن ينتهي عمَّا نهت عنه .][50] .
17- ذكر الله عز وجل:
إن ذكر الله عز وجل من أعظم العبادات، وذلك أن ذكر الله عز وجل يحمل الإنسان على التزام شرعه في كل شأن من شؤونه، ويشعره برقابة الله تعالى عليه فيكون له رقيب من نفسه، فيستقيم سلوكه ويصلح حاله مع الله تعالى ومع الخلق، ولذا أُمِر المسلم بذكر الله تبارك تعالى في كل أحيانه وأحواله، قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا}[51]. أي صباحاً ومساءً، والمراد: في كل الأوقات .
18- خير ذكر كتاب الله تعالى: وخير ما يذكر به الله عز وجل كلامه المنزل على المصطفى r لما فيه-إلى جانب الذكر- من بيان لشرع الله تعالى، وما يجب على المسلم التزامه، وما ينبغي عليه اجتنابه.
19- عمارة المساجد : وخير الأماكن لذكر الله عز وجل وتلاوة القرآن وتعلم العلم إنما هي المساجد بيوت الله سبحانه، يعمرها في أرضه المؤمنون، وعمارتها الحقيقية إنما تكون بالعلم والذكر إلى جانب العبادة من صلاة واعتكاف ونحوها، قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[52].
20- عبادة منفردة وشافع مشفع :
فتلاوة القرآن بذاتها عبادة مأمور بها، ويثاب عليها المسلم، وتكون وسيلة لنجاته يوم القيامة ونيل مرضاة ربه جل وعلا، حيث يشفع القرآن لتاليه عند ربه.
وروى مسلم عن أبي أمامة الباهلي t قال: سمعت رسول الله r يقول : " اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه ".[53]
ولا يَقِلُّ فضلُ السَّمَاعِ للقرآن عن فضل تلاوته، بل إن الاستماع والإنصات لقراءته سبب لنيل مغفرة الله تعالى ورحمته.
وروى الأمام أحمد في مسنده : أن رسول الله r قال : " من استمع إلى آية من كتاب الله تعالى كُتِبَ له حسنةٌ مضاعفةٌ ، ومن تلاها كانت له نوراً يوم القيامة ".[54]
21- نور على نور :
ويزداد الأجر ويعظم الثواب ويكثر الفضل إذا ضم إلى التلاوة والاستماع والفهم والتدبير والخشوع ، فيجتمع نور على نور ، ومكرمة إلى مكرمة ، قال الله تعالى : {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}[55] .
22- " نزلت عليهم السكينة " :
وبهذه السكينة يطمئن القلب، وتهدأ النفس، وينشرح الصدر، ويستقر البال والفكر، وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[56].
والخسارة كل الخسارة لأولئك الذين خوت قلوبهم فغفلوا عن الله تعالى وذكره، فعاشوا في مقت وكرب وضياع في دنياهم، وكان لهم الهلاك والخلود في جهنم في أخراهم، قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}[57]. وقال سبحانه: {فَوَيلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[58] ، وفي الصحيحين عن البراء بن عازب t قال : ( كان رجلٌ يقرأُ سورة الكهف وعنده فرس ، فَتَغَشَّتْهُ سحابةٌ فجعلت تدور وتدنو ، وجعل فرسه ينفرُ منها ، فلما أصبحَ أتى النبيَّ e فذكر ذلك له ، فقال : تلك السكينة تَنَزَّلَت بالقرآن ) متفق عليه واللفظ للبخاري .[59]
23- " غشيتهم الرحمة " :
فطوبى لهؤلاء الذين قربت منهم الرحمة فكانت تلاوتهم لكتاب الله عز وجل ومدارستهم له عنواناً على أنهم من المحسنين: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}[60].
24- "حفتهم الملائكة ":
فلما كثر القارئون كثرت الملائكة حتى تُحيط بهم من كل جانب ، ولعل خير ثمرة لهذه المكرمة أن يكون هؤلاء الملائكة سفراء بين عباد الرحمن هؤلاء وبين خالقهم جل وعلا، يرفعون إليه سبحانه ما يقوم به هؤلاء المؤمنون من ذكر الله عز وجل ومدارسة لكتابه، وما انطوت عليه نفوسهم من رغبة في نعيم الله عز وجل ورضوانه، ورهبة من سخطه وإشفاق من عقابه، فيكون ذلك سبباً للمغفرة، وباباً للفوز والنجاة.
روى البخاري عن أبي هريرة t قال : قال رسول الله e : " إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر ، فإن وجدوا قوماً يذكرون الله تنادوا : هَلُمُّوا إلى حاجتكم . قال : فيحفّونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا ، قال : فيسألهم ربهم -وهو أعلم منهم-: ما يقول عبادي ؟ قال : تقول : يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك ، قال : فيقول : هل رأوني ؟ قال : فيقولون : لا والله ما رأوك . قال : فيقول : وكيف لو رأوني ؟ قال : يقولون : لو رأوك كانوا أشدَّ لك عبادة ، وأشدَّ لك تمجيداً وأكثر لك تسبيحاً . قال : يقول : فما يسألونني ؟ قال : يسألونك الجنة . قال : يقول : وهل رأوها ؟ قال : يقولون : لا والله يا رب ما رأوها . قال : يقول : فكيف لو أنهم رأوها ؟ قال : يقولون : لو أنهم رأوها كانوا أشدَّ عليها حرصاً وأشد لها طلباً وأعظم فيها رغبة . قال : فمم يتعوذون ؟ قال : يقولون : من النار . قال : يقول : وهل رأوها ؟ قال : يقولون : لا والله يا رب ما رأوها . قال : يقول : فكيف لو رأوها ؟ قال : يقولون : لو رأوها كانوا أشدَّ منها فراراً وأشد لها مخافة . قال : فيقول : فأشهدكم أني قد غفرت لهم . قال : يقول ملك من الملائكة : فيهم فلان ليس منهم ، إنما جاء لحاجة ؟ قال : هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم " . [61]
د- " ذكَرَهم الله فيمن عنده " : قال عز وجل:{فاذكُروني أذكرْكم واشكُروا لي ولا تَكْفرون}[62].
فإذا ذكر العبد المؤمن ربه ، بتلاوة كتابه وسماع آياته، قابله الله عز وجل على فعله من جنسه فذكره سبحانه في عليائه، وشتان ما بين الذاكرين، ففي ذكر الله تعالى لعبده الرفعة، والمغفرة والرحمة، والقبول والرضوان .
قال ابن رجب رحمه الله : ” وهذه الخصال الأربع لكل مجتمعين على ذكر الله عز وجل ، كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد كلاهما عن النبي e قال : إن لأهل ذكر الله أربعاً : تنزل عليهم السكينة ، وتغشاهم الرحمة ، وتحف بهم الملائكة ، ويذكرهم الرب فيمن عنده ) “ .[63]
وخلاصة القول : لقد ربحت تجارة هؤلاء الذين أقبلوا على كتاب الله عز وجل تلاوة ودرساً وتعلماً وعملاً والتزاماً، وصدق الله العظيم إذ يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ}[64].
إنسانية الإسلام وعدالته : التقوى والعمل الصالح طريق الوصول إلى الله عز وجل: لقد قرر الإسلام وحدة الإنسانية، ورسخ المساواة بين أفراد البشرية من حيث المولد، فالجميع مخلوقون من نفس واحدة، ولا فرق بين أبيض وأسود، ولا فضل لعربي على أعجمي، ولا امتياز لشريف على وضيع في أصل الخلقة والمنشأ: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً}[65].
وكانت العدالة الإلهية في الإسلام حيث جعل التفاضل بين الناس بالعمل الصالح، وطريق القرب من الله تعالى تقواه، دون النظر إلى من انحدر من الآباء: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[66].
فلا يضير الإنسان عند الله عز وجل ضعة نسبه، فإن الله تعالى رتب الجزاء على الأعمال لا على الأنساب.
ولذا نجد القرآن الكريم يحذر الناس من أن يعتمدوا على الأنساب ، فيأمر النبيَّ أن يبدأ بتبليغ أهله فيقول له : { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}[67] ،ونجد المصطفى r ينادي فيقول : " يا فاطمة بنت محمد- r - سليني ما شئتِ ، لا أغني عنك من الله شيئاً " رواه النسائي .[68]
ولاية الإيمان والعمل، لا ولاية الدم والنسب: لقد كان الناس يتناصرون ويتولى بعضهم بعضاً بالعصبية والقرابة النسبية فجاء الإسلام وجعل الصلة هي صلة الإيمان، والولاية هي ولاية الدين والعمل، {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[69].
ومما يستفاد من الحديث :
1 ـ استحباب القرض ، واستحباب خلاص الأسير من أيدي الكفار بمال يُعطيه ، وعلى تخليص المسلم من أيدي الظلمة وخلاصه من السجن ، ويدخل في هذا الباب الضمان عن المُعسر ، والكفالة ببدله لمن هو قادر عليه[70] ، لقوله r : ( من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ) .[71]
2- أن الجزاء عند الله من جنس ما قدم العبد من عمل[72]، فجزاءُ التنفيسِ التنفيسُ ، وجزاءُ التفريجِ التفريجُ ، والعونُ بالعونِ ، والسَّتْرُ بالسَّتْرِ ، والتيسيرُ بالتيسيرِ : قال رسول الله r : " أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَطْعَمَ مُؤْمِنًا على جُوعٍ أَطْعَمَهُ الله يوم الْقِيَامَةِ من ثِمَارِ الْجَنَّةِ وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَقَى مُؤْمِنًا على ظمأ سَقَاهُ الله يوم الْقِيَامَةِ من الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ كَسَا مُؤْمِنًا على عرى كَسَاهُ الله من خُضْرِ الْجَنَّةِ " رواه الترمذي [73].
3- الإحسان إلى الخلق طريق محبة الله عز وجل ومنه التيسير على المعسرين وقضاء حاجاتهم والستر عليهم .
4- ما ذكر من التنفيس وغيره عام في المسلم وغيره الذي لا يناصب المسلمين العداء ، فالإحسان إليه مطلوب ، بل ربما تعدى ذلك لكل مخلوق ذي روح ، قال r : " إن الله كتب الإحسان على كل شيء " رواه مسلم[74] ، وقال r : " في كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ " متفق عليه .[75]
5ـ استحباب ستر المسلم إذا اطُّلِعَ عليه أنه عمل فاحشة ، قال تعالى : { إنَّ الذين يُحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة }[76] ، والمستحب للإنسان إذا اقترف ذنباً أن يستر على نفسه ، وأما شهود الزنا ؛ فاختُلف فيهم على وجهين :
أحدهما : يُستحب لهم الستر .
والثاني : الشهادة .
وفصَّل بعضهم فقال : إن رأوا مصلحة في الشهادة شهدوا ، أو في الستر ستروا[77] . 6 ـ الإشارة إلى القيامة وأنها ذات كُرَبٍ [78] . قال القحطاني رحمه الله في نونيته [79]:
يوم القيامة لو علمتَ بهوله لفررت من أهلٍ ومن أوطانِ
يومٌ تشققت السماء لهوله وتشيب منه مفارق الولدان
يوم عبوس قمطريرٌ شرهُ في الخلقِ منتشرٌ عظيم الشأنِ
7 ـ تسمية ذلك اليوم بيوم القيامة لأن الناس يقومون فيه لرب العالمين .، ويُقام فيه العدل ويقوم الأشهاد .
8ـ الحث على طلب العلم واستحباب المشي في طلبه[80]، والاشتغال بطلبه[81] ، وأن سلوك طريق العلم مُؤَدٍّ إلى الجنَّة ، وهذا الطريق يَدخُلُ فيه سلوكُ الطريق الحقيقي ، وهو المشي بالأقدام إلى مجالس العلماء ، ويدخل فيه سلوكُ الطرق المعنوية إلى حصول العلم ، مثل : حفظه ، ومدارسته ، ومذاكرته ، ومطالعته ، وكتابته .[82]
9 ـ يُسن مجالسة العلماء وملازمتهم في السفر والحضر[83] .
10- الحذر من تطرق الرياء في طلب العلم، لأن تطرقه في ذلك أكثر من تطرقه في سائر الأعمال، فينبغي تصحيح النية فيه والإخلاص كي لا يحبط الأجر ويضيع الجهد . 11- طلب العون من الله تعالى والتيسير، لأن الهداية بيده، ولا تكون طاعة إلا بتسهيله ولطفه، ودون ذلك لا ينفع علم ولا غيره . 12 ـ [ عون الله لمن أعان مسلماً ، لكن هذا مقيد بما إذا كان على البر والتقوى لقوله تعالى : {وتعاونوا على البر والتقوى}[84] وأما إذا كان على إثم فحرام ، ولقوله تعالى :{ ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}[85].
وأما إذا كان على أمر مباح فهذا من الإحسان لقوله تعالى : } وأحسنوا إن الله يحب المحسنين{[86]].[87]
13- ملازمة تلاوة القرآن والاجتماع لذلك[88]، والإقبال على تفهمه وتعلمه والعمل به ، وأن لا يترك ليقرأ في بدء الاحتفالات والمناسبات ، وفي المآتم وعلى الأموات.
14 ـ فضل الاجتماع على ذكر الله ومدارسة القرآن .
قال ابن رجب رحمه الله : ” هذا يدل على استحباب الجلوس في المساجد لتلاوة القرآن ومدارسته ، وهذا إن حُمِلَ على تعلم القرآن وتعليمه فلا خلاف في استحبابه “ . [89]
وفي صحيح البخاري عن عثمان t عن النبي e : ( خيركم من تعلَّمَ القرآنَ وعَلَّمَهُ ) .[90]
[ وقال أبو عبد الرحمن السلمي : ” فذلك الذي أقعدني في مقعدي هذا “ .
وكان قد عَلَّمَ القرآنَ في زمنِ عثمانَ بن عفان t حتى بلغ الحجاج بن يوسف .] [91]
وكان النبي e أحياناً يأمر من يقرأ القرآن ليسمع قراءته ، كما كان ابن مسعود t يقرأ عليه ، وقال : ( فإنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيرِي ) .[92]
وكان عمر t يأمر من يقرأ عليه وعلى أصحابه وهم يستمعون ، فتارة يأمر أبا موسى t ، وتارة يأمر عقبة بن عامر t.[93]
وجاءت أحاديث تدل على فضل الاجتماع على ذكر الله مطلقاً :
روى البخاري عن أبي هريرة t قال : قال رسول الله e : " إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر ، فإن وجدوا قوماً يذكرون الله تنادوا : هَلُمُّوا إلى حاجتكم . قال : فيحفّونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا ... " إلى قوله : " قال : هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم " . [94]
وفي صحيح مسلم عن معاوية t : ( أنَّ رسول الله e خرج على حلقةٍ من أصحابه فقال : ما أجلسكم ؟ قالوا : جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومَنَّ به علينا ، قال : آلله ما أجلسكم إلا ذاك ؟ قالوا : والله ما أَجْلَسَنَا إلا ذاك ، قال : أَمَا إِنِّي لم أستحلِفْكم تهمةً لكم ؛ ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أَنَّ الله عز وجل يُبَاهِي بكم الملائكة ) .[95]
قال ابن القيم رحمه الله : ” إن مجالس الذكر مجالس الملائكة ، فليس من مجالس الدنيا لهم مجلس إلا مجلس يذكر الله تعالى فيه “ ، ثم ذكر حديث : ( إن لله ملائكة فُضْلاً ) .[96]
وقال : ” فهذا من بركتهم على نفوسهم وعلى جليسهم ، فلهم نصيب من قوله : وجعلني مباركاً أينما كنت ، فهكذا المؤمن مبارك أين حَلَّ ، والفاجر مشؤوم أين حَلَّ “ .[97]
15 ـ الحث على تدبر القرآن وتفهمه .
قال ابن تيمية : ” والمطلوب من القرآن هو فهم معانيه والعمل به ، فإن لم تكن هذه هِمَّةُ حافظه لم يكن من أهل العلم والدين “ .[98]
قال ابن القيم : ” فلا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر “ .[99]
وقال النووي : ” ينبغي للقارئ أن يكون شأنه الخشوع والتدبر والخضوع ، فهذا هو المقصود المطلوب ، وبه تنشرح الصدور ، وتستنير القلوب “ .[100]
وقال الحسن البصري : ” يا ابن آدم كيف يَرِقُّ قَلْبُكَ ، وهَمُّكَ في آخر “ .[101]
وقال إبراهيم الخواص : ” دواء القلب خمسة أشياء : قراءة القرآن بالتدبر ، وخلاء البطن ، وقيام الليل ، والتضرع عند السحر ، ومجالسة الصالحين “ .[102]
وقد ذم النبي e الخوارج بقوله : ( يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم )[103] أي أنهم يأخذون أنفسهم بقراءة القرآن وإقرائه وهم لا يتفقهون فيه ولا يعرفون مقاصده .[104]
16- المبادرة إلى التوبة والاستغفار والعمل الصالح، قال الله تعالى : {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[105] .
17 ـ تقديم العبد الطائع الحبشي على السيد القرشي العاصي[106] . 18 ـ النسب لا ينفع إذا لم يكن العمل الصالح لقوله : ( ومن بطأ به عمله لم يُسرع به نسبه ) [107] ، والعبرة بالإيمان والعمل الصالح لا الأحساب والأنساب ، فالله رتب الجزاء على الأعمال لا على الأنساب .
قال تعالى : } من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها {[108] ، وقال تعالى : } إن أكرمكم عند الله أتقاكــم {[109] ، وقال e : (من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ) ، وقال e : ( إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ) رواه مسلم[110] ، وعن أبي هريرة t قال : قال رسول الله e حين أنزل عليه : } وأنذر عشيرتك الأقربين {[111] : ( يا معشر قريش ، اشتروا أنفسكم ، فإني لا أغني عنكم من الله شيئاً ، .... ، يا فاطمة بنت محمد ، سليني ما شئت من مالي ، لا أغني عنك من الله شيئاً ) متفق عليه واللفظ للبخاري .[112]
19 ـ ينبغي للإنسان أن لا يغتر بنفسه ، وأن يهتم بعمله الصالح حتى ينال به الدرجات العلى[113] .
الحديث السابع والثلاثون:
عَدلُ اللهِ تَعالى وَفَضْلُهُ وقُدرتُه
أهمية الحديث ، مفردات الحديث ، المعنى العام:(1-عمل الحسنات 2-عمل السيئات 3-الهمّ بالحسنات 4-الهمّ بالسيئات) ، فوائد الحديث .
عن ابنِ عبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما[114]، عن رسولِ اللهِ r فيما يَرْويهِ عن رَبِّهِ تَباركَ وتعالى قال : " إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذلك فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فلم يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا الله له عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً فَإِنْ هو هَمَّ بها وعملها كَتَبَهَا الله له عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إلى سبعمائة ضِعْفٍ إلى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فلم يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا الله له عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً فَإِنْ هو هَمَّ بها فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا الله له سَيِّئَةً وَاحِدَةً ". رواهُ البخاري ومُسلمٌ واللفظ للبخاري .[115]
أهمية الحديث : هذا الحديث حديث عظيم دلَّ على عِظَمِ فضل الله على خلقه ورأفته بهم ، إذ يُعطي على الحسنة أضعافها والسيئة بواحدة ، والهمُّ بالحسنة حسنة ، والهمُّ بالسيئة لا شيء إن لم يعملها[116] .
مفردات الحديث: كتب الحسنات والسيئات : أمر الملائكة الحفظة بكتابتهما ـ كما في علمه ـ على وَفق الواقع.
هَمَّ : أراد وقصد.
بحسنة : بطاعة مفروضة أو مندوبة.
ضِعْفٍ : مثل. سيئة : بمعصية صغيرة كانت أو كبيرة.
المعنى العام: تضمن الحديث كتابة الحسنات والسيئات، والهمَّ بالحسنة والسيئة، وفيما يلي الأنواع الأربعة:
1 ـ عمل الحسنات : كل حسنة عملها العبد المؤمن له بها عشر حسنات، وذلك لأنه لم يقف بها عند الهم والعزم، بل أخرجها إلى ميدان العمل، ودليل ذلك قوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}[117].
وأما المضاعفة على العشر لمن شاء الله أن يضاعف له، فدليله قول الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[118] ، وروى مسلم عن أبي مسعود t قال : " جاء رجل بناقة مخطومة فقال : هذه في سبيل الله ، فقال : لك بها يوم القيامة سَبْعُ مِئَةِ ناقة كلها مخطومة " .[119]
ومضاعفة الحسنات زيادة على العشر إنما تكون بحسب حسن الإسلام ، وتكون بحسب كمال الإخلاص، وبحسب فضل ذلك العمل في نفسه وإيقاعه في محله الملائم. ( قال ابن رجب رحمه الله : ” ... أن مضاعفة الحسنات زيادة على العشر تكون بحسب حسن الإسلام ..، وتكون بحسب كمال الإخلاص،وبحسب فضل ذلك العمل في نفسه ، وبحسب الحاجة إليه“.[120]
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ” ( إلى سبعمائة ضعف ) وهذا تحت مشيئة الله تعالى ، فإن شاء ضاعف هذا ، وإن شاء لم يضاعف “ ) .
2 ـ عمل السيئات : وكل سيئة يقترفها العبد تكتب سيئة من غير مضاعفة ، قال تعالى: { وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ }[121] ، لكن السيئة تعظم أحياناً بسبب شرف الزمان أو المكان أو الفاعل : فالسيئة أعظم تحريماً عند الله في الأشهر الحرم ، لشرفها عند الله .
والخطيئة في الحرم أعظم لشرف المكان .
والسيئة من بعض عباد الله أعظم، لشرف فاعلها وقوة معرفته بالله وقربه منه سبحانه وتعالى.
3 ـ الهم بالحسنات: ومعنى الهم الإرادة والقصد، والعزم والتصميم، لا مجرد الخاطر، فمن هم بحسنة كتبها الله عنده حسنة واحدة، وذلك لأن الهم بالحسنة سبب وبداية إلى عملها، وسبب الخير خير، وقد ورد تفسير الهمِّ في حديث أبي هريرة عند مسلم : "إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ..".[122]
[ مثال : أراد أن يذهب لمجلس علم ، فمرض أحد أهله فانشغل به ، وكمن أراد أن يتصدق بصدقة فلم يجد معه دراهم ، وكان يظن وجودها .][123] . 4 ـ الهم بالسيئات: وإذا هم العبد بسيئة ولم يعملها، كتبت له حسنة كاملة، وفي حديث البخاري : "وإن تركها من أجلي"[124] وهذا يدل على أن ترك العمل مقيد بكونه لله تعالى، والتارك يستحق الحسنة الكاملة، لأنه قصد عملاً صالحاً، وهو إرضاء الله تعالى بترك العمل السيئ .
أما من ترك السيئة بعد الهمِّ بها مخافة من المخلوقين أو مراءاة لهم، فإنه لا يستحق أن تكتب له حسنة.
وقال الخطابي : محل كتابة الحسنة على الترك أن يكون التارك قد قدر على الفعل ثم تركه، لأن الإنسان لا يُسمى تاركاً إلا مع القدرة ويدخل فيه من حال بينه وبين حرصه على الفعل مانع، كأن يمشي إلى امرأة ليزني بها مثلاً فيجد الباب مغلقاً ويتعسر فتحه.[125]
[مثل قصة الذي همّ بابنة عمه بسوء فتركها لله ، فأجاب الله دعاءه وفرج همه فانفرجت الصخرة .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ” من هم بالسيئة وسعى في تحصيلها لكن عجز عنها ، فهذا يكتب عليه وزر السيئة كاملاً ، دليل ذلك ، قول النبي e : ( إذا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ في النَّارِ فقلت:يا رَسُولَ اللَّهِ هذا الْقَاتِلُ ؛فما بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قال:إنه كان حَرِيصًا على قَتْلِ صَاحِبِهِ)[126]“.][127].
( وقد دلَّت الأدلة على أنَّ من همَّ بالسيئة فلم يعملها فإنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : أن يحاول فعلها ويسعى فيها ولكن لم يدركها فهذا يُكتب عليه وزر السيئة كاملة.
القسم الثاني : أن يهمَّ بها ثم يعزف عنها لا خوفاً من الله ولكن لأن نفسه عزفت،فهذا لا يُكتب له ولا عليه.
القسم الثالث : أن يتركها لله عز وجل خوفاً منه وخشية ، فهذا كما جاء في هذا الحديث يكتبها الله حسنة كاملة . )[128]
ومما يستفاد من الحديث:
1ـ قال ابن رجب رحمه الله تعالى : فانظر يا أخي وفقنا الله وإياك إلى عظيم لطف الله تعالى ، وتأمل هذه الألفاظ ، وقوله : (( عنده )) إشارة إلى الاعتناء بها ، وقوله : (( كاملة )) للتأكيد وشدة الاعتناء بها ، وقال في السيئة التي همَّ بها ثم تركها : (( كتبها عنده حسنة كاملة )) فأكدها بكاملة ، (( وإن عملها كتبها سيئة واحدة )) فأكد تقليلها بواحدة ولم يؤكدها بكاملة ، فلله الحمد والمنَّة سبحانه لا نحصي ثناءً عليه ، وبالله التوفيق .[129]
2 ـ أن رحمة الله بعباده المؤمنين واسعة، ومغفرته شاملة، وعطاءه غير محدود .
[ فمن رحمته : أن الحسنة مضاعفة ، والسيئة لا تضاعف .
ومن رحمته : جعل أبواب الجنة ثمانية وأبواب النار سبعة .
ومن رحمته : ما جاء في قوله e : ( إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه).[130]
ومن رحمته : ما جاء في حديث : ( وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ) .[131]
ومن رحمته : أن أمة الإسلام هي أقل الأمم عملاً ، وأكثرهم أجراً .] [132]. 3 ـ لا يؤاخذ الله تعالى على حديث النفس والتفكير بالمعصية إلا إذا صدق ذلك العمل والتنفيذ . 4ـ على المسلم أن ينوي فعل الخير دائماً وأبداً، لعله يكتب له أجره وثوابه، ويروض نفسه على فعله إذا تهيأت له الأسباب. 5 ـ الإخلاص في فعل الطاعة وترك المعصية هو الأساس في ترتب الثواب، وكلما عظم الإخلاص كلما تضاعف الأجر وكثر الثواب. 6 ـ على المسلم أن يتخلق بأخلاق الله تعالى[133] . 7 ـ على المسلم أن يعتقد بكرم الله وفضله[134] . 8 ـ على المسلم أن يكافئ المحسن على إحسانه[135] . 9 ـ فضل الله لا يوازيه فضل[136] . 10ـ جاء في رواية في آخر الحديث : ( ولا يهلك على الله إلا هالك )[137]، قال ابن رجب رحمه الله[138]: ”يعني بعد هذا الفضل العظيم من الله والرحمة الواسعة منه بمضاعفة الحسنات والتجاوز عن السيئات ، لا يهلك على الله إلا من هلك ،وألقى بيده إلى التهلكة،وتجرأ على السيئات،ورغب عن الحسنات،وأعرض عنها“.
11 ـ أن رحمة الله سبقت غضبه حيث جعل الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، أما السيئة فواحدة[139] . 12 ـ اطلاع الملائكة على ما يهم به الإنسان .[140]
13 ـ إحصاء الحسنات والسيئات على الإنسان .
واختلف العلماء رحمهم الله تعالى هل تكتب الملائكة المباح ؟
فقيل : تكتب ما فيه ثواب وعقاب ، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما .
وقيل : تكتب كل شيء من الكلام ، وهو قول الحسن وقتادة ورجحه ابن كثير ،[141] لعموم قوله تعالى : } ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد {[142] ، ولقوله e : ( إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت ، يكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه ) رواه أحمد .[143]
14 ـ الإيمان باللوح المحفوظ .[144]
15 ـ أعظم التجارة العمل الصالح .[145]
الحديث الثامن والثلاثون:
وَسائِلُ القُربِ مِنَ اللهِ تعالى ونَيْلِ مَحَبَّتِه
أهمية الحديث ، مفردات الحديث ، المعنى العام:(1-أولياء الله تعالى 2-معاداة أولياء الله تعالى 3-أفضل الأعمال وأحبها إلى الله تعالى: أداء الفرائض 4-من أداء الفرائض ترك المعاصي 5-التقرب إلى الله تعالى بالنوافل 6-أثر محبة الله في وليه 7-الولي مجاب الدعوة) ، ما يستفاد من الحديث
عن أبي هُرَيْرَةَ t[146] قال: قال رَسُولُ اللهِ r : " من عَادَى لي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وما تَقَرَّبَ إلي عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إلي مِمَّا افْتَرَضْتُ عليه وما يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلي بِالنَّوَافِلِ حتى أُحِبَّهُ فإذا أَحْبَبْتُهُ كنت سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ التي يَبْطِشُ بها وَرِجْلَهُ التي يَمْشِي بها وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ وما تَرَدَّدْتُ عن شَيْءٍ أنا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عن نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وأنا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.[147]
أهمية الحديث : هذا الحديث جامع بين الشريعة والحقيقة ، إذ يبين أنَّ الفريضة من أحبِّ الأعمال ، ثمَّ يبين أهمية السنن وأنها توصل إلى المحبة[148] .
مفردات الحديث:
عادى : آذى وأبغض وأغضب بالقول أو الفعل[149].
ولياً : المراد بولي الله العالم بالله تعالى، المواظب على طاعته، المخلص في عبادته ، وقيل في تعريفه : هو كل مؤمن تقي ليس بنبي .
فقد آذنته بالحرب : آذنته: أعلمته، والمعنى أن من آذى مؤمناً فقد آذنه الله أنه محارب له، والله تعالى إذا حارب العبد أهلكه.
النوافل : ما زاد على الفرائض من العبادات.
استعاذني : طلب العوذ والحفظ مما يخاف منه.
لأعيذنه : لأحفظنه مما يخاف.
المعنى العام : أولياء الله تعالى: هم خُلَّص عباده ؛ القائمون بطاعاته ؛ المخلصون له، وقد وصفهم الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بصفتين هم الإيمان والتقوى، فقال تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}[150] ، فالركن الأول للولاية هو الإيمان بالله، والركن الثاني لها هو التقوى، وهذا يفتح الباب واسعاً وفسيحاً أمام الناس ليدخلوا إلى ساحة الولاية، ويتفيؤوا ظلال أمنها وطمأنينتها.
وأفضل أولياء الله تعالى هما الأنبياء والرسل، المعصومون عن كل ذنب أو خطيئة، المؤيدون بالمعجزات من عند الله سبحانه وتعالى، وأفضل الأولياء بعد الأنبياء والرسل أصحاب رسول الله r، الذين عملوا بكتاب الله وسنة رسول الله r، ومن جاء بعدهم من القرون حتى أيامنا هذه ممن ينسب إلى الولاية، ولا يكون ولياً لله حقاً إلا إذا تحقق في شخصه الإيمان والتقوى، واتبع رسول الله r واهتدى بهديه واقتدى به في أقواله وأفعاله.
معاداة أولياء الله تعالى: إن كل من يؤذي مؤمناً تقياً، أو يعتدي عليه في ماله أو نفسه أو عرضه، فإن الله تعالى يعلمه أنه محارب له، وإذا حارب الله عبداً أهلكه، وهو يمهل ولا يهمل، ويمد للظالمين مداً ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر، وقد وقع في بعض روايات الحديث أن معاداة الولي وإيذاءه محاربةٌ لله، ففي حديث عائشة رضي الله عنها في المسند : " من أذلَّ لي ولياً فقد استحل محاربتي " .[151] أفضل الأعمال وأحبها إلى الله تعالى أداء الفرائض: وهذه الفائدة صريحة في قول الله تعالى في هذا الحديث : " وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضته عليه " . ومن الفرائض المقربة إلى الله تعالى عَدْلُ الراعي في رعيته سواء كانت رعية عامة كالحاكم، أو رعية خاصة، كعدل آحاد الناس في أهله وولده ، ففي الترمذي عن أبي سعيد الخدري t عن النبي r قال: " إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأدناهم منه مجلساً إمام عادل " .[152] من أداء الفرائض ترك المعاصي : لأن الله تعالى افترض على عباده ترك المعاصي، وأخبر سبحانه أن من تعدى حدوده وارتكب معاصيه، كان مستحقاً للعقاب الأليم في الدنيا والآخرة، وبهذا يكون ترك المعاصي من هذه الناحية داخلاً تحت عموم قوله : "وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه " .
قال عمر بن الخطاب t: أفضل الأعمال أداء ما افترض الله ، والورع عما حرم الله ، وصدق النية فيما عند الله تعالى.[153]
التقرب إلى الله تعالى بالنوافل: ولا يحصل هذا التقرب والتحبب إلا بعد أداء الفرائض، ويكون بالاجتهاد في نوافل الطاعات، من صلاة وصيام وزكاة وحج ...، وكف النفس عن دقائق المكروهات بالورع، وذلك يوجب للعبد محبة الله، ومن أحبه الله رزقه طاعته والاشتغال بذكره وعبادته. ومن أعظم ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى من النوافل كثرة تلاوة القرآن وسماعه بتفكر وتدبر وتفهم، ومن أعظم النوافل كثرة ذكر الله ، قال تعالى : {فاذكرُوني أذكرْكم}[154].
أثر محبة الله في وليه : يظهر أثر محبة الله في وليه بما ورد في الحديث : " فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها " وفي بعض الروايات : " لسانه الذي ينطق به وقلبه الذي يعقل به " .[155]
قال ابن رجب رحمه الله : المراد بهذا الكلام أن من اجتهد بالتقرب إلى الله بالفرائض ثم بالنوافل قَرَّبه إليه ورَقَّاه من درجة الإيمان إلى درجة الإحسان، فيصير يعبد الله على الحضور والمراقبة كأنه يراه، فيمتلئ قلبه بمعرفة الله ومحبته وعظمته، وخوفه ومهابته، وإجلاله , والأنس به والشوق إليه، حتى يصير الذي في قلبه من المعرفة مشاهداً له بعين البصيرة .[156]
( قال النووي رحمه الله : يُحتمل كنت الحافظ لسمعه وبصره ولبطش يده ورجله من الشيطان ، ويُحتمل : كنت في قلبه عند سمعه وبصره وبطشه ، فإذا ذكرني كفَّ عن العمل لغيري . )[157] . ومتى امتلأ القلب بعظمة الله تعالى محا ذلك من القلب كل ما سواه ، ولم يبق للعبد شيء من نفسه وهواه ، ولا إرادة إلا لما يريده منه مولاه ، فحينئذ لا ينطق العبد إلا بذكره ، ولا يتحرك إلا بأمره ، فإن نطق نطق بالله ، وإن سمع سمع به ، وإن نظر نظر به ، وإن بطش بطش به ، فهذا هو المراد بقوله : " كنت سمعه الذي يسمع به ... " .
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن المراد : إمداد الرب سبحانه لهذه الأعضاء بنوره الذي تلوح به طرائق الهداية وتنقشع عنده سحب الغِوَاية .[158]
[ وهناك أسباب تجلب محبة الله :
منها : كثرة النوافل ، كما في حديث الباب .
قال ابن القيم : ” فصل في الأسباب الجالبة للمحبة والموجبة لها وهي عشرة :
أحدها : قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما أريد به كتدبر الكتاب الذي يحفظه العبد ويشرحه ليتفهم مراد صاحبه منه .
الثاني : التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض فإنها توصله إلى درجة المحبوبية بعد المحبة .
الثالث : دوام ذكره على كل حال باللسان والقلب والعمل والحال فنصيبه من المحبة على قدر نصيبه من هذا الذكر .
الرابع : إيثار محابِّه على محابِّك عند غلبات الهوى والتَّسَنُّمِ إلى محابِّه وإن صعب المُرْتَقى .
الخامس : مطالعة القلب لأسمائه وصفاته ومشاهدتها ومعرفتها وتقلبه في رياض هذه المعرفة ومباديها فمن عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله أحبه لا محالة ، ولهذا كانت المعطلة والفرعونية والجهمية قطاع الطريق على القلوب بينها وبين الوصول إلى المحبوب .
السادس : مشاهدة بِرِّهِ وإحسانه وآلائه ونعمه الباطنة والظاهرة فإنها داعية إلى محبته .
السابع : وهو من أعجبها انكسار القلب بِكُلِّيَتِهِ بين يدي الله تعالى وليس في التعبير عن هذا المعنى غير الأسماء والعبارات .
الثامن : الخلوة به وقت النزول الإلهي لمناجاته وتلاوة كلامه والوقوف بالقلب والتأدب بأدب العبودية بين يديه ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة .
التاسع : مجالسة المحبين الصادقين والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما ينتقى أطايب الثمر ولا تتكلم إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام وعلمت أن فيه مزيداً لحالك ومنفعة لغيرك .
العاشر : مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل .
فمن هذه الأسباب العشرة وصل المحبون إلى منازل المحبة ودخلوا على الحبيب وملاك ذلك كله أمران :
1ـ استعداد الروح لهذا الشأن .
2ـ وانفتاح عين البصيرة وبالله التوفيق “.[159]
ومنها : متابعة الرسول r ، قال تعالى : } قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله {[160] .
( قال أبو سليمان الداراني: لما ادّعت القلوب محبة الله ، أنزل الله لها محنة :{قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله }[161] )[162].
ومنها : الذلة على المؤمنين .
ومنها : العزة على الكافرين .
ومنها : الجهاد في سبيل الله .
ومنها : لا يخافون لومة لائم ، قال تعالى : } يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم{[163] .
قال ابن القيم رحمه الله : ” فقد ذكر لهم أربع علامات :
أحدها : أذلة على المؤمنين ، قيل : معناه أرقاء رحماء مشفقين عليهم ، عاطفين عليهم .
العلامة الثانية : أعزة على الكافرين ، قال عطاء : للمؤمنين كالوالد لولده ، والعبد لسيده ، وعلى الكافرين كالأسد على فريسته { أشداء على الكفار رحماء بينهم }[164] .
العلامة الثالثة : الجهاد في سبيل الله بالنفس واليد ، واللسان ، والمال ، وذلك تحقيق دعوى المحبة .
العلامة الرابعة : أنهم لا تأخذهم في الله لومة لائم ، وهذا علامة صحة المحبة “ .[165]
ومنها : كثرة ذكره سبحانه ، لأنه من أحب شيئاً أكثر من ذكره .
ومنها : قراءة القرآن بالتدبر والتفهم ، لأنه ما تقرب المتقربون بمثل ما خرج من الله ، وهو القرآن .
قال خباب t : ” تقرب إلى الله ما استطعت ، واعلم أنك لن تتقرب إليه بشيء هو أحب إليه من كلامه.[166]
قال ابن رجب رحمه الله : لا شيء عند المحبين أحلى من كلام محبوبهم ، فهو لذة قلوبهم وغاية مطلوبهم “.[167]، وكان بعضهم يكثر تلاوة القرآن ، ثم اشتغل بغيره ، فرأى في المنام قائلاً يقول :
إن كنتَ تزعمُ حبي فلم جفوتَ كتابي
أما تأملت ما فيـه من لطيف عتـابي .[168] ][169]
الولي مجاب الدعوة : ومن تكريم الله لوليه أنه إذا سأله شيئاً أعطاه، وإن استعاذ به من شيء أعاذه منه، وإن دعاه أجابه، فيصير مجاب الدعوة لكرامته على الله تعالى، وقد كان كثير من السلف الصالح معروفاً بإجابة الدعوة، كالبراء بن مالك، والبراء بن عازب، وسعد بن أبي وقاص .. وغيرهم، وربما دعا المؤمن المجاب الدعوة بما يعلم الله الخيرة له في غيره، قال : فلا يجيبه إلى سؤاله ويعوضه بما هو خير له، إما في الدنيا أو في الآخرة، فقد أخرج أحمد والبزار وأبو يعلى بأسانيد جيدة، أن النبي r قال : " ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها أثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث : إما أن تُعَجَّلَ له دعوتُه وإمَّا أن يَدَّخِرَها له في الآخرة وإما أن يُصرف عنه من السوءِ مثلها ، قالوا : إذاً نُكْثِر ، قال : الله أكثر " .[170]
ما يستفاد من الحديث :
1 ـ عِظَم قدر الولي، لكونه خرج من تدبير نفسه إلى تدبير ربه تعالى، ومن انتصاره لنفسه إلى انتصار الله له، وعن حوله وقوته بصدق توكله. 2 ـ كرامة الأولياء على الله تعالى حيث كان الذي يعاديهم قد آذن الله تعالى بالحرب[171] . 3 ـ معاداة أولياء الله تعالى من كبائر الذنوب ، إذ جعل ذلك إيذاناً بالحرب[172] . 4 ـ طريق الولاية هو التقرب إلى الله تعالى بطاعاته التي شرعها . 5 ـ أن لا يحكم لإنسان آذى ولياً ثم لم يعاجل بمصيبة في نفسه أو ماله أو ولده، بأنه يسلم من انتقام الله تعالى له، فقد تكون مصيبته في غير ذلك مما هو أشدُّ عليه، كالمصيبة في الدين مثلاً. 6 ـ الأعمال تتفاضل هي بنفسها ، ومنه أن الإيمان يزيد وينقص[173] . 7 ـ الأعمال الصالحة تتفاضل من حيث الجنس ومن حيث النوع .
فمن حيث الجنس : الفرائض أحب إلى الله من النوافل . ومن حيث النوع : الصلاة أحب إلى الله مما دونها من الفرائض .[174] 8 ـ الفرائض لا يعادلها شيء ، وهي أحب إلى الله تعالى من النوافل[175] . 9 ـ العمل بالسنن يقتضي الابتعاد عن المعاصي[176] ، والنافلة تجبر الفرائض[177] . 10ـ [ فضل المداومة والاستمرار على العمل الصالح ، لقوله : ( ولا يزال عبدي يتقرب .. ) فلا يعتبر الإنسان متقرباً إلى الله بالنوافل محافظاً عليها إلا باستمراره على هذه الطاعة ، وإلا فلا يعتبر متقرباً إلى الله بالنوافل ، فالعمل الصالح المستمر مهم لأمرين :
أولاً : أن هذا هو هدي النبي e ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كان رسول الله e إذا عمل عملاً أثبته ) رواه مسلم .[178]
ثانياً : أن الأعمال المداوم عليها أحب إلى الله ، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : سُئل النبي e : أي الأعمال أحب إلى الله ؟ قال : أدومها وإن قَلَّ ) متفق عليه واللفظ للبخاري .[179]
وإذا كان العمل الصالح مداوماً عليه ، فإنه يكون له آثاراً إيجابية :
منها : دوام اتصال القلب بالله .
ومنها : سبب لمحبة الله .
ومنها : سبب للنجاة من الشدائد ، كما قال e : ( من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد فليكثر الدعاء في الرخاء ) رواه الترمذي [180]. ][181]
11 ـ الطائع قريب من الله[182] ، ويسدده الله في سمعه وبصره ويده ورجله ويؤيده[183] .
12 ـ إثبات المحبة لله عز وجل على الوجه الذي يليق بجلاله ، قال تعالى : } إن الله يحب المحسنين{[184] ، وقال تعالى : } إن الله يحب المتقين {[185] ، وقال e : ( لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله )[186] ، والمحبة : صفة قائمة بذات الله سبحانه وتعالى ، ومن ثمراتها الإحسان إلى المحبوب وثوابه وقربه من الله تعالى[187] .
13 ـ أن الله سبحانه وتعالى يجيب دعاء المحبين[188] ، وقد كان كثير من الصحابة مجابوا الدعوة : مثل سعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد .
عن جابر بن سمرة قال : ( شكا أهل الكوفة سعداً إلى عمر t ، فعزله واستعمل عليهم عماراً ، فشكوا حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي ، فأرسل إليه فقال: يا أبا إسحاق إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تصلي ؟ قال أبو إسحاق : أما أنا ، والله فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله e ما أخرم عنها ، أصلي صلاة العشاء ، فأركد في الأوليين ، وأخف في الأخريين. قال : ذاك الظن بك يا أبا إسحاق. فأرسل معه رجلاً ، أو رجالاً ، إلى الكوفة ، فسأل عنه أهل الكوفة ، ولم يدع مسجداً إلا سأل عنه ، ويثنون معروفاً ، حتى دخل مسجداً لبني عبس ، فقام رجل منهم ، يقال له أسامة بن قتادة ، يكنى أبا سعدة ، قال : أما إذ نشدتنا ، فإن سعداً كان لا يسير بالسرية ، ولا يقسم بالسوية ، ولا يعدل في القضية. قال سعد: أما والله لأدعون بثلاث : اللهم إن كان عبدك هذا كاذباً ، قام رياءً وسمعةً ، فأطل عمره ، وأطل فقره ، وعرضه بالفتن . وكان بعد إذا سئل يقول : شيخ كبير مفتون ، أصابتني دعوة سعد. قال عبد الملك : فأنا رأيته بعد ، قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر ، وإنه ليتعرض للجواري في الطرق يغمزهن ) رواه البخاري .[189]
وعن عروة : ( أن أروى بنت أويس ادعت على سعيد بن زيد أنه أخذ شيئاً من أرضها ، فخاصمته إلى مروان بن الحكم ، فقال سعيد : أنا كنت آخذ من أرضها شيئاً بعد الذي سمعت من رسول الله e ؟ قال : وما سمعت من رسول الله e ؟ قال : سمعت رسول الله e يقول : ” من أخذ شبراً من الأرض ظلماً طوقه إلى سبع أرضين “ فقال له مروان : لا أسألك بينة بعد هذا ، فقال : اللهم إن كانت كاذبة فعمّ بصرها ، واقتلها في أرضها . قال : فما ماتت حتى ذهب بصرها ، ثم بينا هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت ) . رواه مسلم . [190]
14 ـ فيه الحذر من إيذاء المسلم[191] .
الحديث التاسع والثلاثون :
رَفْعُ الحَرَجِ في الإِسلامِ
درجة الحديث ، أهمية الحديث ، مفردات الحديث ، المعنى العام:(1-فضل الله على هذه الأمة ورفع الحرج عنها 2-قتل الخطأ 3-تأخير الصلاة عن وقتها 4-تفصيل القول في حكم الخطأ والنسيان 5 ـ الإكراه في القول 6-ما لا يعذر به الناسي 7-ما يترتب على فعل المكره) ، فوائد الحديث .
عَن أبي ذرٍ الغفاري t[192] قال: قال رَسُوَل اللهِ r : "إنَّ الله تَجاوَزَ عَنْ أُمَّتي : الْخَطَأَ ، والنِّسْياَنَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ" حديث حسن ، رواه ابن ماجه[193] والبيهقي[194] وغيرهما [195] .
درجة الحديث : صححه الألباني[196] ، وصحَّ أيضاً بلفظ : (( عفي لأمتي عن الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه ))[197] وكذا : (( رُفع عن أمتي.. )) [198]وكذا : (( إن الله وضع عن أمتي .. )) .[199]
أهمية الحديث : هذا الحديث حديث عظيم عام النفع ، ولقد اشتمل على فوائد وأمور مهمة ، فهو يحوي حكم الخطأ والنسيان والمكره عليه بأنه لا إثم على ذلك[200] .
مفردات الحديث:
تجاوز : عفا. لي : لأجلي وتعظيم أمري ورفعة قدري. أمتي : أمة الإجابة ، وهي كل من آمن به r واستجاب لدعوته.
الخطأ : ضد العمد لا ضد الصواب.
النسيان : ضد التذكر. استكرهوا عليه : الإكراه : هو إلزام الشخص بما لا يريد [201]، يقال: أكرهته على كذا إذا حملته عليه قهراً.
المعنى العام : إن من أتى بشيء مما نهى الله عنه، أو أخل بشيء مما أمر الله تعالى به، دون قصد منه لذلك الفعل أو الخلل، وكذلك من صدر عنه مثل هذا نسياناً أو أُجبر عليه، فإنه لا يتعلق بتصرفه ذمٌ في الدنيا ولا مؤاخذةٌ في الآخرة، فضلاً من الله تبارك وتعالى ونعمة. فضل الله عز وجل على هذه الأمة ورفع الحرج عنها : وهكذا لقد كان فضل الله عز وجل عظيماً على هذه الأمة، إذ خفف عنها من التكليف ما كان يأخذ به غيرها من الأمم السابقة، فقد كان بنو إسرائيل: إذا أُمروا بشيء فنسوه، أو نهوا عن شيء فأخطؤوه وقارفوه عجل الله تعالى لهم العقوبة، وآخذهم عليه، بينما استجاب لهذه الأمة دعاءها الذي ألهمها إياه، وأرشدها إليه جل وعلا، إذ قال: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ}[202]. فتجاوز سبحانه عما يقع خطأً أو نسياناً فلم يؤاخذها به، قال سبحانه: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}[203]. أي لا تؤاخذون فيما وقع منكم خطأً، ومثله النسيان، ولكن تؤاخذون بما قصدتم إلى فعله. كما أنه سبحانه لم يكلفها من الأعمال ما تعجز عن القيام به في العادة، ولم يحملها من التكاليف ما فيه عسر وحرج، أو يوقع التزامه في مشقة وضيق، وذلك لامتثالها أمر الله عز وجل على لسان رسوله المصطفى r إذ قالت: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}[204].
المتجاوَزُ عنه الإثم، لا كل ما يترتب من الحكم: إن تصرف المكلف إذا لم يأت على وَفق ما جاء به الشرع ترتبت عليه أحكام: منها المؤاخذة والإثم، ومنها تدارك ما فات أو ضمان ما أتلف ونحو ذلك.
وقد قامت الأدلة من الشرع على أن المراد رفع الإثم والمؤاخذة، لا كل ما يترتب من أحكام، على تفصيل في الحكم .
( قال النووي رحمه الله : أي تجاوز عنهم إثم الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ، وأما حكم النسيان والمكره عليه فغير مرفوع،فلو أتلف شيئاً خطأً،أو ضاعت منه الوديعة نسياناً ضَمِنَ،ويُستثنى منه: ( الإكراه على الزنا والقتل) ، فلا يُباحان بالإكراه ، ويُستثنى من النسيان ما تعاطى الإنسان سببه ؛ فإنه يأثم بفعله لتقصيره)[205].
اقتضت حكمة الله عز وجل : أن لا يؤاخذ فرداً من هذه الأمة إلا إذا تعمد العصيان، وقصد قلبه المخالفة وترك الامتثال، عن رغبة وطواعية. والعفو عن ذلك _ أي عن إثم الخطأ والنسيان والإكراه _ هو مقتضى الحكمة والنظر، مع أنه تعالى لو آخذ بها لكان عادلاً. قتل الخطأ : من قصد إلى رمي صيد أو عدو فأصاب مسلماً أو معصوم الدم فإنه لا إثم عليه ولا ذنب، وإن كان هذا لا يعفيه من المطالبة بالدية والكفارة. تأخير الصلاة عن وقتها: من أخر الصلاة عن وقتها بعذر كنوم أو نسيان فإنه لا يأثم، ولكنه يطالب بالقضاء فور الاستيقاظ أو التذكر.
[ أمثلة :
1ـ رجل قص شعره وهو محرم جاهلاً ، فلا شيء عليه .
2ـ رجل تكلم بالصلاة ناسياً ، فصلاته صحيحة ولا شيء عليه .
3ـ رجل قتل شخص آخر عمداً ، فلا إثم عليه ، وإن كان هذا لا يعفيه من المطالبة بالدية والكفارة.
4ـ رجل أكره على الأكل والشرب في نهار رمضان ، فصومه صحيح ولا شيء عليه .
5ـ رجل أكل في نهار رمضان ناسياً ، فصومه صحيح ولا شيء عليه .
6ـ رجل نسي صلاة ، فلا إثم عليه ويقضيها .][206] .
تفصيل القول في حكم الخطأ والنسيان: أولاً: إن وَقَعَ الخطأ أو النسيان في ترك مأمور به لم يسقط، بل يجب تداركه. ومثال ذلك في الخطأ: ما لو دفع زكاة ماله إلى من ظنه فقيراً، فبان غنياً، لم تجزئ عنه، ووجب عليه دفعها للفقير، وله أن يرجع بها على الغني.
ثانياً: إن وقع الخطأ أو النسيان في فعل منهي عنه، ليس من باب الإتلاف، فلا شيء عليه. ومثاله في الخطأ: من شرب خمراً، ظاناً أنها شراب غير مسكر، فلا حد عليه ولا تعزيز، وفي النسيان : ما لو تطيب المحرم أو لبس مخيطاً ونحو ذلك، ناسياً فلا شيء عليه.
ثالثاً: إن وقع الخطأ أو النسيان في فعل منهي عنه، هو من باب الإتلاف، لم يسقط الضمان، ومثاله: ما لو قُدِّم له طعام مغصوب ضيافة، فأكل منه ناسياً أنه مغصوب أو ظناً منه أنه غير مغصوب، فإنه ضامن، ومثله لو قتل صيداً وهو محرم، ناسياً لإحرامه أو جاهلاً للحكم، فعليه الفدية.
مالا يعذر به الناسي : ما سبق من القول من رفع المؤاخذة عما وقع من تصرف نسياناً إنما هو في الناسي الذي لم يتسبب في نسيانه، أما من تسبب في ذلك كأن ترك التحفظ وأعرض عن أسباب التذكر، فإنه قد يؤاخذ عن تصرفه ولو وقع منه نسياناً، وذلك: كمن رأى نجاسة في ثوبه فتباطأ عن إزالتها حتى صلى بها ناسياً لها، فإنه يعد مقصراً مع وجوب القضاء عليه.
( الإكراه في الأقوال : ذهب جمهور العلماء ؛ منهم مالك والشافعي وأحمد إلى أنه يُباح لمن أُكره على أي قولٍ ؛ له أن يقوله ، ولا حرج ولا إثم عليه ، لأنَّ الله أجاز التلفَّظ بكلمة الكفر التي هي أعظم ذنب عُصي الله به فمن باب أولى جواز قول ما دون الكفر ، والإكراه في الأقوال مُتَصَوَّرٌ في جميع الأقوال في العقود والأيمان والنذور وغيرها.)[207] .
( قال ابن عثيمين رحمه الله : من أُكره على شيء قولي أو فعلي ؛ فإنه لا يؤاخذ به لقوله : ( وما استكرهوا) وهذا عام سواءٌ كان الإكراه على فعل أو على قول ، ولا دليل لمن فرَّق بين الإكراه على الفعل والإكراه على القول ، لكن إذا كان الإكراه في حق آدمي فإنه يُعامل بما تقتضيه الأدلة الشرعية ، مثل : أن يُكرِه شخصاً على قتل شخصٍ آخر ؛ فإنه يُقتل المُكرِهُ والمُكرَهُ ، لأنَّ الإكراه لا يُبيح قتل الغير ، ولا يمكن ولا يجوز للإنسان أن يستبقي حياته بإتلاف غيره . )[208] .
ما يترتب على فعل المكرَه: تختلف الأحكام المترتبة على فعل المكره حسب درجة الإكراه، وطبيعة الفعل المكره عليه:
أ ـ فقد يكون الإكراه ملجئاً: بمعنى أن المكره يصبح في حالة لا يكون له اختيار في فعل ما أُكره عليه بالكلية ولا قدرة لديه على الامتناع منه، وذلك: كمن رُبِط وحُمِلَ كرهاً، وأُدخل إلى مكان حلف على الامتناع من دخوله، فلا إثم عليه بالاتفاق، ولا يترتب عليه حنث في يمينه عند الجمهور.
ب ـ وقد يكون الإكراه غير ملجئٍ : بمعنى أن المكره يستطيع أن يمتنع عن فعل ما أكره عليه، فإذا كان المكره على هذه الحال فإن فعله يتعلق به التكليف، وذلك: كمن أكره بضرب أو غيره حتى فعل، فإن كان يمكنه أن لا يفعل فهو مختار لفعله، لكن ليس غرضه نفس الفعل، بل دفع الضرر عنه، فهو مختار من وجه، وغير مختار من وجه آخر، ولهذا اختلف فيه: هل هو مكلف أم لا ؟[انظر الفقه :كتاب الإكراه].
[ شروط الإكراه ليكون سبباً للتخفيف :
أولاً : أن يكون المكرِه قادر على إيقاع ما هدد به .
ثانياً : أن يكون المكرَه عاجزاً عن دفع هذا المكرِه .
ثالثاً : أن يكون هذا الإكراه مما يشق على المكرِه تحمله .
رابعاً : أن يظن أو يعلم المكرَه أن المكرِه سيوقع ما هدد به .
فائدة : لا يكون الإكراه سبباً للتخفيف في حالة واحدة ، وهي إذا أكره على قتل شخص ، فليس له أن يقتله حتى لو أدى إلى قتله ، وحكى بعض العلماء الإجماع على ذلك ، لأن قتله له افتداء لنفسه فيكون باختياره .
هذه الموانع سبب للتخفيف في حقوق الله ، لأنه مبني على العفو والرحمة ، وأما في حقوق الآدميين فلا تمنع من ضمان ما يجب ضمانه إذا لم يرض صاحب الحق بسقوطه .] .[209]
فوائد الحديث : 1 ـ أن هذه الأمور الثلاثة : الخطأ ، والنسيان ، والإكراه سبب للتخفيف ومنع التكليف :
الأول : النسيان : وهو ذهول القلب عن الشيء وعدم تذكره .
والدليل على أنه سبب للتخفيف ومانع من موانع التكليف ، قوله تعالى : } ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا {[210]، قال الله تعالى كما في صحيح مسلم : ( قد فعلت ) [211]، ولحديث الباب .
الثاني : الخطأ : وهو ضد العمد .
والدليل على أنه سبب للتخفيف ومانع من موانع التكليف ، قوله تعالى : } ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا{[212] ، وقوله تعالى : {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}[213] ، ولحديث الباب .
الثالث : الإكراه وهو : حمل الغير على أمر لا يرضاه لو خلي ونفسه ، بارتكاب النهي أو ترك الأمر.
والدليل على أنه سبب للتخفيف ومانع من موانع التكليف ، قوله تعالى : } إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمــان{[214] ، ولحديث الباب ، فمن أكره على طلاق زوجته ، فإنها لا تطلق ، ومن أكره على الكفر ، وقلبه مطمئن بالإيمان ، فلا شيء عليه .[215]
2 ـ أن الله تعالى لا يؤاخذ إلا عن عمد وتصميم [216]. 3 ـ لا يعاقب الله الناسي والمخطئ والمكره[217] . 4 ـ هذا الحكم خاص للأمة المحمدية[218] . 5 ـ إذا ضاق الأمر اتسع[219] . 6 ـ بيان رحمة الله ، حيث لا يكلف نفساً إلا وسعها . أي إلا طاقتها .[220] 7 ـ شرف هذه الأمة على غيرها .[221]
8 ـ النسيان من صفات الإنسان .[222]
الحديث الأربعون :
اغتنامُ الدُّنيا للفوزِ بالآخرة وقِصَرُ الأمل
أهمية الحديث ، مفردات الحديث ، المعنى العام:(1-الرسول المربي r 2-فناء الدنيا وبقاء الآخرة 3-الدنيا معبر وطريق للآخرة)
عن ابنِ عُمَرَ رضي اللهُ عنهما[223] قال: أَخَذَ رسُول اللهِ r بِمَنْكِبَيَّ فقال : "كُنْ في الدُّنْيا كأنَّكَ غَرِيبٌ ، أو عابرُ سبِيل".
وكانَ ابنُ عُمَرَ رَضي اللهُ عنهما يقولُ: إذا أمْسَيْتَ فلا تَنْتظرِ الصبَّاح، وإذا أصْبَحْتَ فلا تَنْتَظِرِ الَمسَاء ، وخُذْ مِنْ صحَّتِك لِمَرضِك، ومِنْ حَياتِك لِمَوْتِكَ. رَواهُ البُخاري.[224]
أهمية الحديث :
هذا الحديث أصل عظيم من أصول الحياة الإسلامية ، فهو يحثُّ على قصر الأمل ، وفيه ترغيب على التفرُّغ من هموم الدنيا والاشتغال بالآخرة[225] .
مفردات الحديث:
أخذ : أمسك . بمنكبيّ : بتشديد الياء، مثنَّى منكب،والمنكِب: مجتمع رأس العضد والكتف[226] . إذا أمسيت : دخلت في المساء، وهو من الزوال إلى نصف الليل.
إذا أصبحت : دخلت في الصباح، وهو من نصف الليل إلى الزوال.
المعنى العام: الرسول المربي : كان رسول الله r معلماً لأصحابه ومربياً، وقد سبق في تعليمه وتربيته لهم أحدث ما توصل إليه علماء التربية الحديثة من طرق ووسائل، فهو يغتنم الفرص والمناسبات، ويضرب لهم الأمثال، وينقل لهم المعنى المجرد إلى محسوس ومُشاهد، ويتخولهم بالموعظة ويخاطبهم بما تقتضيه حاجتهم، وتدركه عقولهم .
ورسول الله r في هذا الحديث يأخذ بمنكبي عبد الله بن عمر، لينبهه إلى ما يُلقى إليه من علم، وليشعره باهتمامه وحرصه على إيصال هذا العلم إلى قرارة نفسه. وحكمة ذلك ما فيه من التأنيس والتنبيه والتذكير، إذ محالٌ عادةً أن يَنْسَى من فُعِل ذلك معه، ففيه دليل على محبته r لابن عمر.
فناء الدنيا وبقاء الآخرة: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}[227] ، {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}[228].
فهذه الدنيا فانية مهما طال عمر الإنسان فيها، وهذه حقيقةٌ مشاهَدَةٌ، نراها كل يوم وليلة، والحياة الباقية هي الحياة الأخروية.
فالمؤمن العاقل هو الذي لا يغتر بهذه الدنيا، ولا يسكن إليها ويطمئن بها، بل يقصر أمله فيها، ويجعلها مزرعة يبذر فيها العمل الصالح ليحصد ثمراته في الآخرة، ويتخذها مطية للنجاة على الصراط الممدود على متن جهنم، وقال رسول الله r : " مالي وللدنيا ، إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قَالَ في ظِلِّ شجرةٍ في يومٍ صائفٍ ثم راح وتركها" .[229]
قَالَ : نام في النهار ليستريح .
الدنيا معبر وطريق للآخرة : والمؤمن إما غريب فيها أو عابر سبيل ، فهو لا يركن إليها ، ولا يُشْغَل بزخرفها ويخدع بما فيها ، إنما يستشعر المؤمن في نفسه وقلبه دائماً وأبداً، أن يعيش في هذه الدنيا عيش الغريب عن وطنه، البعيد عن أهله وعياله ، فهو دائماً وأبداً ، في شوق إلى الوطن ، وفي حنين إلى لقيا الأهل والعيال والأحباب ، ولا يزال قلبه يتلهف إلى مفارقته فهو لا يشيد فيه بناء ، ولا يقتني فراشاً ولا أساساً ، بل يرضى بما تيسر له ، ويدخر من دار الغربة ، ويجمع من الهدايا والتحف ، ما يتنعم به في بلده ، بين الأهل وذوي القربى ، لأنه يعلم أن هناك المقام والمستقر ، وهكذا المؤمن يزهد في الدنيا ، لأنها ليست بدار مقام ، بل هي لحظات بالنسبة للآخرة {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ}[230]، {وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ}[231].
بل إن المؤمن يعيش في هذه الدنيا ويستقر أقل مما يعيشه الغريب عن بلده ويقيم، فإن الغريب ربما طاب له المقام، واتخذ المسكن والأهل والعيال، وليس هذا حال المؤمن في الدنيا ، بل هو كالمسافر في الطريق، يمر مَرّ الكرام، ونفسه تتلهف إلى الوصول لموطنه ومستقره، والمسافر لا يتخذ في سفره المساكن بل يكتفي من ذلك بالقليل، قدر ما يؤنسه لقطع مسافة عبوره، ويساعده على بلوغ غايته وقصده.
وهكذا المؤمن في الدنيا يتخذ من مساكنها ومتاعها ما يكون عوناً في تحقيق مبتغاه في الآخرة من الفوز برضوان الله تعالى ويتخذ من الخلان من يدله على الطريق، ويساعده على الوصول إلى شاطئ السلامة {الأَخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ}[232] ويكون حَذِراً فيها من اللصوص وقُطَّاع الطرق الذين يبعدونه عن الله عز وجل وطاعته، كحال المسافر في الصحراء {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا * يَا وَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً}[233]. والمسافر يتزود لسفره، والمؤمن يتزود من دينه لآخرته قال الله تعالى: {وتزوَّدُوا فإنَّ خيرَ الزادِ التَّقوى واتَّقونِ يا أُولي الألباب}[234].
قال النووي في شرح الحديث : ” معنى الحديث : لا تركن إلى الدنيا ولا تتخذها وطناً ، ولا تحدث نفسك بطول البقاء فيها ، ولا بالاعتناء بها ، ولا تتعلق منها إلا بما يتعلق به الغريب في غير وطنه ، ولا تشتغل فيها بما لا يشتغل به الغريب الذي يريد الذهاب إلى أهله وبالله التوفيق “ .[235]
على المسلم أن يبادر إلى فعل الخير ، والإكثار من الطاعات والمُبرَّات ، فلا يهمل ولا يمهل ، على أمل التدارك في المستقبل ، لأنه لا يدري متى ينتهي أجله .
[ من أقوال السلف :
قال عيسى ابن مريم عليه السلام : ” من ذا الذي يبني على موج البحر داراً ، تلكم الدنيا فلا تتخذوها قراراً“ . [236]
وقال عليه الصلاة والسلام أيضاً : ” اعبروها ولا تعمروها “ .[237]
وقال أبو الدرداء t لأهل الشام : ” يا أهل دمشق استمعوا إلى قول أخ لكم ناصح ، قال : فاجتمعوا إليه ؛ فقال : ما لي أراكم تبنون ما لا تسكنون ؛ وتجمعون ما لا تأكلون وتأملون ما لا تدركون ؛ فإِنَّه من كان قبلكم بنوا شديداً وأَمَّلوا بعيداً وجمعوا كثيراً فأصبح أملهم غروراً ومجمعهم بوراً ومساكنهم قبوراً“ .[238]
قال عمر بن عبد العزيز : ” ألا إن الدنيا بقاؤها قليل ، وعزيزها ذليل ، وغنيها فقير ، وشبابها يهرم ، وحيها يموت ، فلا يغرنكم إقبالها مع معرفتكم بسرعة إدبارها ، فالمغرور من اغتر بها “ .[239]
وقال علي t : ” ارتحلت الدنيا مدبرة ، وارتحلت الآخرة مقبلة ، ولكل واحد منهما بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، فإن اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل “ .[240]
وقال ابن السماك : ” إن الموتى لم يبكوا من الموت ، ولكنهم يبكون من حسرة الفوت ، فاتتهم والله دار لم يتزودوا منها ، ودخلوا داراً لم يتزودوا لها “ .[241]
وقال بعض العلماء : ” أيها الإنسان إنما أنت نازل من الدنيا في منزل تعمره أيام عمرك ، ثم تخليه عند موتك لمن ينزله بعدك“ .[242]
قال الشافعي رحمه الله [243]:
إنَّ لله عِباداً فُطَـــنَا تركوا الدنيا وخافوا الفِتَنَا
نظروا فيها فلمَّا عَلِمُوا أنها ليست لحيٍّ وَطَنَــا
جعلوها لُجَّةً واتخــذوا صالحَ الأعمالِ فِيْهَا سُفُنَا
أحسن علاج للزهد في الدنيا وعدم الركون إليها هو قصر الأمل .
قال ابن القيم رحمه الله : ” فأما قصر الأمل فهو العلم بقرب الرحيل ، وسرعة انقضاء مدة الحياة ، وهو من أنفع الأمور للقلب ، فإنه يبعثه على معافصة الأيام ، وانتهاز الفرص التي تمر مر السحاب ، ومبادرة طي صحائف الأعمال ، ويثير ساكن عزماته إلى دار البقاء ، ويحثه على قضاء جهاز سفره ، وتدارك الفارط ، ويزهده في الدنيا ، ويرغبه في الآخرة ، فيقوم بقلبه _ إذا داوم مطالعة قصر الأمل _ شاهد من شواهد اليقين ، يريه فناء الدنيا ، وسرعة انقضائها ، وقلة ما بقي منها ، وأنها قد ترحلت مدبرة ، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء يتصابها صاحبها ، وأنها لم يبق منها إلا كما بقي من يوم صارت شمسه على روؤس الجبال ، ويريه بقاء الآخرة ودوامها ، وأنها قد ترحلت مقبلة ، وقد جاء أشراطها وعلاماتها ، وأنها مع لقائها كمسافر قد خرج صاحبه يتلقاه ، فكل منهما يسير إلى الآخر ، فيوشك أن يلتقيا سريعاً “ ، إلى أن قال رحمه الله : ” ويكفي في قصر الأمل :
قوله تعالى : } أفرأيت إن متعناهم سنين * ثم جاءهم ما كانوا يوعدون * ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون {[244]. وقوله تعالى : } ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم {[245]. وقوله تعالى : } كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها {[246] . وقوله تعالى : } قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم فاسأل العادين * قال إن لبثتم إلا قليلاً لو أنكم كنتم تعلمون{[247]. وقوله تعالى : } كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون{[248]. وقوله تعالى : { يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشراً * نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوماً }[249] .
وخطب النبي e أصحابه يوماً والشمس على روؤس الجبال فقال : إنه لم يبق من الدنيا فيما مضى منها إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه “ .[250]
ثم قال رحمه الله : ” وقصر الأمل بناؤه على أمرين : تيقن زوال الدنيا ومفارقتها ، وتيقن لقاء الآخرة وبقائها ودوامها ، ثم يقايس بين الأمرين ويؤثر أولاهما بالإيثار “ .[251]
كان علي t يشتد خوفه من اثنتين : طول الأمل ، واتباع الهوى ، وكان يقول : ” يا أيها الناس إن أخوف ما أخاف عليكم طول الأمل واتباع الهوى ، فأما طول الأمل فيُنسي الآخرة وأما اتباع الهوى فيُضِلُّ عن الحق ؛ ألا إن الدنيا قد وَلَّتْ مدبرةً والآخرة مقبلةً ولكل واحدة منهما بنون ؛ فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا ؛ فإِنَّ اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل “ .[252]
وحكي في قصر الأمل أن امرأة حبيب أبي محمد قالت : ” كان يقول لي – تعني أبا محمد – إن مت في اليوم فأرسلي إلى فلان يغسلني وفعلي كذا ،واصنعي كذا ،فقيل لامرأته : أَرأي رؤيا ؟ قالت:هذا يقوله في كل يوم “.[253]
وعن إبراهيم بن سبط قال : ” قال لي أبو زرعة : لأقولن لك قولاً ما قلته لأحد سواك : ما خرجت من المسجد منذ عشرين سنة ، فحدثت نفسي أن أرجع إليه “ .[254]
فوائد ذكر الموت :
يردع عن المعاصي _ ويلين القلب القاسي _ ويذهب السرور بالدنيا _ ويزهد فيها _ ويهون المصائب _ ويبعث على الجد والاجتهاد في العمل للآخرة .
فالمقصود الأعظم من ذكر الموت الاستعداد له بالعمل الصالح .
قال تعالى : } حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون * لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون {[255] .
وقال تعالى : } وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين * ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون {[256] .
بالموت ينقطع عمل الإنسان،قال e :( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث ... ) رواه مسلم.[257]
من أقوال السلف :
قال الحسن t : ” فضح الموت الدنيا فلم يترك فيها لذي لُبٍّ فرحاً “ .[258]
وقال كعب الأحبار : ” من ذكر الموت هانت عليه المصائب “ .[259]
وكتب رجل إلى بعض إخوانه : يا أخي احذر الموت في هذه الدار من قبل أن تصير إلى دار تتمنى الموت فيها فلا يُوجد ويُطلَبُ فيها فلا يُدْرَكُ .[260]
وقال شميط بن عجلان : ” من جعل الموت نصب عينيه لم يبال بضيق الدنيا ولا بسعتها “ .[261]
وقال أبو الدرداء t : ” إذا ذكرت الموتى فعد نفسك كأحدهم “ .[262]
وقد جاءت نصوص في الحث على العمل والمبادرة إليه :
ففي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله e : ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ ) رواه البخاري .[263]
وقال e : ( اغتنم خمساً قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك ) رواه الحاكم .[264]
قال ابن رجب رحمه الله : ” والمراد من هذا أن هذه الأشياء كلها تعوق عن الأعمال ، فبعضها يشغل عنه ، إما في خاصة الإنسان ، كفقره ، وغناه ، ومرضه ، وهرمه ، وموته ، وبعضها عام كقيام الساعة وخروج الدجال ، وكذلك الفتن المزعجة ، كما جاء في حديث آخر : ( بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم ) “ . [265]
وقال عمر t : ” التؤدة في كل شيء خير إلا ما كان من أمر الآخرة “ .[266]
وكان الحسن البصري رحمه الله يقول : ” يا عجباً لقوم أمروا بالزاد ، ونودي فيهم بالرحيل ، وحُشِرَ أولهم على آخرهم ، وهم مع ذلك قعود يلعبون “ .[267]
وقال أبو حازم:”إن بضاعة الآخرة كاسدة، يوشك أن تنفق فلا يوصل منها إلى قليل ولا كثير“.[268]
وكانوا يبادرون بالأعمال غاية ما يمكن :
فكان ابن عمر يصلي ما قُدِّرَ له ( ثم ) يأوي إلى فراشه ؛ فيُغفي إغفاءَ الطائرِ ؛ ثم يقوم فيتوضأ ويصلي ثم يرجع فكان يفعل ذلك في الليل أربع مرات أو خمساً .[269]
وكان عمير بن هانئ يسبح كل يوم مائة ألف تسبيحة .[270]
ولما حضرت أبا بكر بن عياش الوفاة بكت أخته فقال : لا تبك ـ وأشار إلى زاوية في البيت ـ فقد ختم أخوك في تلك الزاوية ثمانية عشر ألف ختمة “ .[271] ] [272].
ما يستفاد الحديث: 1 ـ على المسلم أن يغتنم المناسبات والفرص ، إذا سنحت له ، وقبل أن يفوت الأوان .
2 ـ وفي الحديث حث على الزهد في الدنيا، والإعراض من مشاغلها، وليس معنى ذلك ترك العمل والسعي والنشاط، بل المراد عدم التعلق بها والاشتغال بها عن عمل الآخرة. 3 ـ شأن المسلم أن يجتهد في العمل الصالح، ويكثر من وجوه الخير، مع خوفه وحذره دائماً من عقاب الله سبحانه وتعالى، فيزداد عملاً ونشاطاً، شأن المسافر الذي يبذل جهده من الحذر والحيطة، وهو يخشى الانقطاع في الطريق، وعدم الوصول إلى المقصد.
4 ـ الحذر من صحبة الأشرار، الذين هم بمثابة قطاع الطرق، كي لا ينحرفوا بالمسلم عن مقصده، ويحولوا بينه وبين الوصول إلى غايته. 5 ـ العمل الدنيوي واجب لكف النفس وتحصيل النفع، والمسلم يسخِّر ذلك كله من أجل الآخرة وتحصيل الأجر عند الله تعالى. 6 ـ الاعتدال في العمل للدنيا والآخرة. 7 ـ لا تركن إلى الدنيا ولا تتخذها وطناً[273] . 8 ـ اغتنام الصحة بالعمل الصالح[274] . 9 ـ إن الإنسان إذا لم يستغل حياته وصحته فإنه يندم حين لا ينفع الدم ، ويتمنى الرجوع فلا يستطيع .
قال تعالى : } أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين * أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين * أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين {[275] ، وقال تعالى : }حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون * لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون {[276].
قال سعيد بن جبير رحمه الله : ” كل يوم يعيشه المؤمن غنيمة “ .[277]
10 ـ طلب الزاد لدار الرحيل[278] .
11 ـ قِصَرُ الأمل و الإسراع في التوبة و الاستعداد للموت[279] .
12 ـ الحرص على الوقت[280] .
13 ـ ينبغي للمعلم أن يفعل الأسباب التي يكون فيها انتباه المخاطب ، لأن النبي r أخذ بمنكبي عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما[281] .
14 ـ مخاطبة الواحد وإرادة الجمع ، فإن هذا لا يخص ابن عمر وحده t بل يعم جميع الأمة .
15 ـ فضيلة عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حيث تأثر بهذه الموعظة من النبي r [282]، [ وامتثل ابن عمر وصية رسول الله e قولاً وعملاً .
أما قولاً ، فإنه كان يقول : ” إذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك “ .
وأما في الفعل : فقد كان t على جانب كبير من الزهد فيها والقناعة منها باليسير الذي يقيم صلبه ويستر بدنه ، وما سوى ذلك يقدمه لغده .
قال جابر بن عبد الله t :”ما رأينا أحداً إلا قد مالت به الدنيا أو مال بها إلا عبد الله بن عمر“.[283]
وقالت عائشة رضي الله عنها: ” ما رأيت أحداً ألزم للأمر الأول من ابن عمر “ .[284] ][285]
الحديث الحادي والأربعون:
اتباعُ شرعِ اللهِ تعالى عِمَادُ الإِيمان وهدي المؤمن
ترجمة الراوي ، درجة الحديث ، ترجمة الراوي ، أهمية الحديث ، مفردات الحديث ، المعنى العام:(1-المسلم إنسان متكامل 2-حقيقة الهوى وأنواعه 3-اتباع الهوى منشأ المعاصي والبدع والإعراض عن الحق 4-محبة الله تعالى ورسوله r 5-عنوان المحبة :الموافقة والاتباع 6-حلاوة الإيمان 7-الاحتكام إلى شرع الله عز وجل والرضا بحكمه ) ما يستفاد من الحديث
عن أبي محمَّدٍ عَبدِ الله بنِ عَمرو بْنِ الْعاص رَضي اللهُ عنهما قال : قال رسولُ اللهِ r : " لا يُؤمِنُ أحَدُكُمْ حتَّى يكُونَ هَواهُ تَبَعَاً لِمَا جِئْتُ به " . حديثٌ حسن صَحِيح ، رَوَيْنَاهُ في " كتاب الْحُجَّةِ " بإسْنادٍ صَحيحٍ .
ترجمة الراوي : هو عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم القرشـي ، أبو محمد وقيل أبو عبد الرحمن وقيل أبو نصير ، يُقال كان اسمه العاص فسمّاه الرسول r عبد الله ، وقد سبق أباه عمرو بن العاص للإسلام ، وقال فيهم النبي r : ( نعم أهل البيت عبد الله وأبو عبد الله وأم عبد الله ) [286]، ولم يكن بينه وبين أبيه في السن سوى إحدى عشرة سنة وقيل : ( 12 ) وقيل : ( 13 ) سنة ، ومنذ أن أسلم لم يعد الليل والنهار يتّسعان لتعبّـده ونسكـه ، فعكـف على القرآن يحفظه ويفهمه ، وجلس في المسجد متعبداً ، وفي داره صائماً و قائماً ، لا ينقطع عن الذكر أبداً ، وإذا خرج المسلمون لقتال المشركين خرج معهم طالبا للشهادة ، وكان مجتهدا في العبادة غزير العلم قال أبو هريرة t ما كان أحد أكثر حديثاً عن رسول الله r مني إلا عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب وكنت لا أكتب ، قال الطبري : قيل كان طوالاً أحمر عظيم الساقين أبيض الرأس واللحية وعمي في آخر عمره ، وكان مع أبيه إلى أن توفي أبوه بمصر ، ثم انتقل إلى الشام ثم إلى مكة ، وحين بلوغه الثانية والسبعين من عمره المبارك وقيل الثالثة والسبعين ، وإذ هو في مُصلاّه ، يتضرع إلى ربه ، ويسبح بحمده ، دُعيَ إلى رحلة الأبد ، فذهبت روحه تسعى وتطير إلى لقاء الأحبة ، توفي عبد الله بن عمرو بن العاص t ليالي الحرّة بالطائف وقيل في مصر وقيل في مكة وقيل بفلسطين وقيل بعجلون وقيل بالشام ، سنة ( 63 هـ) من شهر ذي الحجة، وقيل : سنة ( 65 ) وقيل : سنة (68) وقيل : سنة (69 ) وقيل : سنة ( 73 ) وقيل : سنة ( 77 ) وقيل غير ذلك.
ولما توفى لم يقدروا أن يخرجوا بجنازته لمكانة الحرب بين مروان بن الحكم وعسكر ابن الزبير فدفن بداره t ، ومروياته ( 700 ) حديثاً .[287]
درجة الحديث : ضعيف ، قال ابن رجب رحمه الله : تصحيح هذا الحديث بعيدٌ جداً من وجوه[288]، وقال الألباني : سنده ضعيف .[289] أهمية الحديث : هذا الحديث يصلح أن يُقال فيه : إنه كلُّ الإسلام ، لإفادته أن من كان هواه تبعاً لجميع ما جاء به النبي r ، فهو المؤمن الكامل ، ومن أعرض عن جميع ما جاء به ؛ ومنه الإيمان ، فهو كافر[290] .
مفردات الحديث:
لا يؤمن : لا يكمل إيمانه، أو لا يصح .
هواه : ما تحبه نفسه ويميل إليه قلبه ويرغبه طبعه.[291]
تبعاً : تابعاً له بحيث يصبح اتِّباعه كالطبع له. لما جئت به : ما أرسلني الله تعالى به من الشريعة الكاملة.
المعنى العام: المسلم إنسان متكامل : المسلم إنسان تتكامل فيه جوانب الشخصية المثالية، فلا تعارض بين قوله وفعله، ولا تناقض بين سلوكه وفكره، بل هو إنسان يتوافق فيه القلب واللسان مع سائر أعضائه، كما يتناسق لديه العقل والفكر والعاطفة، وتتوازن عنده الروح والجسد، ينطق لسانه بما يعتقد، وتنعكس عقيدته على جوارحه، فتُقَوِّم سلوكَه وتُسَدِّد تصرفاته، فلا تتملكه الشهوة، ولا تطغيه بدعة، ولا تهوي به متعة، منطلقه في جميع شؤونه وأحواله شرعُ الله تعالى الحكيم، وهذا ما يقرره رسول الله r عندما ينصب لنا العلامة الفارقة للمسلم المؤمن فيقول : " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به " .
حقيقة الهوى وأنواعه: قد يطلق الهوى ويراد به الميل إلى الحقِّ خاصة، ومحبته والانقياد إليه ، ومنه ما جاء في قول عائشة رضي الله عنها : ما أُرَى ربك إلا يُسارعُ في هواك .[292]
وقد يُطلق ويراد به : الميل والمحبة مطلقاً ، فيشمل الميل إلى الحق وغيره ، وهذا المعنى هو المراد في الحديث .
وقد يطلق ويراد به مجرد إشباع شهوات النفس وتحقيق رغباتها ، وهذا المعنى هو المراد عند إطلاق كلمة الهوى، وهو الأكثر في الاستعمال ، وهو المعنى الذي تضافرت نصوص الشرع على ذمه والتحذير منه والتنفير عنه ، إذ الغالب فيه أن يكون ميلاً إلى خلاف الحق ، وتحقيق مشتهيات الطبع دون مقتضيات الشرع ، فيكون سبيل الضلال والشقاء ، قال الله تعالى مخاطباً داود عليه السلام : {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}[293].
[ التحذير من اتباع الهوى :
وقد حذر الله من اتباع الهوى ، فقال تعالى : } يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله {[294] .
واتباع الهوى هو منشأ المعاصي ، قال تعالى : } فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهــم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله {[295] .
ومتبع الهوى ليس أهلاً أن يطاع ، قال تعالى : } بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم {[296] .
واتباع الهوى من المهلكات ، قال e : ( ثلاثٌ مهلكاتٌ وثلاثٌ منجياتٌ ، فالثلاثُ المهلكاتُ : شُحٌّ مُطاعٌ وهوىً مُتَّبَعٌ وإعجابُ المرءِ بنفسه ، وقال : وثلاثٌ منجياتٌ : خشيةُ الله في السرِّ والعلانيةِ والقصدُ في الفقرِ والغنى والعدلُ في الغضبِ والرضا).[297]
الهوى حِظَارُ[298]جهنم المحيط بها ، فمن وقع فيه وقع ، قال e : ( حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات ) رواه مسلم .[299]
جعل الله سبحانه متبع الهوى بمنزلة عابد الوثن ، قال تعالى : } أرأيت من اتخذ إلهه هواه {[300] ][301]
اتباع الهوى منشأ المعاصي والبدع والإعراض عن الحق: فمن استرسل في شهواته، وأعطى نفسه هواها، جرته إلى المعاصي والآثام، وأوقعته في مخالفة شرع الله عز وجل، وفي الحقيقة : ما انحرف المنحرفون ، وما ابتدع المبتدعون ، وما أعرض الكافرون الفاسقون والمارقون ، عن المنهج القويم والحق المبين ، لعدم وضوح الحق أو عدم اقتناعهم به _ كما يزعمون _ فالحق واضح أبلج، والباطل ملتبس لجلج [302]، وإنما بدافع الهوى المُتَّبَع ، قال تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ}[303].
الهوى المتبع إله يُعْبَد من دون الله عز وجل : إن العبادة هي الانقياد والخضوع، فمن انقاد لهواه وخضع لشهواته فقد أصبح عبداً لها. وإن الهوى والشهوات لا تزال بالإنسان حتى تتمكن منه وتسيطر عليه، فلا يصدر في تصرفاته إلا عنها، ولا يأتمر إلا بأمرها، وإن خالف فكره وعقله، وناقض معرفته وعلمه. وهكذا تجد عَبَدَة الهوى يغمضون أعينهم عن رؤية الحق، ويصمون آذانهم عن سماعه، فلا يعرفون استقامة ولا يهتدون سبيلاً .
[ قال ابن عباس t : الهوى إله يعبد من دون الله ، ثم تلا : {أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ}[304]][305]، ويُروى : " ما تحت ظل السماء إله يعبد أعظم عند الله تعالى من هوى متبع " .[306]
أعظم : أي أكثر إثماً لأنه أوسع شراً .
والإنسان بما مُنِح من القوة العاقلة وما أعطي من الاختيار والقدرة بمَلْكِه أن يخالف هواه ويسيطر على نوازع الشر ويكبتها، ويجاهد نفسه ويحملها على السمو في درجات الخير والتقوى فيبوؤها المرتبة اللائقة بها من التكريم والتفضيل، فإن هو فعل ذلك كان سلوكه عنوان قوته العقلية وبشريته المثالية وإنسانيته المتكاملة، وإن هو انهزم أمام نوازع الشر واستسلم لهواه وانحدر في دركات الرذيلة فقد انحط بإنسانيته، وأَسَفَّ بكرامته، فكان هذا عنوان حماقته وضعفه، قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}[307]، وقالe : " المجاهدُ من جاهدَ نفسه " .[308]
وأما مجاهدة النفس والتمرد على الهوى فهي نتيجة المعرفة الحقة بالله عز وجل، واستشعار عظمته وإدراك نعمته ، ولا يزال العبد يجاهد نفسه حتى ينسلخ كلياً من عبودية الهوى إلى العبودية الخالصة لله عز وجل، ويكتمل فيه الإيمان، ويثبت لديه اليقين، ويكون من الفائزين بسعادة الدارين، قال الله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}[309].
[ كيفية التخلص من الهوى المذموم :
أولاً : جرعة صبر يصبر نفسه على مرارتها تلك الساعة .
ثانياً : فرحه بغلبة عدوه وقهره له ورده خاسئاً بغيظه وغمه وهمه حيث لم ينل منه أمنيته .
ثالثاً :أن مخالفة الهوى تورث قوة في بدنه وقلبه ولسانه .
قال سليمان بن داود : الغالب لهواه أشد من الذي يفتح المدينة وحده .[310]
وفي الحديث : ( ليس الشديد بالصرعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) متفق عليه.[311]
رابعاً : أن جهاد الهوى من أعظم الجهاد .
قال ابن القيم : ” وسمعت شيخنا يقول : جهاد النفس والهوى أصل جهاد الكفار والمنافقين ، فإنه لا يقدر على جهادهم حتى يجاهد نفسه وهواه أولاً حتى يخرج إليهم “[312] . ] [313]
محبة الله تعالى ورسوله r: حتى يتحقق لدى المسلم أصل الإيمان، ويسير في طريق بلوغ كماله، لابد من أن يحب ما أحبه الله تعالى، محبة تحمله على الإتيان بما وجب عليه منه وما ندب إلى فعله، وأن يكره ما كرهه الله تعالى، كراهة تحمله على الكف عما حرم عليه منه وما ندب إلى تركه، وهذه المحبة لما أحبه الله تعالى والكراهة لما كرهه، لا تتحققان إلا إذا أحب الله تعالى ورسوله r حباً يفوق حبه لكل شيء، بحيث يضحي في سبيلهما بكل شيء، ويقدمهما على كل شيء.
وروى البخاري واللفظ له ومسلم عن أنس t : قال رسول الله r : " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين " .[314]
عنوان المحبة الموافقة والاتباع : المحبة الصحيحة تقتضي متابعة المحب لمن أحب ، وموافقته فيما يحب ويكره ، قولاً وفعلاً واعتقاداً ، قال الله تعالى : {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ.. }[315] فمن ترك شيئاً مما يحبه الله عز وجل ورسوله r ، وفعل شيئاً يكرهانه ، مع قدرته على فعل المحبوب وترك المكروه ، كان في إيمانه خلل ونقص ، عليه أن يسعى لإصلاحه وتداركه ، وكانت محبته دعوى تحتاج إلى بينة .
حلاوة الإيمان : للإيمان أثر في النفوس، وطعم في القلوب، أطيب لدى المؤمنين من الماء العذب البارد على الظمأ، وأحلى من طعم العسل بعد طول مرارة المذاق. وهذه المحبة وذاك الطيب، لا يشعر بهما ولا يجد لذتهما إلا من استكمل إيمانه، وصدقت محبته لله تعالى ولرسوله r، وأثمرت في جوانب نفسه، فأصبح لا يحب إلا لله، ولا يبغض إلا لله، ولا يعطي إلا لله، ولا يمنع إلا لله .
روى البخاري ومسلم : عن أنس t عن النبي r قال : " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُقْذَفَ في النار " .[316] حلاوة الإيمان : معناها اللذة في الطاعة .
الاحتكام إلى شرع الله عز وجل والرضا بحكمه : من لوازم الإيمان أن يحتكم المسلم إلى شرع الله عز وجل في خصوماته وقضاياه ، ولا يعدل عنه إلى سواه .
النموذج المثالي : لقد كان أصحاب رسول الله r النموذج المثالي في صدق محبتهم لله تعالى ورسوله r، وحبهم ما يرضيهما وبغضهم ما يسخطهما ، وتقديم محبتهما على كل شيء، وتكييف أهوائهم تبعاً لما جاء به رسول الله r، حتى بذلوا في سبيل ذلك نفوسهم وأرواحهم وأموالهم، وقاتلوا عليه آباءهم، وهجروا أزواجهم وعشيرتهم وأوطانهم، لأنهم كانوا أعرف بحقه وأدرك لفضله r .
ما يستفاد من الحديث :
1 ـ أنه يجب على المسلم أن يعرض عمله على الكتاب والسنة، ويسعى لأن يكون موافقاً لهما.
2 ـ من صَدَّق شرع الله تعالى بقلبه وأقر بلسانه وخالف بفعله فهو فاسق، ومن وافق بفعله وخالف في اعتقاده وفكره فهو منافق، ومن لَبِسَ لكلِّ مَوْقِفٍ لَبُوسَهُ فهو زنديقٌ مارقٌ .
3 ـ من لوازم الإيمان نصرة سنة رسول الله r والدفاع عن شريعته .
4 ـ الإعراض عن متابعة النبي r كفر وفسق[317] .
5 ـ أن الإيمان قد يُنفى عن من قصَّر في بعض واجبه في قوله : (( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به )) وهذا موقوف على ما ورد به الشرع ، فليس للإنسان أن ينفي الإيمان عن الشخص بمجرد أنه رآه على معصية حتى يثبت بذلك دليل شرعي[318] .
6ـ [ أن الإيمان يزيد وينقص ، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة[319]، يزيد بالطاعات وينقص بالعصيان. قال تعالى : } وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً {[320] وقال تعالى : }ويزداد الذين آمنوا إيماناً{[321] وقال تعالى : }ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم {[322] .
ووصف النبي e النساء بنقصان العقل والدين .
وكان عمر t يقول : ” هَلُمُّوا نزدد إيماناً “[323] ، وكان ابن مسعود t يقول : ” اللهم زدنا إيماناً ويقيناً وفقهاً “ .[324]
وكان معاذ بن جبل t يقول لرجل : ” اجلس بنا نؤمن ساعة “ [325].][326]
7 ـ على المسلم أن يُجهد نفسه حتى يكون هواه متابعة النبي r [327] .
8 ـ وجوب محبة النبي r، واتباعه فيما يأمر به ، والانتهاء عمَّا نهى عنه من غير توقف، ولا تلعثم[328] .
9 ـ [ وجوب الاستسلام والانقياد لأوامر الله تعالى ، قال تعالى : } فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكِّموك فيما شجر بينهم{[329] ].[330]
10 ـ أن الشريعة كاملة .[331]
الحديث الثاني والأربعون:
سعةُ مَغْفِرة اللِه عَزَّ وجَل
درجة الحديث ، منزلة الحديث ، مفردات الحديث ، المعنى العام:(1-أسباب المغفرة 2-شرائط الإجابة وموانعها وآدابها :"أ- الحضور والرجاء ، ب- العزم في المسألة والدعاء ،ج- الإلحاح في الدعاء، د- الاستعجال وترك الدعاء، هـ- الرزق الحلال " 3-من آداب الدعاء 4-الاستغفار مهما عظمت الذنوب 5-الاستغفار وعدم الإصرار 6-توبة الكذابين 7-الإكثار من الاستغفار 8-سيد الاستغفار 9-الاستغفار لما جهله من الذنوب 10-من ثمرات الاستغفار 11-الخوف والرجاء 12-التوحيد أساس المغفرة 13-النجاة من النار 14-التوحيد الخالص) ، فوائد الحديث .
عن أنسٍ t[332] قال : سمِعْتُ رسولَ اللهِ r يقول : " قال الله تبارك وتعالى : يا بن آدَمَ إِنَّكَ ما دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لك على ما كان فِيكَ ولا أُبَالِي يا بن آدَمَ لو بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لك ولا أُبَالِي يا بن آدَمَ إِنَّكَ لو أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأرض خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لا تُشْرِكُ بِي شيئاً لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً " . رواه الترمذي[333]، وقال : هذا حَدِيثٌ [ حسن ] غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إلا من هذا الْوَجْهِ .
درجة الحديث : صحيح ، صححه الألباني .[334]
منزلة الحديث : الحديث عظيم الشأن ، لأنه دلَّ على عظم شأن التوحيد ، وعظم الأجر الذي أعدَّه الله للموحدين ، كما دلَّ على سعة مغفرة الله لعباده ، كما فيه ترغيب عظيم بالاستغفار والتوبة والإنابة إليه سبحانه وتعالى[335] .
مفردات الحديث:
ما دعوتني : ما دمت تسألني مغفرة ذنوبك وغيرها.( ما ) : زمانية ظرفية ، مصدرية ، شرطية ، أي مدة دوام دعائك.
رجوتني : خفت من عقوبتي ورجوت مغفرتي، وطمعت في رحمتي، وخشيت من عظمتي.
على ما كان فيك : مع ما وقع منك من الذنوب الكثيرة، الصغيرة والكبيرة.
و لا أبالي : أي لا تعظم كثرتها عَلَيَّ ، [ ولا أهتم ] [336]. بلغت : وصلت من كثرة كميتها، أو من عظمة كيفيتها. عنان : هو السحاب، وقيل ما انتهى إليه البصر منها. استغفرتني : طلبت مني المغفرة. قراب الأرض : ملؤها، أو ما يقارب ملأها. لقيتني : أي مت ولقيتني يوم القيامة. لا تشرك بي شيئاً : اعتقاداً ولا عملاً، أي تعتقد أنه لا شريك لي في ملكي ولا ولد لي ولا والد، ولا تعمل عملاً تبتغي به غيري. مغفرة : هي إزالة العقاب وإيصال الثواب.
المعنى العام: هذا الحديث أرجى حديث في السنة، لما فيه من بيان كثرة مغفرته تعالى، لئلا ييأس المذنبون منها بكثرة الخطايا، ولكن لا ينبغي لأحد أن يغتر به فينهمك في المعاصي : فربما استولت عليه، وحالت بينه وبين مغفرة الله عز وجل ـ وإليك بيان ما فيه:
أسباب المغفرة: الدعاء مع رجاء الإجابة: الدعاء مأمور به وموعود عليه بالإجابة، قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[337] ، عن النبي r قال : " الدعاء هو العبادة " رواه أبو داود .[338]
أخرج الطبراني مرفوعاً : " من أعطي الدعاء أعطي الإجابة، لأن الله تعالى يقول : ادعوني أستجب لكم".[339]
وفي حديث آخر : " ما كان الله ليفتح على عبد باب الدعاء ويغلق عنه باب الإجابة " .[340]
شرائط الإجابة وموانعها وآدابها:
الدعاء سبب مقتض للإجابة عند استكمال شرائطه وانتفاء موانعه، وقد تتخلف الإجابة لانتفاء بعض شروطه أو آدابه، أو وجود بعض موانعه:
الحضور والرجاء: ومن أعظم شرائطه حضور القلب مع رجاء الإجابة من الله تعالى.
أخرج الترمذي من حديث أبي هريرة t عن النبي r قال : " ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ، واعلموا أَنَّ الله لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ " .[341]
العزم في المسألة والدعاء : أي أن يدعو العبد بصدق وحزم وإبرام، ولا يكون تردد في قلبه أو قوله، فقد نهى رسول الله r أن يقول الداعي أو المستغفر في دعائه واستغفاره : " اللهم اغفر لي إن شئت ، اللهم ارحمني إن شئت ، ليعزم في الدعاء ، فإن الله صانعٌ ما شاء لا مُكْرِه له " رواه مسلم .[342]
الإلحاح في الدعاء: إن الله تعالى يحب من عبده أن يعلن عبوديته له وحاجته إليه حتى يستجيب له ويلبي سؤله، فما دام العبد يلح في الدعاء، ويطمع في الإجابة، من غير قطع الرجاء، فهو قريب من الإجابة، ومن قرع الباب يوشك أن يُفْتَح له.
الاستعجال وترك الدعاء: نهى رسول الله r العبد أن يستعجل ويترك الدعاء لاستبطاء الإجابة، وجعل ذلك من موانع الإجابة، حتى لا يقطع العبد رجاءه من إجابة دعائه ولو طالت المدة، فإنه سبحانه يحب الملحين في الدعاء، قال رسول الله r : " يستجاب لأحدكم ما لم يعجل ؛ يقول : دعوت فلم يُسْتَجَب لي " متفق عليه .[343]
الرزق الحلال : إن من أهم أسباب استجابة الدعاء أن يكون رزق الإنسان حلالاً ، ومن طريق مشروع ، ومن موانع الاستجابة أن لا يبالي الإنسان برزقه : أمن حلال أو حرام ؟ ثبت عنه r : " الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء ، يقول : يا رب ، يا رب ، ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغُذِيَ بالحرام ، فَأَنَّى يُستجاب لذلك " رواه مسلم[344] ، وقال : " يا سعد ، أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة " رواه الطبراني في " الأوسط ".[345]
صرف طلب العبد إلى ما فيه خيره: من رحمة الله تعالى بعبده أن العبد قد يدعوه بحاجة من حوائج الدنيا، فإما أن يستجيب له أو يعوضه خيراً منها : بأن يصرف عنه بذلك سوءاً، أو يدخرها له في الآخرة،أو يغفر له بها ذنباً.
روى الترمذي من حديث جابر، عن النبي r قال : " ما من أحد يدعو بدعاء إلا آتاه الله ما سأل، أو كف عنه من السوء مثله، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم " .[346]
وفي المسند عن أبي سعيد t عن النبي r قال : " ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها أثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث : إما أن تُعَجَّلَ له دعوتُه وإمَّا أن يَدَّخِرَها له في الآخرة وإما أن يُصرف عنه من السوءِ مثلها ، قالوا : إذاً نُكْثِر ، قال : الله أكثر " .[347]
وعند الطبراني : " إما أن يَغْفِرَ له بها ذنباً قد سلف "[348] بدل قوله :" إما أن يُصرف عنه من السوءِ مثلها ".
من آداب الدعاء:
1ـ تحري الأوقات الفاضلة .
2 _ تقديم الوضوء والصلاة .
3 _ التوبة .
4 _ استقبال القبلة ورفع الأيدي .
5 _ افتتاحه بالحمد والثناء والصلاة على النبي r .
6 _ جعل الصلاة في وسطه وختمه بها وبآمين .
7 _ لا يخص نفسه بالدعاء بل يعم .
8 _ يحسن الظن بالله ويرجو منه الإجابة .
9 _ الاعتراف بالذنب .
10 _ خفض الصوت .
الاستغفار مهما عظمت الذنوب: إن ذنوب العبد مهما عظمت فإن عفو الله تعالى ومغفرته أوسع منها وأعظم، فهي صغيرة في جنب عفو الله تعالى ومغفرته .
أخرج الحاكم عن جابر t : " أن رجلاً جاء إلى النبي r وهو يقول : واذنوباه واذنوباه ؛ فقال هذا القول مرتين أو ثلاثاً ؛ فقال له رسول الله r : قل : اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبي ورحمتك أرجى عندي من عملي ، فقالها ؛ ثم قال : عُدْ ؛ فعادَ ، ثم قال : عُدْ ؛ فعادَ ؛ فقال : قُمْ فقد غَفَرَ اللهُ لَكَ " .[349]
الاستغفار وعدم والإصرار: في الصحيحين: عن أبي هريرة t عن النبي r قال : " إن عبداً أصاب ذنباً وربما قال : أذنب ذنباً ؛ فقال : رب أذنبت ؛ وربما قال : أصبت ؛ فاغفر لي ، فقال ربه : أَعَلِمَ عبدي أَنَّ لَهُ ربَّاً يغفر الذنب ويأخذ به ؟ غفرت لعبدي ، ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنباً أو أذنب ذنباً فقال : رب أذنبت أو أصبت آخر فاغفره ؛ فقال : أَعَلِمَ عبدي أَنَّ له ربَّاً يغفر الذنب ويأخذ به ؟ غفرت لعبدي ، ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنباً ؛ وربما قال : أصاب ذنباً قال : قال : رب أصبت أو قال أذنبت آخر فاغفره لي ، فقال : أَعَلِمَ عبدي أَنَّ له ربَّاً يغفر الذنب ويأخذ به ؟ غفرت لعبدي ثلاثاً فليعمل ما شاء ) [350]، والمعنى : ما دام على هذا الحال، كلما أذنب استغفر. والظاهر: أن مراده الاستغفار المقرون بعدم الإصرار، فالاستغفار التام الموجب للمغفرة هو ما قارن عدم الإصرار.
وأما الاستغفار باللسان مع إصرار القلب على الذنب، فهو دعاء مجرد، إن شاء الله أجابه وإن شاء رده، وقد يرجى له الإجابة، ولا سيما إذا خرج عن قلب منكسر بالذنوب، أو صادف ساعة من ساعات الإجابة، كالأسحار وعقب الأذان والصلوات المفروضة ونحو ذلك .
وقد يكون الإصرار مانعاً من الإجابة ، ففي المسند من حديث عبد الله مرفوعاً : " ويل للمُصرِّين الذين يُصِرُّون على ما فعلوا وهم يعلمون " .[351]
توبة الكذابين: من قال : أستغفر الله وأتوب إليه، وهو مصر بقلبه على المعصية، فهو كاذب في قوله، آثم في فعله لأنه غير تائب، فلا يجوز له أن يخبر عن نفسه بأنه تائب وهو غير تائب ، والأشبه بحاله أن يقول : اللهم إني أستغفرك فتب علي.
الإكثار من الاستغفار: في البخاري عن أبي هريرة t عن النبي r قال : " والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة " .[352]
سيد الاستغفار: يستحب أن يزيد في الاستغفار على قوله: أستغفر الله وأتوب إليه، توبة من لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً.
روى البخاري عن شداد بن أوس t عن النبي r قال : " سيد الاستغفار أن تقول : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت ، خلقتني وأنا عبدك ، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك عليَّ وأبوء بذنبي فاغفر لي ، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت " .[353]
الاستغفار لما جهله من الذنوب: من كثرت ذنوبه وسيئاته وغفل عن كثير منها، حتى فاقت العدد والإحصاء، فليستغفر الله عز وجل مما علمه الله تعالى من ذنبه، روى شداد بن أوس t عن النبي r : "وأسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم ، وأستغفرك لما تعلم ، إنك أنت علام الغيوب " .[354]
من ثمرات الاستغفار: في المسند عن ابن عباس t عن النبي r قال : " من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ، ومن كل ضيق مخرجاً ، ورزقه من حيث لا يحتسب " .[355]
الخوف والرجاء: ولا بد لتحقيق الرجاء من الخوف، فيجب على الشخص أن يجمع بينهما ليسلم، ولا يقتصر على أحدهما دون الآخر، لأنه ربما يفضي الرجاء إلى المكر والخوف إلى القنوط، وكل منهما مذموم.
والمختار عند المالكية تغليب الخوف إن كان صحيحاً والرجاء إن كان مريضاً، والراجح عند الشافعية استواؤهما في حق الصحيح : بأن ينظر تارة إلى عيوب نفسه فيخاف ، وتارة ينظر إلى كرم الله تعالى فيرجو ، وأما المريض : فيكون رجاؤه أغلب من خوفه، لقوله r : " لا يموتَنَّ أحدكم إلا وهو يُحسنُ بالله الظَّنَّ".[356]
وقال الإمام الشافعي t في مرض موته [357]:
ولما قَسَا قَلبي وضاقتْ مذاهبي جعلتُ الرَّجَاء مني لعفوِك سُلَّمَا
تَعاظَمنَي ذنبي فلمَّا قرنتُــه بعفوِكَ ربِّي كانَ عفوك أعظمَا ولعل هذه هي الحكمة في ختم هذه الأحاديث المختارة بهذا الحديث وزيادته على الأربعين.
التوحيد أساس المغفرة: من أسباب المغفرة التوحيد، وهو السبب الأعظم، فمن فقده فقد المغفرة، ومن جاء به فقد أتى بأعظم أسباب المغفرة، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[358].
وإن الذنوب لتتصاغر أمام نور توحيد الله عز وجل، فمن جاء مع التوحيد بقراب الأرض خطايا لقيه الله عز وجل بقرابها مغفرة، على أنه موكول إلى مشيئة الله تعالى وفضله: فإن شاء غفر له، وإن شاء أخذه بذنوبه.
النجاة من النار : إذا كمل توحيد العبد وإخلاصه لله فيه، وقام بشروطه كلها، بقلبه ولسانه وجوارحه، أو بقلبه ولسانه عند الموت، أوجب ذلك مغفرة ما سلف من الذنوب كلها ومنعه من دخول النار بالكلية.
قال r لمعاذ بن جبل t : " يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد ؟ قال : الله ورسوله أعلم ، قال : أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ، أتدري ما حقهم عليه ؟ قال : الله ورسوله أعلم ، قال : أن لا يعذبهم " رواه البخاري وغيره .[359]
و عن أبي أمامة t قال : قال رسول الله r : من قال : " لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ،لم يسبقها عمل ولم تبق معها سيئة " .[360]
التوحيد الخالص : من تحقق بكلمة التوحيد قلبه أخرجت منه كل ما سوى الله تعالى، محبة وتعظيماً، وإجلالاً ومهابة، وخشية ورجاء وتوكلاً، وحينئذ تحرق ذنوبه وخطاياه كلها ولو كانت مثل زبد البحر، وربما قلبتها حسنات وأحرق نور محبته لربه كل الأغيار من قلبه : " لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما" رواه أحمد [361]، ومحبة رسول الله r من محبة الله عز وجل .
فوائد الحديث :
1 ـ في هذا الحديث الأسباب التي تحصل بها المغفرة ، وهي ثلاثة :
السبب الأول : الدعاء مع الرجاء :
فإن الدعاء مأمور به ، وموعود عليه بالإجابة ، قال تعالى :} وقال ربكم ادعوني أستجب لكم{[362].
والدعاء عبادة ، قال e : ( الدعاء هو العبادة ) رواه أبو داود .[363]
والله يغضب إن لم يُسأل ، قال e : ( من لم يسأل الله يغضب عليه ) رواه الترمذي .[364]
وينبغي حضور القلب ورجاء الإجابة ، وقد روي عن النبي e أنه قال : ( ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ، واعلموا أَنَّ الله لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ " .[365]
ولا يستعجل الإجابة ،قالe : " يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل ؛ يقول : دعوت فلم يُسْتَجَب لي " متفق عليه .[366]
وأن يعزم المسألة ، فقد نهى رسول الله r أن يقول الداعي أو المستغفر في دعائه واستغفاره : " اللهم اغفر لي إن شئت ، اللهم ارحمني إن شئت ، ليعزم في الدعاء،فإن الله صانعٌ ما شاء لا مُكْرِه له"رواه مسلم.[367]
وللداعي إحدى ثلاث :
قال e : " ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها أثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث : إما أن تُعَجَّلَ له دعوتُه وإمَّا أن يَدَّخِرَها له في الآخرة وإما أن يُصرف عنه من السوءِ مثلها ، قالوا : إذاً نُكْثِر ، قال : الله أكثر " .[368]
السبب الثاني : وهو الاستغفار .
وهو طلب المغفرة ، والمغفرة هي وقاية شر الذنوب مع سترها .
وقد أمر الله به ،قال تعالى: } واستغفر الله إن الله كان غفوراً رحيماً {[369] . وقال تعالى: } واستغفر لذنبك {[370].
ومن أسماء الله : الغفور ،والغفار ، قال تعالى : } نبيء عبادي أني أنا الغفور الرحيم {[371] ، وقال تعالى : } ألا هو العزيز الغفار{[372].
مهما عظمت ذنوب الإنسان فإن الله يغفرها لمن تاب ، قال تعالى : } إن ربك واسع المغفرة {[373] .
والأنبياء وأهل الفضل يطلبون المغفرة من الله ، قال تعالى عن نوح : } رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات {[374] ، وقال الخليل : } والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين {[375] ، وقال موسى : } قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له {[376] .
ومدح المستغفرين ، فقال تعالى : } والمستغفرين بالأسحار {[377] ، والنبي e كان يكثر من الاستغفار ، قال e : ( والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة ) رواه البخاري .[378]
وقال النبي e : " طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً " .[379]
وللاستغفار فوائد :
أولاً : تكفير السيئات ورفع الدرجات ، قال تعالى : } ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً {[380] ، وفي الحديث القدسي : ( قال الله : من يستغفرني فأغفر له .. ) متفق عليه[381] ، وتقدم قوله تعالى في الحديث القدسي : (فاستغفروني أغفر لكم ) رواه مسلم .[382]
ثانياً : سبب لسعة الرزق والإمداد بالمال والبنين ، قال تعالى عن نوح أنه قال لقومه:} فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً * يرسل السماء عليكم مدراراً * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً{[383].
ثالثاً : سبب لحصول القوة في البدن ، قال هود عليه السلام لقومه : } ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوةً إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين {[384] .
رابعاً : سبب لدفع المصائب ورفع البلايا ، قال تعالى : } وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون {[385].
خامساً : سبب لبياض القلب قال e : ( إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه ، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه ) رواه ابن ماجه .[386]
من أقوال السلف : كان عمر t : يطلب من الصبيان الاستغفار ويقول : إنكم لم تذنبوا .[387]
وقال قتادة t : إن هذا القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم ، فأما داؤكم فالذنوب ، وأما دواؤكم فالاستغفار .[388]
وللاستغفار صيغ منها :
- " سيد الاستغفار أن تقول : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت ، خلقتني وأنا عبدك ، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك عليَّ وأبوء بذنبي فاغفر لي ، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت " .[389]
- ( رب اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري كله ، وما أنت أعلم به مني ، اللهم اغفر لي خطاياي وعمدي وجهلي وجدي ، وكل ذلك عندي ، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت ، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير ) رواه البخاري .[390]
- ( رب اغفر لي وتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم ) .[391]
السبب الثالث : التوحيد ، وهو السبب الأعظم .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ” الإنسان إذا أذنب ذنوباً عظيمة ثم لقي الله لا يشرك به شيئاً غفر الله له ، ولكن هذا ليس على عمومه لقوله تعالى : } إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء{[392] ، فقوله هنا في الحديث : ( لأتيتك بقرابها مغفرة ) هذا إذا شاء ، وأما إذا لم يشأ فإنه يعاقب بذنبه“ .
فضائل التوحيد :
أولاً : سبب لمغفرة الذنوب ، كما في حديث الباب .
ثانياً : سبب للنجاة من الشدائد ، قال تعالى : } فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون {[393] .
ثالثاً : سبب لدخول الجنة ، قال e : ( من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة ) متفق عليه .[394]
رابعاً : لأهل التوحيد الأمن والاهتداء ، قال تعالى : } الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون {[395] . لم يلبسوا : لم يخلطوا . إيمانهم : توحيدهم . بظلم : المراد به الشرك كما فسره النبي e بذلك . [396]
2 ـ أن الإنسان مهما دعا الله بأي شيء ورجا الله في أي شيء إلا غفر له[397] ، واستجاب له .
3 ـ بيان سعة فضل الله عز وجل وكرمه وجوده[398] .
4 ـ بيان معنى لا إله إلا الله : أنه هو إفراد الله بالعبادة ، وترك الشرك قليله وكثيره[399] .
5 ـ أن الاستغفار يمحو الذنوب ولو عَظُمَتْ [400].
6 ـ فضيلة الإخلاص وأنه سبب لمغفرة الذنوب[401] .
7 ـ وجوب الإيمان بلقاء الله ، لقوله : " لقيتني " .وقد قال تعالى : } فمن كان يرجو لقاء الله فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً {[402].وقال تعالى : } يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه{[403] .
فملاقيه : أي ملاقي ربك ، وقيل : ملاقي عملك .[404]
انتهى الشرح ؛ والحمد لله رب العالمين .
[1] ـ سبقت ترجمته في الحديث التاسع .
[2] ـ صحيح مسلم ج4/ص2074 حديث رقم : 2699 .
[3] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[4] ـ الكربة هي : ما ضاقت على صاحبها ، فناسبها التنفس .
[5] ـ صحيح البخاري ج6:ص2550 حديث رقم : 6552 .
[6] ـ الأنفال : 72.
[7] ـ المزمل :20 .
[8] ـ سنن البيهقي الكبرى ج5:ص353 حديث رقم : 10735 .
[9] ـ مسند أحمد بن حنبل ج2:ص435 حديث رقم : 9621 .
[10] ـ صحيح مسلم ج4:ص2074 حديث رقم : 2699 .
[11] ـ سنن الترمذي ج4:ص378 حديث رقم : 2032 ، قال الترمذي : حسن غريب ، وقال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي - (ج 5 / ص 32) : حسن صحيح .
[12] ـ [ فضل الستر على المسلم :
وقد قال e : ( من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة ، ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته ) رواه ابن ماجه ج2:ص850 حديث رقم : 2546 ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه - (ج 6 / ص 46) : صحيح .
وقال e : ( يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان في قلبه ، لا تغتابوا المسلمين ، ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنَّ من اتبع عورة أخيه المسلم اتبع الله عورته ، وفضحه وهو في بيته ) رواه البيهقي في السنن الكبرى ج10:ص247 حديث رقم : 20953 .
قال الإمام مالك : ” أدركت بهذه البلدة _ يعني المدينة _ أقواماً لم تكن لهم عيوبٌ ؛ فعابوا الناس فصارت لهم عيوب ، وأدركت بها أقواماً كانت لهم عيوب ، فسكتوا عن عيوب الناس فَنُسِيتْ عيوبُهم “ . الضوء اللامع ج1/ص106 .
قال ابن رجب رحمه الله [ جامع العلوم والحكم ص 639 ، 640 ] : ” واعلم أن الناس على ضربين :
أحدهما : من كان مستوراً لا يعرف بشيء من المعاصي ، فإذا وقعت منه هفوةٌ أو زَلَّةٌ ، فإنه لا يجوز هتكها ولا كشفها ولا التحدث بها ، لأن ذلك غيبة محرمة ، وهذا هو الذي وردت فيه النصوص .... ومثل هذا لو جاء تائباً نادماً ، وأقَرَّ بِحَدِّ لمْ يُفَسِّرْهُ ولم يُسْتَفْسَرْ ، بل يُؤْمَرُ بأنْ يرجعَ ويَستُرَ نفسَـهُ ، كما أمر النبي e ماعزاً والغامدية ، وكما لم يستفسر الذي قال له : أصبت حدَّاً فأقمه عليَّ .
ومثل هذا لو أُخذ بجريمته ، ولم يُبلغِ الإمامَ ، فإنه يُشفع له حتى لا يبلغ الإمامَ ؛ وفي مثله جاء الحديث عن النبي e : ( أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم ) خرَّجه أبو داود والنسائي من حديث عائشة رضي الله عنها .
والثاني : من كان مشتهراً بالمعاصي معلناً بها ، ولا يبالي بما ارتكب منها ، ولا بما قيل له ، هذا هو الفاجر المعلِن ، وليس له غيبة كما نص على ذلك الحسن البصري وغيره ، ومثل هذا لا بأس بالبحث عن أمره ، لتقام عليه الحدود ، .... ومثل هذا لا يُشْفَعُ له إِذا أُخِذَ ولو لم يبلغِ السلطانَ ، بل يُتركُ حتَّى يُقَامَ عليهِ الحَدُّ ، لِيَنْكَفَّ شَرُّهُ ، ويرتدعَ به أمثالُه “ ] . شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد بتصرف يسير.
[13] ـ سنن أبي داود ج4:ص133حديث رقم : 4375 ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود - (ج 9 / ص 375) : صحيح .
[14] ـ صحيح البخاري ج1:ص182حديث رقم:467 ،وصحيح مسلم ج4:ص1999 حديث رقم : 2585 .
[15] ـ صحيح مسلم ج4:ص2074 حديث رقم : 2699 .
[16] ـ العلق :1-5 .
[17] ـ سنن ابن ماجه ج1:ص81 حديث رقم : 224 ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه - (ج 1 / ص 296) : صحيح دون قوله : ( وواضع العلم .. إلخ ) فإنه ضعيف جداً .
[18] ـ سنن الترمذي ج5/ص48 حديث رقم : 2682 ، قال الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح وضعيف سنن الترمذي - (ج 6 / ص 182) : صحيح .
[19] ـ صحيح البخاري ج1:ص50 حديث رقم : 100 ، و صحيح مسلم ج4:ص2058 حديث رقم : 2673 بلفظ : ( إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فَضَلُّوا وأَضَلُّوا ) .
[20] ـ سنن الترمذي ج4:ص612 حديث رقم : 2417 ، و قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي - (ج 5 / ص 417) ، وكذا في صحيح الترغيب والترهيب - (ج 1 / ص 30) : صحيح.
[21] ـ التوبة : 122 .
[22] ـ سنن الترمذي ج5:ص34 حديث رقم : 2657 ، قال الترمذي : حسن صحيح ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي - (ج 6 / ص 157) : صحيح .
[23] ـ صحيح مسلم ج3:ص1255 حديث رقم : 1631 ، وسنن أبي داود ج3:ص117 حديث رقم : 2880 ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود - (ج 1 / ص 2) : صحيح ، وكذا سنن الترمذي ج3:ص660 حديث رقم : 1376 ، قال الترمذي : حسن صحيح ، وقال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي - (ج 3 / ص 376) : صحيح .
[24] ـ سنن الترمذي ج5:ص32حديث رقم:2654، قال الترمذي : حديث غريب ، وقال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي - (ج 6 / ص 154) : حسن .
[25] ـ المجادلة : 11 .
[26] ـ طه : 114 .
[27] ـ طه : 114 .
[28] ـ مدارج السالكين ج2/ص471 .
[29] ـ آل عمران : 18 .
[30] ـ تفسير القرطبي ج4/ص41 .
[31] ـ صحيح البخاري ج1:ص39 حديث رقم : 71 ، و صحيح مسلم ج2:ص718 حديث رقم : 1037 .
[32] ـ سنن ابن ماجه ج1:ص82 حديث رقم : 226 ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه - (ج 1 / ص 298) : صحيح .
[33] ـ سنن الدارمي ج1:ص113 حديث رقم : 357 ، قال الشيخ حسين أسد : إسناده صحيح ، وقال الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح وضعيف الجامع الصغير (ج 9 / ص 166) : صحيح .
[34] ـ مفتاح دار السعادة ج1/ص63 .
[35] ـ الذخيرة ج1/ص43 .
[36] ـ التبصرة ج2/ص202 .
[37] ـ سنن الترمذي ج5/ص48 حديث رقم : 2682 ، ومسند الشهاب ج2:ص103 حديث رقم : 975 ، قال الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح وضعيف سنن الترمذي - (ج 6 / ص 182) : صحيح .
[38] ـ المستدرك على الصحيحين ج1:ص171 حديث رقم : 317 ،والمعجم الكبير ج11:ص38 حديث رقم : 10969 بلفظ: ( فضل العلم أفضل من العبادة وملاك الدين الورع ) ،والمستدرك على الصحيحين ج1:ص170 حديث رقم:314 بلفظ:( فضل العلم أحب إليَّ من فضل العبادة وخير دينكم الورع ) ، قال الذهبي في التلخيص : على شرطهما ، قال الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب والترهيب - (ج 1 / ص 16) : صحيح لغيره .
[39] ـ الإقناع للشربيني ج1/ص11 ، و المستطرف في كل فن مستظرف ج1/ص50 .
[40] ـ مفتاح دار السعادة ج1/ص120 ، و إحياء علوم الدين ج1/ص11 .
[41] ـ شرح السنة ج1/ص279 .
[42] ـ شرح السنة ج1/ص280 .
[43] ـ نشر طي التعريف في فضل حملة العلم الشريف ج1/ص162 .
[44] ـ الدرة الغراء ج1/ص245 .
[45] ـ أدب المفتي والمستفتي ج1/ص74 ، الفقيه والمتفقه ج1/ص149 ، نشر طي التعريف في فضل حملة العلم الشريف ج1/ص37 ، بدائع السلك ج1/ص240 .
[46] ـ شرح السنة ج1/ص279 .
[47] ـ جامع بيان العلم وفضله ج1/ص25 .
[48] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد بتصرف يسير .
[49] ـ قواعد وفوائد من الأربعين النووية / 317 ، 318 بنحوه .
[50] ـ قواعد وفوائد من الأربعين النووية / 319 بنحوه .
[51] ـ الأحزاب : 41-42 .
[52] ـ النور : 36-38 .
[53] ـ صحيح مسلم ج1:ص553 حديث رقم : 804 .
[54] ـ مسند أحمد بن حنبل ج2:ص341 حديث رقم : 8475 ، قال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده ضعيف ، قال الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح وضعيف الجامع الصغير (ج 25 / ص 186) : ضعيف .
[55] ـ ص : 29 .
[56] ـ الرعد : 28 .
[57] ـ طه : 124 .
[58] ـ الزمر : 22 .
[59] ـ صحيح البخاري ج4:ص1914 حديث رقم : 4724 ، و صحيح مسلم ج1:ص547 حديث رقم : 795 بلفظ :( تنزلت للقرآن ) .
[60] ـ الأعراف : 56 .
[61] ـ صحيح البخاري ج5:ص2353 حديث رقم : 6045 .
[62] ـ البقرة : 152 .
[63] ـ جامع العلوم والحكم ص 651 .
[64] ـ فاطر : 29-30 .
[65] ـ النساء : 1 .
[66] ـ الحجرات : 13 .
[67] ـ الشعراء : 214 .
[68] ـ سنن النسائي (المجتبى) ج6:ص249 حديث رقم : 3646 ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي - (ج 8 / ص 218) : صحيح .
[69] ـ التوبة : 71 .
[70] ـ شرح النووي على الأربعين .
[71] ـ صحيح مسلم ج4:ص2074 حديث رقم : 2699 .
[72] ـ التحفة الربانية في شرح الأربعين حديثاً النووية للشيخ إسماعيل الأنصاري / 145 بنحوه.
[73] ـ سنن الترمذي ج4/ص633 حديث رقم : 2449 : قال أبو عيسى هذا حديث غريب وقد روي هذا عن عطية عن أبي سعيد موقوف وهو أصح عندنا وأشبه ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي - (ج 5 / ص 449) : ضعيف .
[74] ـ صحيح مسلم ج3:ص1548 حديث رقم : 1955 .
[75] ـ صحيح البخاري ج2:ص833 حديث رقم : 2234 ، و صحيح مسلم ج4/ص1761 حديث رقم : 2244 .
[76] ـ النور : 19 .
[77] ـ شرح النووي على الأربعين .
[78] ـ التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 110 .
[79] ـ نونية القحطاني ج1/ص19 .
[80] ـ شرح النووي على الأربعين بنحوه .
[81] ـ التحفة الربانية في شرح الأربعين حديثاً النووية للشيخ إسماعيل الأنصاري / 145 بنحوه.
[82] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[83] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[84] ـ المائدة : 2 .
[85] ـ المائدة : 2 .
[86] ـ البقرة : 195 .
[87] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[88] ـ التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 111 .
[89] ـ جامع العلوم والحكم ص 646 .
[90] ـ صحيح البخاري ج4:ص1919 حديث رقم : 4739 .
[91] ـ جامع العلوم والحكم ج1/ص344
[92] ـ صحيح البخاري ج4:ص1673 حديث رقم : 4306 .
[93] ـ جامع العلوم والحكم ج1/ص344 .
[94] ـ صحيح البخاري ج5:ص2353 حديث رقم : 6045 .
[95] ـ صحيح مسلم ج4/ص2075 حديث رقم : 2701 .
[96] ـ الوابل الصيب ج1/ص101 .
[97] ـ الوابل الصيب ج1/ص101.
[98] ـ الفتاوى الكبرى ج1/ص213 .
[99] ـ مفتاح دار السعادة ج1/ص187 .
[100] ـ الأذكار ج1/ص87 .
[101] ـ الزهد لابن حنبل ج1/ص259 .
[102] ـ التبيان في آداب حملة القرآن ج1/ص43 ، حلية الأولياء ج10/ص327 ، النور السافر ج1/ص93 ، صفة الصفوة ج4/ص101 ، طبقات الصوفية ويليه ذكر النسوة المتعبدات الصوفيات ج1/ص222 .
[103] ـ صحيح البخاري ج4:ص1928 حديث رقم : 4771 .
[104] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد بتصرف يسير .
[105] ـ آل عمران: 133-134 .
[106] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[107] ـ التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 112 .
[108] ـ فصلت : 46 .
[109] ـ الحجرات : 13 .
[110] ـ صحيح مسلم ج4/ص1987 حديث رقم : 2564 .
[111] ـ الشعراء : 214 .
[112] ـ صحيح البخاري ج3:ص1012 حديث رقم : 2602 ، و صحيح مسلم ج1:ص192 حديث رقم : 206 .
[113] ـ التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 112 .
[114] ـ سبقت ترجمته في الحديث التاسع عشر .
[115] ـ صحيح البخاري ج5/ص2380 حديث رقم : 6126 ، وصحيح مسلم ج1/ص118 حديث رقم : 131 بلفظ : عن ابن عَبَّاسٍ عن رسول اللَّهِ r فِيمَا يَرْوِي عن رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قال : " إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذلك فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فلم يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا الله عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً وَإِنْ هَمَّ بها فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا الله عز وجل عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إلى سبعمائة ضِعْفٍ إلى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فلم يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا الله عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً وَإِنْ هَمَّ بها فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا الله سَيِّئَةً وَاحِدَةً " .
[116] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[117] ـ الأنعام :160 .
[118] ـ البقرة : 261 .
[119] ـ صحيح مسلم ج3/ص1505 حديث رقم : 1892 .
[120] ـ جامع العلوم والحكم ج1/ص351 .
[121] ـ الأنعام : 160 .
[122] ـ صحيح مسلم ج1:ص117 حديث رقم : 129 .
[123] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[124] ـ صحيح البخاري ج6:ص2724 حديث رقم : 7062 .
[125] ـ فتح الباري ج11/ص326 .
[126] ـ صحيح البخاري ج1:ص20 حديث رقم : 31 .
[127] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[128] ـ التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 114 .
[129] ـ جامع العلوم والحكم ج1/ص348 .
[130] ـ سنن ابن ماجه ج1:ص659 حديث رقم : 2043 ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه - (ج 5 / ص 43) : صحيح .
[131] ـ صحيح البخاري ج1:ص128 حديث رقم : 328 .
[132] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[133] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[134] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[135] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[136] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[137] ـ سنن النسائي الكبرى ج4:ص396 حديث رقم : 7670 ، قال الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب والترهيب - (ج 1 / ص 5) : صحيح .
[138] ـ جامع العلوم والحكم ص 669 .
[139] ـ التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 116 .
[140] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[141] ـ تفسير ابن كثير ج4/ص225 .
[142] ـ ق : 18 .
[143] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[144] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[145] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[146] ـ سبقت ترجمته في الحديث التاسع .
[147] ـ صحيح البخاري ج5/ص2384 حديث رقم : 6137 .
[148] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[149] ـ وفي رواية : ( من أهان ) . [ المعجم الأوسط ج1:ص192 حديث رقم : 609 ] .
وفي رواية : ( من أذلَّ ) [ مسند أحمد بن حنبل ج6:ص256 حديث رقم : 26236 ، قال الشيخ شعيب الأرناؤوط : حديث صحيح لغيره ، وهذا إسناد ضعيف لضعف عبد الواحد مولى عروة ] .
وفي رواية : ( من أذى ) [ مسند أبي يعلى ج12:ص520 حديث رقم : 7087 ، قال الشيخ حسين أسد : إسناده ضعيف جداً ] .
[150] ـ يونس : 62-63 .
[151] ـ مسند أحمد بن حنبل ج6:ص256 حديث رقم : 26236 ، قال الشيخ شعيب الأرناؤوط : حديث صحيح لغيره ، وهذا إسناد ضعيف لضعف عبد الواحد مولى عروة .
[152] ـ سنن الترمذي ج3:ص617 حديث رقم : 1329 ، قال الترمذي : حسن غريب ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي - (ج 3 / ص 329) : ضعيف .
[153] ـ جامع العلوم والحكم ج1/ص361.
[154] ـ البقرة : 152 .
[155] ـ مسند أبي يعلى ج12:ص520 حديث رقم : 7087 ، قال الشيخ حسين أسد : إسناده ضعيف جداً .
[156] ـ جامع العلوم والحكم ص 683 .
[157] ـ شرح النووي على الأربعين .
[158] ـ ولاية الله والطريق إليها ج1/ص415 .
[159] ـ مدارج السالكين ج3/ص 17 ، 18 .
[160] ـ آل عمران : 31 .
[161] ـ آل عمران : 31 .
[162] ـ مدارج السالكين ج3/ص21 .
[163] ـ المائدة : 54 .
[164] ـ الفتح : 29 .
[165] ـ مدارج السالكين ج3/ص22 .
[166] ـ جامع العلوم والحكم ج1/ص364 .
[167] ـ جامع العلوم والحكم ج1/ص364 .
[168] ـ جامع العلوم والحكم ج1/ص364 .
[169] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد بتصرف يسير .
[170] ـ مسند أحمد بن حنبل ج3:ص18 حديث رقم : 11149 ، قال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده جيد ، قال الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب والترهيب - (ج 2 / ص 128) : حسن صحيح .
[171] ـ التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 119 .
[172] ـ التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 119 بنحوه.
[173] ـ التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 120 بنحوه.
[174] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[175] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين ، التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 119 بنحوه.
[176] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[177] ـ قواعد وفوائد من الأربعين النووية / 343 .
[178] ـ صحيح مسلم ج1/ص515 حديث رقم : 746 .
[179] ـ صحيح البخاري ج5:ص2373 حديث رقم: 6100 ، صحيح مسلم ج1/ص541 حديث رقم: 783.
[180] ـ سنن الترمذي ج5:ص462 حديث رقم : 3382 ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (ج 7 / ص 382) : حسن.
[181] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[182] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[183] ـ التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 120 بنحوه.
[184] ـ البقرة : 195 .
[185] ـ آل عمران : 76 .
[186] ـ سنن النسائي الكبرى ج5:ص108 حديث رقم : 8399 .
[187] ـ التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 120 بنحوه.
[188] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين ، التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 120 بنحوه.
[189] ـ صحيح البخاري ج1:ص262 حديث رقم : 722 .
[190] ـ صحيح مسلم ج3/ص1231 حديث رقم : 1610 .
[191] ـ قواعد وفوائد من الأربعين النووية / 343 .
[192] ـ سبقت ترجمته في الحديث الثامن عشر .
[193] ـ سنن ابن ماجه ج1:ص659 حديث رقم : 2043 ، قال الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه (ج 5 / ص 43) : صحيح .
[194] ـ سنن البيهقي الكبرى ج7:ص356 حديث رقم : 14871 ولفظه : " إن الله تجاوز لي عن أمتي ... " الحديث .
[195] ـ انظر : صحيح ابن حبان ج16:ص202 حديث رقم : 7219 ، و المستدرك على الصحيحين ج2:ص216 حديث رقم : 2801 ، والمعجم الصغير ( الروض الداني ) ج2:ص52 حديث رقم : 765 ، والمعجم الكبير ج11:ص133 حديث رقم : 11274 ، ومسند الشاميين ج2:ص152 حديث رقم : 1090 ، ومصنف ابن أبي شيبة ج4:ص172 حديث رقم : 19051 .
ملحوظة : نص الحديث في متن الأربعين : ((عَن ابْنِ عَبَّاسِ رَضِيَ الله عَنْهُما: أن رَسُوَل اللهِ r قَالَ : "إنَّ الله تَجاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتي : الْخَطَأَ ، والنِّسْياَنَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ )) حديث حسن ، رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما )) ، ولم أجده عند ابن ماجه من رواية ابن عباس بهذا اللفظ ولا عند البيهقي ، وإنما الموجود عند ابن ماجه عن ابن عباس بلفظ : (( إن الله وضع عن أمتي.. )) [ سنن ابن ماجه ج1:ص659 حديث رقم : 2045 ] وكذا عند البيهقي [ سنن البيهقي الكبرى ج10:ص60 حديث رقم : 19798 ولفظه : " تجاوز الله عن أمتي ... " الحديث] وقد صححه الألباني ، ولفظ : (( إن الله تجاوز عن أمتي .. )) هو حديث أبي ذر t ، وقد أثبته في الأعلى ، ولم أجد رواية ابن عباس إلا عند الطبراني في الكبير [ المعجم الكبير ج11:ص133 حديث رقم : 11274 ] والحاكم في المستدرك [ المستدرك على الصحيحين ج2:ص216 حديث رقم : 2801 ] بألفاظ متقاربة .
[196] ـ انظر : صحيح وضعيف سنن ابن ماجه - (ج 5 / ص 43) .
[197] ـ انظر : إرواء الغليل - (ج 4 / ص 213) حديث رقم : 1027 .
[198] ـ انظر : مختصر إرواء الغليل - (ج 1 / ص 511) حديث رقم : 2566 .
[199] ـ سنن ابن ماجه ج1:ص659 حديث رقم : 2045 ، قال الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه - (ج 5 / ص 45) : صحيح .
[200] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[201] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[202] ـ البقرة:286 .
[203] ـ الأحزاب : 5 .
[204] ـ البقرة : 285 .
[205] ـ شرح النووي على الأربعين .
[206] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[207] ـ قواعد وفوائد من الأربعين النووية / 349 .
[208] ـ التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 122.
[209] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[210] ـ البقرة : 286 .
[211] ـ صحيح مسلم ج1/ص116 حديث رقم : 126 .
[212] ـ البقرة : 286 .
[213] ـ الأحزاب : 5 .
[214] ـ النحل : 106 .
[215] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[216] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[217] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[218] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[219] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[220] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[221] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[222] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[223] ـ سبقت ترجمته في الحديث الثالث .
[224] ـ صحيح البخاري ج5 : ص2358 حديث رقم : 6053 .
[225] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[226] ـ ويُروى بالإفراد والتثنية . ( التحفة الربانية في شرح الأربعين حديثاً النووية للشيخ إسماعيل الأنصاري / 156 ) .
[227] ـ آل عمران : 185 .
[228] ـ لقمان : 34 .
[229] ـ مسند أحمد بن حنبل ج1:ص441 حديث رقم : 4208 ، قال الشيخ شعيب الأرناؤوط : صحيح , وهذا إسناد حسن .
[230] ـ التوبة : 38 .
[231] ـ غافر : 39 .
[232] ـ الزخرف : 67 .
[233] ـ الفرقان: 27- 29 .
[234] ـ البقرة : 197 .
[235] ـ رياض الصالحين ج1/ص107 .
[236] ـ جامع العلوم والحكم ج1/ص380 .
[237] ـ جامع العلوم والحكم ج1/ص380 .
[238] ـ قصر الأمل ج1/ص 169 ، 170 .
[239] ـ حلية الأولياء ج5/ص 261 ، 262 .
[240] ـ صحيح البخاري ج5/ص2358 في باب في الأمل وطوله .
[241] ـ العاقبة في ذكر الموت ج1/ص46 .
[242] ـ العاقبة في ذكر الموت ج1/ص81 .
[243] ـ ديوان الإمام الشافعي ج1/ص109 .
[244] ـ الشعراء : 205 ـ 206 ـ 207 .
[245] ـ يونس : 45 .
[246] ـ النازعات : 46 .
[247] ـ المؤمنون : 113 ـ 114 .
[248] ـ الأحقاف : 35 .
[249] ـ طه : 103 ، 104 .
[250] ـ مدارج السالكين ج1/ص450 .
[251] ـ مدارج السالكين ج1/ص451 .
[252] ـ شعب الإيمان ج7/ص369 .
[253] ـ قصر الأمل ج1/ص60 في الفقرة رقم : 64 .
[254] ـ قصر الأمل ج1/ص60 في الفقرة رقم : 65 .
[255] ـ المؤمنون : 99 ـ 100 .
[256] ـ المنافقون : 10 ـ 11 .
[257] ـ صحيح مسلم ج3:ص1255 حديث رقم : 1631 .
[258] ـ حلية الأولياء ج2/ص149 .
[259] ـ العاقبة في ذكر الموت ج1/ص41 .
[260] ـ العاقبة في ذكر الموت ج1/ص41 .
[261] ـ حلية الأولياء ج3/ص129 ، شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور ج1/ص29 .
[262] ـ إحياء علوم الدين ج4/ص452 .
[263] ـ صحيح البخاري ج5:ص2357 حديث رقم : 6049 .
[264] ـ المستدرك على الصحيحين ج4:ص341 حديث رقم : 7846 ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، قال الذهبي في التلخيص : على شرط البخاري ومسلم .
[265] ـ جامع العلوم والحكم ص 719 .
[266] ـ مصنف ابن أبي شيبة ج7/ص234 حديث رقم : 35619 .
[267] ـ العاقبة في ذكر الموت ج1/ص88 .
[268] ـ جامع العلوم والحكم ج1/ص386 .
[269] ـ الإصابة في تمييز الصحابة ج4/ص187 .
[270] ـ المدهش ج1/ص370 .
[271] ـ حلية الأولياء ج8/ص304 .
[272] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد بتصرف يسير .
[273] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[274] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[275] ـ الزمر : 56 ـ 57 ـ 58 .
[276] ـ المؤمنون : 99 ـ 100 .
[277] ـ جامع العلوم والحكم ج1/ص386 .
[278] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[279] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين ، التحفة الربانية في شرح الأربعين حديثاً النووية للشيخ إسماعيل الأنصاري / 159 بنحوه .
[280] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[281] ـ التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 124.
[282] ـ التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 124.
[283] ـ صفة الصفوة ج1/ص578 .
[284] ـ سير أعلام النبلاء ج3/ص211 .
[285] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد بتصرف يسير .
[286] ـ مسند أحمد بن حنبل ج1:ص161 حديث رقم : 1381 ، قال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده ضعيف لانقطاعه .
[287] ـ راجع : الإصابة في تمييز الصحابة ج4:ص192 ، و تهذيب التهذيب ج5:ص294 ، و تقريب التهذيب ج1:ص315
[288] ـ جامع العلوم والحكم ص 724 .
[289] ـ انظر : مشكاة المصابيح - (ج 1 / ص 36) حديث رقم : 167 .
[290] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[291] ـ وسمي الهوى هوى لأنه يهوي بصاحبه . ( شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد ) .
[292] ـ صحيح البخاري ج4/ص1797 حديث رقم : 4510 ، والدر المنثور ج6/ص634 .
[293] ـ ص : 26 .
[294] ـ ص : 26 .
[295] ـ القصص: 50 .
[296] ـ الروم : 29 .
[297] ـ مسند الشهاب ج1:ص214 .
[298] ـ لسان العرب ج4:ص203 : و الحظار حائطها وصاحبها محتضر إذا اتخذها لنفسه فإذا لم تخصه بها فهو محظر وكل ما حال بينك وبين شيء فهو حظار و حظار وكل شيء حجر بين شيئين فهو حظار وحجار و الحظار الحظيرة تعمل للإبل من شجر لتقيها البرد والريح
[299] ـ صحيح مسلم ج4:ص2174 حديث رقم : 2822 .
[300] ـ الفرقان : 43 .
[301] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد بتصرف يسير .
[302] ـ مختار الصحاح ج1:ص247 : و اللجلجة و التلجلج التردد في الكلام يُقال : الحق أبلج والباطل لجلج ، أي يتردد من غير أن ينفذ .
[303] ـ القصص : 50 .
[304] ـ الفرقان : 43 .
[305] ـ تفسير القرطبي ج13/ص35 .
[306] ـ رواه الخرائطي عن أبي أمامة مرفوعاً وهو موضوع [ انظر : الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ج1/ص239 ] .
[307] ـ الشمس :9-10 .
[308] ـ سنن الترمذي ج4:ص165 حديث رقم : 1621 ، قال الترمذي : حسن صحيح ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي - (ج 4 / ص 121) حديث رقم : 1621 : صحيح .
[309] ـ النازعات : 40 – 41 .
[310] ـ حلية الأولياء ج9/ص326 .
[311] ـ صحيح البخاري ج5:ص2267حديث رقم:5763،و صحيح مسلم ج4:ص2014 حديث رقم:2609.
[312] ـ روضة المحبين ج1/ص478 .
[313] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد بتصرف يسير .
[314] ـ صحيح البخاري ج1:ص14 حديث رقم : 15 ، و صحيح مسلم ج1:ص67 حديث رقم: 44 بنحوه.
[315] ـ آل عمران : 31 .
[316] ـ صحيح البخاري ج1:ص14 حديث رقم : 16 ، و صحيح مسلم ج1:ص66 حديث رقم : 43 .
[317] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[318] ـ التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 124.
[319] ـ التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 125.
[320] ـ الأنفال : 2 .
[321] ـ المدثر : 31 .
[322] ـ الفتح : 4 .
[323] ـ حاشية ابن القيم على سنن أبي داود ج12/ص292 .
[324] ـ فتح الباري ج1/ص48 .
[325] ـ صحيح البخاري ج1/ص11 في كتاب الإيمان .
[326] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد بتصرف يسير .
[327] ـ تعليقات الأنصاري على الأربعين .
[328] ـ التحفة الربانية في شرح الأربعين حديثاً النووية للشيخ إسماعيل الأنصاري / 161 .
[329] ـ النساء : 65 .
[330] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[331] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[332] ـ سبقت ترجمته في الحديث الثالث عشر .
[333] ـ نص الحديث في الأربعين : (( عن أنسٍ t قال : سمِعْتُ رسولَ اللهِ r يقول : " قال اللهُ تعالى: يا ابنَ آدَمَ، إنَّكَ ما دَعَوْتَني ورجَوْتَني غَفَرْتُ لَكَ على ما كانَ مِنْكَ ولا أُبالي . يا ابنَ آدَمَ، لَوْ بلغت ذنوبُك عَنَان السماء، ثم استغفرتني غَفَرْتُ لكَ. يا ابن آدَمَ، إنَّك لَو أَتَيْتَني بقُرَاب اْلأَرْضِ خَطَايا، ثُمَّ لَقِيَتني لا تُشْرِكُ بي شَيْئاً، لأتَيْتُكَ بقُرَابِها مَغْفِرَةً " . رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح )) ، والنص الوارد عند الترمذي أثبته في الأعلى .
[334] ـ انظر : صحيح وضعيف سنن الترمذي - (ج 8 / ص 40) حديث رقم : 3540 .
[335] ـ قواعد وفوائد من الأربعين النووية / 357 .
[336] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[337] ـ غافر : 60 .
[338] ـ سنن أبي داود ج2:ص76 حديث رقم : 1479 ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود - (ج 1 / ص 2) : صحيح .
[339] ـ المعجم الصغير ( الروض الداني ) ج2:ص198 حديث رقم : 1022 .
[340] ـ لسان الميزان ج2/ص248 ، وقال فيه ابن حجر : ليس له أصل .
[341] ـ سنن الترمذي ج5:ص517 حديث رقم : 3479 ، قال الترمذي : حديث غريب ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي - (ج 7 / ص 479) حديث رقم : 3479 : حسن .
[342] ـ صحيح مسلم ج4:ص2063 حديث رقم : 2679 .
[343] ـ صحيح البخاري ج5:ص2335 حديث رقم : 5981 واللفظ له ، و صحيح مسلم ج4:ص2095 حديث رقم : 2735 بنحوه .
[344] ـ صحيح مسلم ج2/ص703 حديث رقم : 1015 .
[345] ـ المعجم الأوسط ج6/ص310 ، 311 حديث رقم : 6495 .
[346] ـ سنن الترمذي ج5:ص462 حديث رقم : 3381 ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي - (ج 7 / ص 381) حديث رقم : 3381 : حسن .
[347] ـ مسند أحمد بن حنبل ج3:ص18 حديث رقم : 11149 ، قال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده جيد .
[348] ـ المعجم الأوسط ج4:ص337 حديث رقم : 4368 .
[349] ـ المستدرك على الصحيحين ج1/ص728 حديث رقم : 1994 .
[350] ـ صحيح البخاري ج6:ص2725 حديث رقم 7068 .
[351] ـ مسند أحمد بن حنبل ج2:ص165 حديث رقم : 6541 ،قال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده حسن.
[352] ـ صحيح البخاري ج5:ص2324 حديث رقم : 5948 .
[353] ـ صحيح البخاري ج5:ص2323 حديث رقم : 5947 .
[354] ـ مسند أحمد بن حنبل ج4:ص123 حديث رقم : 17155 ، قال الشيخ شعيب الأرناؤوط : حديث حسن بطرقه ، وهذا إسناد ضعيف لانقطاعه ، حسان بن عطية لم يدرك شداد بن أوس . ورجال الإسناد ثقات رجال الشيخين .
[355] ـ مسند أحمد بن حنبل ج1:ص248 حديث رقم:2234،قال الشيخ شعيب الأرناؤوط :إسناده ضعيف .
[356] ـ صحيح مسلم ج4:ص2205 حديث رقم : 2877 .
[357] ـ تاريخ مدينة دمشق ج51/ص431 .
[358] ـ النساء : 116 .
[359] ـ صحيح البخاري ج6:ص2685 حديث رقم : 6938 .
[360] ـ المعجم الكبير ج8:ص115 حديث رقم : 7533 .
[361] ـ مسند أحمد بن حنبل ج3:ص207 حديث رقم : 13174 ، قال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين .
[362] ـ غافر : 60 .
[363] ـ سنن أبي داود ج2:ص76 حديث رقم : 1479 ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود - (ج 3 / ص 479) حديث رقم : 1479 : صحيح .
[364] ـ سنن الترمذي ج5:ص456 حديث رقم : 3373 ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي - (ج 7 / ص 373) حديث رقم : 3373 : حسن .
[365] ـ سنن الترمذي ج5 :ص517 حديث رقم :3479 ، قال الترمذي : حديث غريب ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي - (ج 7 / ص 479) حديث رقم : 3479 : حسن .
[366] ـ صحيح البخاري ج5:ص2335 حديث رقم : 5981 واللفظ له ، و صحيح مسلم ج4:ص2095 حديث رقم : 2735 بنحوه .
[367] ـ صحيح مسلم ج4:ص2063 حديث رقم : 2679 .
[368] ـ مسند أحمد بن حنبل ج3:ص18 حديث رقم : 11149 ، قال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده جيد .
[369] ـ النساء : 106 .
[370] ـ غافر : 55 .
[371] ـ الحجر : 49 .
[372] ـ الزمر : 5 .
[373] ـ النجم : 32 .
[374] ـ نوح : 28 .
[375] ـ الشعراء : 82 .
[376] ـ القصص : 16 .
[377] ـ آل عمران : 17 .
[378] ـ صحيح البخاري ج5:ص2324 حديث رقم : 5948 .
[379] ـ سنن ابن ماجه ج2:ص1254 حديث رقم : 3818 ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه - (ج 8 / ص 318) حديث رقم : 3818 : صحيح .
[380] ـ النساء : 110 .
[381] ـ صحيح البخاري ج1:ص384 حديث رقم:1094، و صحيح مسلم ج1/ص521 حديث رقم : 758 .
[382] ـ صحيح مسلم ج4/ص1994 حديث رقم : 2577 .
[383] ـ نوح : 10 ـ 11 ـ 12 .
[384] ـ هود : 52 .
[385] ـ الأنفال : 33 .
[386] ـ سنن ابن ماجه ج2:ص1418 حديث رقم : 4244 ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه - (ج 9 / ص 244) حديث رقم : 4244 : حسن .
[387] ـ جامع العلوم والحكم ج1/ص397 .
[388] ـ جامع العلوم والحكم ج1/ص397 .
[389] ـ صحيح البخاري ج5:ص2323 حديث رقم : 5947 .
[390] ـ صحيح البخاري ج5:ص2350 حديث رقم : 6035 .
[391] ـ سنن أبي داود ج2:ص85 حديث رقم : 1516 ، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود - (ج 4 / ص 16) حديث رقم : 1516 : صحيح .
[392] ـ النساء : 48 .
[393] ـ العنكبوت : 65 .
[394] ـ صحيح البخاري ج1:ص60 حديث رقم : 129 ، و صحيح مسلم ج1/ص94 حديث رقم : 93 .
[395] ـ الأنعام : 82 .
[396] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
[397] ـ التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 126.
[398] ـ التحفة الربانية في شرح الأربعين حديثاً النووية للشيخ إسماعيل الأنصاري / 163 ، التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 126 بنحوه .
[399] ـ التحفة الربانية في شرح الأربعين حديثاً النووية للشيخ إسماعيل الأنصاري / 164 .
[400] ـ التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 126 بنحوه .
[401] ـ التعليقات على الأربعين النووية للعثيمين / 127.
[402] ـ الكهف : 110 .
[403] ـ الانشقاق : 6 .
[404] ـ شرح الأربعين النووية للشيخ سليمان بن محمد اللهيميد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق